التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, نوفمبر 14, 2024

محادثات ظريف في بغداد.. تعزيز التعاون للتغلب على التحديات 

إن الوجود الاقتصادي الإيراني في السوق العراقية وتنمية العلاقات الاقتصادية مع هذا البلد هي محور ارتكاز طهران في فترة العقوبات، حيث إن العراق هو حاليا الشريك التجاري الأهم لإيران.
وصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى العراق يوم الأحد في زيارة دبلوماسية للقاء المسؤولين العراقيين. وأثارت هذه الزيارة، وهي الأولى التي يقوم بها وزير الخارجية الإيراني إلى بغداد منذ تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وتبوء مصطفى الكاظمي منصب رئيس مجلس الوزراء العراقي، حساسيات سياسية وإعلامية. من ناحية أخرى، تسببت هذه الزيارة التي سبقت زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى السعودية وإيران، بموجة من التكهنات الإعلامية حول الغرض من زيارة ظريف. وفي هذا السياق، السؤال الذي يطرح نفسه حالياً، هو ما هي الأهداف الرئيسة لزيارة وزير الخارجية الإيراني لبغداد؟

تعزيز العلاقات الثنائية والبحث في التعاون السياسي والاقتصادي والأمني

تتمتع إيران والعراق، باعتبارهما جارين تاريخيين لهما العديد من القواسم المشتركة الثقافية، بعلاقات شاملة وواسعة النطاق في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية، ولهذا السبب، فإن أحد الموضوعات الرئيسة للزيارات الدبلوماسية لمسؤولي البلدين هو المناقشة والتشاور حول كيفية تطوير العلاقات في جميع هذه الجوانب وإزالة الحواجز والتحديات.
مع تصاعد العقوبات الأمريكية غير القانونية على طهران بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، جعلت إيران أحد أهدافها الرئيسة، هو ما يتعلّق بالمجال الاقتصادي من خلال استخدام الإمكانات الإقليمية وتوسيع العلاقات الاقتصادية مع الجيران. في غضون ذلك، كان الوجود الاقتصادي الإيراني في السوق العراقية وتطور العلاقات الاقتصادية مع هذا البلد في غاية الأهمية بالنسبة لطهران، بحيث أصبح العراق الآن أهم شريك تجاري لإيران، ووفقًا للإحصاءات، بلغت الصادرات الإيرانية غير النفطيّة لهذا البلد في العام الماضي 8 مليارات و 992 مليون دولار.
في غضون ذلك، وخلال زيارة حسن روحاني الى العراق العام الماضي، تم الاتفاق على وضع خطط للوصول إلى تبادل تجاري بقيمة 20 مليار دولار في السنة. وفي هذا الصدد، شدد وزير الخارجية الإيراني في مؤتمر صحفي مع نظيره العراقي على ضرورة تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين بما يخدم مصلحة الطرفين.
ووصف ظريف العراق بأنه أحد أولويات إيران الاقتصادية، وقال: “إن الإمكانات الاقتصادية للبلدين، سواء في مجال الطاقة والتجارة، على الرغم من تفشي وباء كورونا، يمكن استخدامها لتنمية وتطوير البلدين، ونحن مصممون على مواصلة هذه العلاقات الجيدة”.
يمكن أن يشير التركيز على مسألة تفشي فيروس كورونا، التي كان لها آثار اقتصادية مدمّرة على معظم دول العالم، إلى حوار ثنائي حول الحاجة إلى زيادة التبادل التجاري بين البلدين، خاصة بعد إعادة فتح المعابر الحدودية، والتي كانت قد اُغلقت في السابق من قبل الجانب العراقي للوقوف أمام تفشّي الفيروس بشكل أكثر.
وذكر ظريف في هذا المؤتمر الصحفي مسألة الاتفاقيات المختلفة التي تم التوصل إليها خلال زيارة روحاني لبغداد في مجالات الشحن والحدود المائيّة والبحريّة والسكك الحديدية والتعاون في مجال الطاقة والتبادل السياحي والسياحة الدينية والصحة وغيرها من المجالات، وهو ما يظهر أن التركيز الحقيقي لهذه الزيارة كان يصبّ نحو المفاوضات الاقتصادية مع الشركاء العراقيين.
لكن إحدى المواضيع التي استهدفت التعاون الاقتصادي بين البلدين في الأيام الأخيرة، هو مساعي أمريكا لاستبدال الدول الخليجية عوضاً عن إيران فيما يخص ملف تصدير الكهرباء إلى العراق. حيث تسعى أمريكا، التي فشلت بشكل كبير في تنفيذ سياستها المزعومة للضغط الأقصى على إيران، إلى التأثير على التبادلات الاقتصادية بين طهران وبغداد.
في السنوات الأخيرة، أولت واشنطن اهتماماً لصادرات إيران من الكهرباء إلى العراق، ولكن بسبب العواقب السلبية للعقوبات التي فرضتها أمريكا على العراق بمنع استيراد الكهرباء من العراق، وعدم وجود مورد بديل، اضطر البيت الأبيض، في مايو 2020 إلى تمديد الإعفاء من العقوبات على استيراد الكهرباء من إيران إلى بغداد لمدة 120 يومًا. وقد يكون هذا الأمر، أحد موضوعات المحادثات الاقتصادية للوفد الإيراني مع الجانب العراقي.
ومن جانب آخر، من الأولويات الأخرى التي تم بحثها خلال زيارة ظريف الى بغداد، هو تعاون هذين البلدين اللذين يمثلان مع بعض الدول الأخرى، محور المقاومة، في ملف مكافحة الإرهاب. وفي الأشهر الأخيرة، وضعت أمريكا، والكيان الصهيوني، والسعودية مشروعاً خطيراً من أجل إعادة تنظيم داعش بهدف زعزعة الاستقرار في العراق وتنشيط الخلايا الإرهابية فيه، ولكن تم إحباط هذا المشروع من قبل المسؤولين العراقيين وقوات الأمن، وخاصة قوات الحشد الشعبي.
إن تبعات استقرار العراق الأمني على الاستقرار الإقليمي، والاستقرار الأمني المترابط بين الجارتين، وخاصة قضية الجماعات الإرهابية والانفصالية، ودور العراق في مد الجسور بين طهران ودمشق وبيروت، والآثار السلبية لوجود القوات الأجنبية على الأراضي العراقية دون موافقة البرلمان على ذلك وتأثيره على أمن البلاد، يمثل المصالح الأمنية الإيرانية في العراق.
وفي هذا الصدد، وبالنظر إلى التعاون المكثف بين الجانبين في ملف مكافحة الإرهاب في السنوات الأخيرة وأهميته للشعب العراقي، شدد ظريف في مؤتمر صحفي على أن العلاقات بين إيران والعراق قد استقرت بدماء شعوب البلدين في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، ولن تنتهي هذه العلاقات أبدًا بأي شكل من الأشكال. من ناحية أخرى، في الظروف التي يعاني منها العراق من تفشي فيروس كورونا، فإن الإعلان عن استعداد طهران لتقديم الخبرات والقدرات الصحية والطبية الإيرانية في هذا الاتجاه يمكن أن يكون من أهم القضايا بالنسبة للجانب العراقي.

ملف اغتيال الشهيد قاسم سليماني

فور وصوله إلى بغداد، اتجه ظريف نحو مكان استشهاد الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهم، وأثنى على مكانة هؤلاء الشهداء بتلاوة سورة الفاتحة. ثم قال للصحافيين إنه خلال الزيارة سيتم متابعة ملف استشهاد قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما مع الأشقاء العراقيين.
وعلى الرغم من أن ايران أعلنت مراراً أن الرد الرئيس على الاغتيال الجبان للجنرال الحاج قاسم سليماني سيتوج بطرد القوات الإرهابية الأمريكية من المنطقة، فإن إيران من خلال وزارة الخارجية ومكتب الرئيس الإيراني للقانون الدولي ومقر حقوق الإنسان التابع للقضاء، تواصل متابعة الدعوى القضائية لهذا الاغتيال على المستوى الدولي.
في 10 يوليو، قدمت المحققة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان تقريرا حول العمل الإرهابي الذي قامت به الحكومة الأمريكية في مقتل قاسم سليماني، إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وأدانت أغنس كالامار أمريكا ووصفتها بأنها انتهكت منشور الأمم المتحدة فيما يتعلق بالدفاع عن نفسها وارتكب عملية إجرامية بدم بارد. سيكون لهذا التقرير بالتأكيد تأثير إيجابي على جهود البلدين لمتابعة القضية في المجتمع الدولي.

هل تأخذ الوساطة حيّزاً في هذه الزيارة؟

منذ الإعلان عن رغبة رئيس الوزراء العراقي بزيارة السعودية وإيران في وسائل الإعلام، أثار توقيت زيارة محمد جواد ظريف لبغداد قبل زيارة مصطفى كاظمي إلى الرياض، انتباه وسائل الإعلام حول إمكانية توسط العراق بين إيران والمملكة العربية السعودية.
وبحسب وسائل الإعلام العراقية، من المقرّر أن يجري السيد الكاظمي محادثات مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته للسعودية، وأن يزور طهران يوم الثلاثاء، ويلتقي خلالها بكبار المسؤولين الإيرانيين، وعلى رأسهم المرشد الأعلى آية علي الله خامنئي.
قد تكون هذه الزيارات واللقاءات بالإضافة الى جهود رئيس الوزراء العراقي السابق، عادل عبد المهدي، من أجل الوساطة بين البلدين، قد أثارت الانتباه مرة أخرى إلى موضوع الوساطة بين الرياض وطهران. ومع ذلك، لا يمكن أن تكون مسألة طلب الوساطة بأيّ حال من الأحوال على جدول أعمال زيارة ظريف لبغداد، حيث تمّ تحديد موعد هذه الزيارة قبل الإعلان عن زيارة الكاظمي للسعودية وإيران.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق