“صيف الجيش الأمريكي الساخن” مع مجموعة من أحداث السقوط والحرائق
أصبحت مفردات السقوط والانفجار والحرائق كلماتٍ رئيسةً روتينيةً في القوات المسلحة الأمريكية في الأشهر الأخيرة، وعلى الرغم من أن العديد من القراء تابعوا حادثة الحريق في سفينة “يو إس إس بونهوم ريتشارد” في الأيام الأخيرة، إلا أن الحوادث المتتالية في السفن والطائرات الأمريكية الشهيرة والحديثة، باتت تثير الکثير من الجدل بين الخبراء والقادة الأمريكيين السابقين.
في الأشهر الأخيرة، وخاصةً منذ بداية الربيع فصاعداً، واجهت وحدات الطيران الأمريكية معدلات عالية من الحوادث بشكل غريب، الأمر الذي أثار شکوکاً لدی العديد من مهتمي الطيران والخبراء.
بدأت حوادث وحدات القوات الجوية الأمريكية في 25 يناير 2020، عندما تحطمت مروحية “سي هوك” التابعة للبحرية الأمريكية بالقرب من اليابان، وتم إنقاذ 5 أشخاص كانوا موجودين في تلك المروحية.
الحادث التالي يمكن اعتباره أحد أكثر الحوادث الجوية إثارةً للجدل لوحدات طيران الجيش الأمريكي. إذ في 27 يناير، تحطّمت طائرة عسكرية أمريكية من طراز E-۱۱A في أفغانستان.
المصادر الإخبارية تحدّثت في البداية عن تحطّم طائرة أفغانية، ولكن اتضح بعد ذلك بقليل أن طائرةً أمريكيةً خاصةً قد تعرضت لحادث وهي كانت في مهمة نقل شخصيات خاصة، وبالطبع جری الحديث أيضاً عن مراحل الاتصال والتنصت والتجسس الإلكتروني.
زعمت طالبان أنها أسقطت الطائرة، لکن الأمريكيين ادعوا أن الطائرة قد سقطت نتيجة عطل فني. ووفقاً لاعتراف الأمريكيين أنفسهم، كان هناك شخصان على متن الطائرة وقتل كلاهما في الحادث.
بحلول شهر مايو ومنتصف هذا الشهر، بدأت الظروف الغريبة للقوات الجوية الأمريكية. في البداية، تحطمت طائرة مقاتلة من الجيل الخامس من طراز “إف 22” في قاعدة “إيجلن” الجوية في فلوريدا. وبعد بضعة أيام، تحطمت طائرة أمريكية أخری من الجيل الخامس من طراز “إف 35″، تنتمي إلى نفس القاعدة. على متن كلتا الطائرتين کان هناك طيار واحد، وفي هذا الحادث تمكن الطياران من القفز بنجاح من الطائرة.
کذلك في أوائل شهر يونيو، ومع بداية فصل الصيف الساخن للجيش الأمريكي، تحطمت طائرة تابعة للقوات الجوية الأمريكية من طراز “إف 15 سي” في بريطانيا خلال رحلة تدريب قبالة سواحلها، ما أسفر عن مقتل الطيار. والحادث التالي کان في أواخر يونيو، عندما تحطمت طائرة “إف 16 سي” في ولاية كارولينا الجنوبية، ما أسفر عن مقتل الطيار أيضاً.
ومنذ حوالي أسبوع أيضاً، تحطمت طائرة أمريكية أخرى من طراز “إف 16 سي”، هذه المرة في “نيو مكسيكو”. في هذا الحادث، تمكن الطيار من إخراج نفسه والنجاة من الموت.
هذه، بالطبع، ليست قائمةً بجميع الحوادث التي تعرضت لها القوات الجوية الأمريكية، حيث تحطمت طائرة أمريكية من طراز “إف 35” في ولاية “يوتا” خلال الهبوط في نفس الفترة. وفي حادث آخر، خرجت طائرة “هيركوليس” أمريكية عن مسارها في معسكر “التاجي” العراقي، وتضررت بشدة.
قبل معالجة الأسباب والمشكلات المحتملة بشأن هذه الحوادث، لا بأس أن نلقي أولاً نظرةً سريعةً على تكلفة هذه الطائرات المحطمة.
تعتبر مروحية “سي هاواك” واحدة من الطائرات التي لا تزال قيد الإنتاج، وتبلغ تكلفتها حاليًا حوالي 28 مليون دولار لكل طائرة. صنعت طائرات E-۱۱A وفقاً للطائرة التجارية “جلوبال 7000” من صنع شرکة “بومباردييه”.
لم يتم الإعلان بالتفصيل عن الطبيعة الدقيقة وسعر الأنظمة المثبتة على هذه الطائرة، ولكن نظرًا للأهمية الاستراتيجية لهذه الطائرة للجيش الأمريكي، فإننا نقدر جميع تكاليف هذه الطائرة بحوالي 100 مليون دولار. في هذا الحادث قتل طياران، تقدر تکلفة تدريب كل طيار بنحو 5 ملايين دولار.
تبلغ تكلفة المقاتلة “إف 15 سي” حوالي 30 مليون دولار في عام 1988، ووصلت في عام 2020 إلی حوالي 47 مليون دولار. کما تبلغ تكلفة تدريب طيار “إف 15 سي” في 2018 حوالي 9 ملايين دولار. وهکذا فإن تکلفة فقدان طائرة “إف 15 سي” وطيارها تبلغ حوالي 56 مليون دولار لأمريكا.
ثم فقد الأمريكيون طائرتين من طراز “إف 16 سي” وطيار واحد. كان سعر “إف 16 سي” حوالي 19 مليون دولار في عام 1998، والذي يصل إلى 30 مليون دولار في عام 2020 مع معدل التضخم.
