دور واشنطن في تصعيد التوترات بين لندن وبكين
تظهر الأدلة أن الحكومة البريطانية، مثل العديد من البلدان الأخرى حول العالم، تنتظر مصير الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر. وبالتأكيد إذا لم يفز دونالد ترامب في الانتخابات، فمن المحتمل أن يعيد السياسيون البريطانيون النظر في العديد من علاقاتهم التجارية الاقتصادية مع الحكومة الصينية، بل يبادرون من أجل أن يصبحوا أكبر شريك تجاري لبكين في جميع أنحاء العالم.
الوقت-مع اقتراب موعد 3 تشرين الثاني (نوفمبر)، أي موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تزايدت حدة المواجهة بين البيت الأبيض والحكومة الصينية إلى ذروتها. في الواقع، بعد خيبة الأمل التي اصابت دونالد ترامب بسبب عدم دعم الصين له في انتخابات 2020 ، يحاول ترامب الأن اتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لتقويض العلاقات بين البلدين، ولكن في الوقت نفسه، من الجدير بالذكر أن واشنطن تنوي ضم الدول الأوروبية لمعاداة ومواجهة الصين، وعلى وجه الخصوص، الحكومة البريطانية، التي هي في أمس الحاجة إلى دعم أمريكا في وضع ما بعد الاستفتاء وبعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، حيث تعرضت لضغوط شديدة من البيت الأبيض ومن ترامب من أجل مواجهة الصين.
إن الجدل حول مسلمي الايغور، وإقرار قانون الأمن القومي الصيني في هونغ كونغ، واتهامات واشنطن للصين بشأن التخفي على انتشار فيروس كورونا، هي من بين العوامل التي حرضت البلدين على بعضهما البعض.
وقد أثارت تزايد تحركات أمريكا في بحر الصين الجنوبي أيضاً مخاوف بكين، ولكن النقطة المهمة هي أن الحكومة البريطانية، في قرار غريب، قامت بإرسال حاملة طائرات للمشاركة في ما يسمى بالدورية مع البحرية الأمريكية، وهي خطوة غير مسبوقة من نوعها، وقد أثارت انتقادات شديدة من قبل المسؤولين الصينيين، وفي ضوء ذلك، من الضروري الآن مناقشة أدوات أمريكا لجرّ لندن الى ساحة المواجهة مع بكين.
ذريعة انتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانغ
إن الذريعة الأولى، وربما الأكثر سهولة للأمريكيين في موضوع المواجهة مع الصين هو تجاهل حكومة بكين لحقوق الإنسان للمسلمين في منطقة شينجيانغ. وقد أضافت أمريكا مؤخرًا 11 كيانًا صينيًا إلى القائمة الاقتصادية السوداء بحجة انتهاكات حقوق الإنسان في منطقة شينجيانغ الصينية. ومن المقرر نشر قائمة العقوبات الجديدة رسميًا في 22 يوليو، لكن تم تسريب جزء من المعلومات المتعلقة بذلك يوم الاثنين الماضي.
وجاء في هذه الوثيقة “هذه المؤسسات الـ11 التي حددتها أمريكا تعمل ضد مصالح السياسة الخارجية لواشنطن.” ومع ذلك، نفت الصين جميع المزاعم الأمريكية المتعلقة منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم وشددت على أن هذه المزاعم ليس لها صحة من الأساس. وفي الوضع الحالي، ينوي الأمريكيون الضغط على الاتحاد الأوروبي لمقاطعة الشركات والمؤسسات الصينية، كما فعلوا في الآونة الأخيرة، بحجة حماية حقوق الإنسان وانتهاك الحقوق الاجتماعية للمسلمين. ويبدو أن واشنطن، في الخطوة التالية، تحاول إجبار الحكومة البريطانية على اتخاذ إجراء مماثل وفرض عقوبات ضد المؤسسات الصينية.
قانون الأمن القومي في هونغ كونغ
الأداة الثانية التي تستخدمها أمريكا لإدخال بريطانيا إلى ساحة المواجهة مع الصين هو فيما يتعلق بـ “قانون الأمن القومي في هونغ كونغ”. قانون الأمن القومي لهونغ كونغ جاء ردا على الاحتجاجات العنيفة التي أطلقها الناشطون المؤيدون للديمقراطية في هونغ كونغ العام الماضي، ويقول المسؤولون الصينيون إن القانون هذا، إضافة الى أنه لا يضر بحقوق مواطني هونغ كونغ فحسب، بل إنه سيشمل أيضا مواجهة الإرهاب والانفصاليين ومحاولات الانقلاب والتواطؤ مع القوى الأجنبية، ما سيؤدي إلى مزيد من النمو والازدهار في المنطقة.
وعقب تمرير قانون الأمن القومي الصيني في هونغ كونغ، اتهمت واشنطن الصين مرارا بانتهاك استقلال منطقة هونغ كونغ. من ناحية أخرى، نفت الصين هذه المزاعم قائلة إنها من خلال القانون المذكور، ستقطع يد التدخل الأجنبي في احتجاجات هونغ كونغ. كما هددت أمريكا بفرض مزيد من العقوبات على الصين.
لكن في غضون ذلك، من الجدير بالذكر أنه حتى بريطانيا تجاوزت الأمريكيين في الرد على هذا القانون الأمني ووضعت إجراءات مضادة على جدول أعمالهم. في الواقع، بعد إقرار قانون الأمن القومي الصيني في هونغ كونغ، أعلن وزير الخارجية البريطاني دومينيك روب أن بلاده علقت معاهدة تسليم المجرمين مع هونغ كونغ.
وتعيد معاهدة تسليم المجرمين بين بريطانيا وهونغ كونغ، المجرمين إلى البلد الأصلي حتى يمكن محاكمة المجرمين في بلدانهم. وإلغاء هذه المعاهدة يعني أن السلطات البريطانية لم تعد قادرة على مطالبة هونغ كونع بتسليم المشتبه بهم إلى لندن، ولا يمكن للصين أن تطلب إعادة ومحاكمة المتهمين الذين يعيشون في بريطانيا، في هونغ كونغ. وباختصار ، علقت بريطانيا وكندا وأستراليا حتى الآن معاهدات تسليم المجرمين مع هونغ كونغ، ومن المتوقع أن تفعل أمريكا نفس الشيء في الأيام القادمة.
قضية تجسس هواوي
يمكن اعتبار الأداة الأمريكية الأخرى لإرغام بريطانيا ودول أوروبية أخرى إلى المواجهة مع الصين، هي قضية تجسس شركة هواوي. في الواقع، تتهم واشنطن هواوي بالتجسس بسبب علاقاتها بالحزب الشيوعي. وبعد هذه الاتهامات، أعلن المسؤولون البريطانيون الأسبوع الماضي أن بريطانيا ستكون خالية من معدات هواوي عن شبكات الجيل الخامس في نهاية هذا العام. كما يتوجب على مزودي الهواتف المحمولة في بريطانيا أيضًا لحظر مشاركة هواوي في شبكة الجيل الخامس بالكامل في البلاد بحلول عام 2027.
هذا على الرغم من حقيقة أن بريطانيا هي واحدة من الدول القليلة التي قاطعت أنشطة هواوي في بلادها. لكن بعد هذا القرار الغريب للحكومة البريطانية، من الواضح جدا أن تدخل أيدي الأمريكيين بات جليا في هذا الموضوع. حيث اعترف المتحدث باسم الحكومة البريطانية بأن بريطانيا رفضت التعاون مع شركة صينية خوفا من عقوبات أمريكية غير مسبوقة.
وبالطبع، فقد قوبل هذا الإجراء من جانب الحكومة البريطانية أيضًا برد فعل قوي من قبل الحكومة الصينية. وفي هذا الصدد، ردت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشانينغ على قرار بريطانيا استبعاد هواوي من الجيل الخامس من مشروع الإنترنت عبر الهاتف المحمول، قائلة إن هذا القرار يعني تسييس القضايا التجارية والتكنولوجية، وليس لديها أي شأن بالأمن القومي. وبشكل عام، يبدو أن الحكومة البريطانية اتبعت استراتيجية الامتثال الكامل لمطالب أمريكا المناهضة للصين.
لندن على مفترق الطرق بين واشنطن وبكين
على الرغم من انحياز الحكومة البريطانية إلى أمريكا في معارضتها للصين، يبدو أن الحكومة البريطانية تقف عند مفترق طرق في فترة ما بعد الاستفتاء، إحداها تمثل قضية التعاون مع أمريكا ومصالحها المشتركة مع واشنطن، والجانب الآخر، يتعلق بمسألة الدخول في تعاون تجاري مع الصين في وقت تحتاج فيه لندن بشدة إلى التعددية في المجال اقتصادي. في الواقع، كانت بريطانيا تعتزم أن تظل أكبر شريك تجاري للصين في أوروبا لفترة ما بعد الاستفتاء.
وخلال زيارة الرئيس الصيني الأخيرة لبريطانيا، تم التوصل الى حزمة استثمارية بقيمة 62 مليار دولار بين الجانبين لجعل بريطانيا أكبر شريك تجاري أوروبي للصين. أحدها هو عقد بقيمة 18 مليار باوند لبناء محطة “هينكلي بوينت” للطاقة النووية في منطقة سومرست قبالة الساحل الجنوبي لإنجلترا، والتي توفر الكهرباء لستة ملايين أسرة بريطانية وتعتمد في تمويلها على الصين بشكل كبير. كما تم توقيع اتفاقيات بين البلدين في قطاع النفط والغاز تقدر قيمتها بنحو 12 مليار باوند. بالإضافة الى التوقيع على عقود في مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك الصحة، الأمور المالية، وبيع التجزئة، والصناعة، والطاقة، والتكنولوجيا، والفضاء، والتعليم، والخدمات المصرفية.
في مثل هذه الظروف، حيث كان يبدو أن العصر الذهبي للعلاقات البريطانية – الصينية قد بدأ في فترة ما بعد الاستفتاء، فإن مسار الأحداث يشير الآن إلى أن لندن في مفترق طرق. وتظهر الأدلة أن الحكومة البريطانية، مثل العديد من البلدان الأخرى حول العالم، تنتظر مصير الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر. بالتأكيد، إذا لم يفز دونالد ترامب، فمن المحتمل أن يعيد السياسيون البريطانيون النظر في العديد من علاقاتهم التجارية الاقتصادية مع الحكومة الصينية، بل ويبادرون من أجل أن يصبحوا أكبر شريك تجاري لبكين في جميع أنحاء العالم.
المصدر/ الوقت