لماذا تخشى “إسرائيل” المصالحة الفلسطينية؟
لا نبالغ اذا قلنا أن “اسرائيل” تفضّل الحرب مع “غزة” على ان تتم المصالحة الفلسطينية التي لا يريد لها كيان العدو النجاح بأيّ شكل من الأشكال وهذا الأمر ليس بالجديد، ففي العام 2011 كانت هناك محاولات للتقارب الفلسطيني- الفلسطيني وأفشلته “اسرائيل” بأساليب مختلفة، واليوم يراقب الكيان الاسرائيلي بدقة وحذر إلى أين ستصل الأمور بين الفلسطينيين، خاصة وان هناك خطوات متسارعة للمصالحة على اعتبار انها أصبحت ضرورة لا غنى عنها، وبالتالي يجب على الطرفين تذليل العقبات للوصول إلى بر الأمان وتشكيل جبهة موحدة في وجه العدو الصهيوني.
الجبهة الموحدة تجعل “اسرائيل” تتصرف بشكل هستيري، فالصهاينة بدؤوا يشعرون بأن خطوات المصالحة أصبحت اكثر جدية لذلك بدؤوا بتوجيه التهديدات لأعضاء فتح وحماس وقادتهم، حيث كشفت قيادات في حركة حماس، عن مساعٍ إسرائيلية لتخريب جهود المصالحة التي تبذل في هذه الأوقات مع حركة فتح من أجل طي صفحة الانقسام، ضمن الخطوات الرامية للتوحد في مواجهة مخططات ضم الضفة و”صفقة القرن” الأمريكية.
جاء ذلك عن طريق رسائل مباشرة، أبلغها الاحتلال لقيادات حماس في الضفة الغربية، الذين تعرّضوا مؤخراً لعمليات اعتقال، حيث كشف هؤلاء وبينهم نواب في المجلس التشريعي “المنحل”، عن تعرّضهم للتهديد في حال تدخلهم في جهود المصالحة بين حركتي فتح وحماس.
وقال حاتم قفيشة القيادي في حماس والنائب عن الحركة في المجلس التشريعي “المنحل” إن المحققين الإسرائيليين هددوه بالاعتقال في حال حدث ما يؤذيهم، وأضاف: “قالوا لي من الأشياء التي تؤذينا المصالحة بين فتح وحماس، ولذلك عليك ألّا تتدخل في هذا الموضوع”، لافتا إلى أن المحققين الإسرائيليين هددوه بـ”دفع الثمن وقالوا لي الكل سيدفع الثمن”.
التهديدات الجديدة جاءت على خلفية التحضير لعقد مهرجان سياسي ضخم في غزة بين حركتي فتح وحماس، وهو المهرجان الذي أعربت بعض من القوى السياسية عن أملها في أن يكون بداية للمصالحة بين الفصيلين السياسيين.
وشهدت الأسابيع الماضية تقارباً بين حركتي فتح وحماس، بعد مؤتمر مشترك لجبريل الرجوب وصالح العاروري، أعلنا فيه تجميد مرحلة الخلاف، والتوافق على برنامج وطني وفعاليات شعبية ضدّ مخطط الضم و”صفقة القرن”.
وخلال المؤتمر جرى التأكيد على الوحدة الوطنية، وعلى فعاليات مشتركة للتصدّي للاحتلال، وتلا ذلك أن أعلن عن توافق الحركتين كخطوة أولى على إقامة مهرجان وطني في قطاع غزة، رفضاً لخطط الاحتلال الاستيطانية، حيث تنسّق حاليا قادة الحركتين لإنجاز المهرجان، بعد أن شرعا في عقد لقاءات قيادية.
ومن المقرّر أن تكون هناك كلمة للرئيس محمود عباس في المهرجان، وأخرى لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وسط حضور دولي.
في حال حصل هذا المهرجان سنشهد تصعيداً اسرائيلياً غير مسبوق يبدأ بالضغط السياسي والاقتصادي والامني وربما ينتهي بمعركة عسكرية تشعلها اسرائيل مع غزة لتدمير المصالحة وقلب الموازين وتأليب الرأي العام العالمي على حماس في حال ردت على الضربات الاسرائيلية، وهذا الأمر سيشكل اختبارا مهما للفلسطينيين ويؤكد ان كانت وحدتهم حقيقة أم مصطنعة.
الجنون الاسرائيلي لمنع حصول المصالحة هو امر طبيعي من قبل الاسرائيليين لان الانقسام يحقق لهم الكثير من المكتسبات، منها الحفاظ على الانقسام الحاصل بين فتح وحماس وبالتالي وجود شرخ بين الضفة الغربية وغزة بما يتناقض مع اتفاقية اوسلو، وعوضا عن ان تكون هذين البقعتين الجغرافيتين موحدتين انقسمتا إلى نصفين، وبهذا يسهل على الاحتلال ضبط الجبهتين بسبب الانقسام، ويساعد اليهود الاسرائيليين في بناء المزيد من المستوطنات.
الأمر الثاني يستطيع كيان العدو استثمار الانقسام واستخدامه كذريعة لتنكرها للوفاء بمتطلبات عملية التسوية والمفاوضات مع السلطة عبر القول إنه لا يمكنها التوقيع على اتفاق تسوية مع محمود عباس يتضمن الانسحاب من الأراضي المحتلة على اعتبار أنه لا يمثل الشعب الفلسطيني.
ولا يمكن ان ننكر ان الانقسام ساعد الصهاينة في اطباق الخناق على قطاع غزة وحرمهم من ابسط حقوقهم، والأنكى من هذا ان السلطة الفلسطينية نفسها ساهمت في هذا الحصار، والاتصالات الاخيرة بين هنية ومحمود عباس تؤكد ذلك، حيث تضمنت الاتصالات مجموعة شروط من الطرفين، وعلى سبيل المثال طلب هنية من عباس وقف جميع الإجراءات العقابية على غزّة، وتقديم مزيد من الدعم المالي إلى سكان القطاع، وإرخاء قبضة السلطة الأمنية عن عناصر حماس في الضفة الغربية، والسماح لهم بالعمل الميداني.
وكان عبّاس مطلع العام 2017، فرض سلسلة إجراءات عقابية على غزّة من بينها خصم على رواتب موظفي السلطة البالغ عددهم قرابة 70 ألفاً بنسبة 30 في المئة، وتقليص حصة القطاع من الكهرباء، وإيقاف التحويلات الطبية التي لا يتوفر لها علاج داخل قطاع غزّة، وتجميد نقل الحوالات المالية، وإيقاف الموازنات التشغيلية للمرافق الحكومية وأهمها المستشفيات، وكذلك قطعت السلطة بموجب الإجراءات العقابية رواتب الأسرى والمحررين وخصمت مخصصات أهالي الضحايا ومخصصات أعضاء المجلس التشريعي.
وفي تفاصيل الاتصالات التي جرت بين عبّاس وهنية، أوضح مصدر مطلع أنّ عبّاس أبدى موافقته على سيطرة “حماس” على غزّة، وأنّه لا مانع لديه من بقاء الوضع السياسي الحالي قائماً، في المقابل على “حماس” وضع يدها في يد “فتح”، الأمر الذي تقبلته حماس فعلياً ووافقت على العمل المشترك.
في الحقيقة تخشى اسرائيل أن يسهم تطبيق الاتفاق في إضفاء شرعية دولية على حركة حماس، ناهيك عن تزايد رقعة التأييد الدولي لإفشال “صفقة القرن” التي تحرم الفلسطينيين من ابسط حقوقهم وتصفي قضيتهم، وفي حال حصلت المصالحة وسقط ترامب في الانتخابات الرئاسية الامريكية المقبلة ستكون اسرائيل في ورطة كبيرة، ولهذا ستبذل قصارى جهدها للحيلولة دون حدوث أيّ اتفاق مشترك بين فتح وحماس، من خلال ممارسة ضغوط اقتصادية وشخصية وسياسية على فتح أكثر منها على حماس.
المصدر/ الوقت