تكلف طائرتان من طراز “إف 16 سي” 60 مليون دولار، وخسارة طيار “إف 16 سي” تبلغ حوالي 5.5 مليون دولار، مما يجعل الضرر الذي لحق بالجيش الأمريكي في الحادثين حوالي 65.5 مليون دولار. وتجدر الإشارة إلى أن إنتاج طائرات “إف 15 سي” و”إف 16 سي” قد توقف حالياً.
ربما كانت خسارة “إف 22” ضربةً أكبر للقوات الجوية الأمريكية نوعاً ما، لأن إنتاج هذه المقاتلة قد توقف، وتسبب إنتاجها القليل في ذلك الوقت في وصول سعر كل منها إلى حوالي 350 مليون دولار. وکانت طائرة “إف 35” المحطمة من نموذج A أيضًا، والذي تم تسعيره مؤخرًا بحوالي 80 مليون دولار.
يبلغ إجمالي الأضرار التي لحقت بالقوات الجوية الأمريكية في هذه الحوادث، والتي أسفرت عن خسارة كاملة للعديد من الطائرات وطيارين، حوالي 660 مليون دولار، وبالطبع إذا أضفنا إلی ذلك التكاليف المتعلقة بطائرة “إف 35” المتضررة أثناء الهبوط وطائرة “هيركوليز” المتضررة في العراق أيضاً، ربما نصل بسهولة إلى رقم بحوالي 700 مليون دولار.
في مناقشة أسباب هذه الحوادث، يمكن إثارة قضايا مختلفة. على سبيل المثال، تم بناء طائرات مثل سلسلة “إف 15 سي” أو “إف 16 سي” بشكل أساسي في الثمانينيات وحتى السبعينيات من القرن الماضي، وقد يكون عمر بعضها أكثر من 40 عامًا، وكثيرًا ما يتسبب الإجهاد والتعب في هياكلها في وقوع الحوادث.
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان والهجمات العسكرية في سوريا وليبيا، تعرضت القوات الجوية الأمريكية لضغوط شديدة، وفي الوقت نفسه تزداد هذه الضغوط على المنصات القديمة بشکل خاص.
بالطبع، فيما يتعلق بمقاتلات الجيل الخامس، نواجه مناقشات مختلفة. كان لهذه المقاتلات دائمًا تكاليف بناء وصيانة باهظة بسبب الحساسيات العالية في الأنظمة المستخدمة فيها، وقضية الإخفاء في تصميم هيکلها ومكوناتها.
وقد تأثرت هذه المسألة أيضًا ببعض التخفيضات في ميزانية قطاع الطيران، لتزويد القوات الأخرى وبالطبع بشأن “إف 35″، ومسألة فيروس کورونا الذي أثر على خط إنتاج الأجزاء وعرقل سلسلة التوريد، وبطبيعة الحال فإن مسألة الخطأ البشري في بعض هذه الأحداث ممكنة أيضًا، وهي في حد ذاتها عامل مهم يمكن أن يحدث لأسباب عديدة مختلفة.
الأضرار في البحر تبدأ من مليار دولار!
لكن دعونا ننتقل إلى قضية البحر والأضرار والانفجارات الأخيرة التي تصدرت عناوين العديد من وسائل الإعلام العالمية.
قبل التطرق إلی المناقشات الجديدة حول سفينة “يو اس اس بونهوم ريتشارد”، نشير إلى الحادث الذي وقع لسفينة أخرى من طراز “واسب” والتي تدعی “يو إس إس كيرسارج”.
لقد تعرضت هذه السفينة إلى حريق، عندما كانت تخضع لفترة تفتيش على الساحل الشرقي لأمريكا في مرافق شرکة “ناسكو” لبناء السفن التابعة لشركة “جنرال ديناميكس” في منطقة “نورفولك” في فرجينيا.
طبعاً، تم إخماد الحريق بسرعة من قبل الطاقم في مكان الحادث، ولكن لم يتم الكشف عن مزيد من المعلومات بسبب مخاوف الجيش الأمريكي.
أما الآن فدعونا نلقي نظرةً على الموضوع الأول للبحرية الأمريكية هذه الأيام، أي سفينة “يو إس إس بونهوم ريتشارد”.
تم إخماد الحريق في هذه السفية، التي اشتعلت فيها النيران في قاعدة بحرية في “سان دييغو” بكاليفورنيا بعد احتراقها لمدة أربعة أيام، والصور التي انتشرت بعد الحريق تظهر أضرارًا كبيرةً في أجزاء مختلفة من السفينة. وآثار التدمير في جزء كبير من جسر القيادة والأجزاء الداخلية وحتى انثقاب أجزاء كبيرة من سطح الطائرة، وضعت بقاء هذه السفينة في الخدمة وإصلاحها موضع شکوك کبيرة.
ومن المثير للاهتمام أن بعض الخبراء قد أعلنوا أنه إذا أرادت البحرية الأمريكية بناء سفينة جديدة من نفس الفئة لتحل محل “يو إس إس بونهوم ريتشارد”، فقد تضطر على الأرجح إلى إنفاق حوالي 4 مليارات دولار.
على أي حال، حتى الآن كان 2020 عاماً مكلفاً للغاية ومليئاً بالأحداث بالنسبة للقوات المسلحة الأمريكية، خاصةً أن الصيف الساخن الذي کانت وسائل الإعلام الغربية والخبراء يتنبؤون به ويريدونه لإيران وقواتها الإيرانية، يحدث الآن في أمريكا، على الرغم من أنه لا يزال هناك 60 يومًا حتی نهاية هذا الفصل الذي لن ينساه الجيش الأمريكي.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق