إقامة مناسك الحج بشکل محدود وأثرها على الاقتصاد السعودي
بعد انتشار فيروس كورونا، أقامت السعودية مناسك الحج هذا العام بمشارکة سكانها فقط لأول مرة في التاريخ، ومنعت حجاج الخارج من دخول البلاد.
وبدلاً من ذلك، قيل إن ثلثي الحجاج الأجانب الذين يعيشون في السعودية والذين سمح لهم بحضور مناسك هذا العام، تم اختيارهم بحيث يكونون من 160 جنسية مختلفة.
دخل حجاج بيت الله الحرام في الإحرام بعد ارتداء ثياب الإحرام منذ يوم الأربعاء، وهو ما يسمى بيوم “التروية”، في مسجد “السيل الكبير” أحد أكبر المساجد في السعودية. وهذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يحرم فيها كل الحجاج في مكان واحد فقط ويبدؤون طقوس الحج.
جميع الحجاج هذا العام يبلغون من العمر 20 عاماً على الأقل و50 عاماً على الأكثر، ووفقًا للاختبارات التي خضعوا لها مسبقاً، لم يصب أي منهم بفيروس کورونا، وبعد الحج يجب عزلهم لمدة أسبوع.
ونظرًا للوضع الحالي (تفشي فيروس کورونا)، فإن عدد الحجاج محدود جداً مقارنةً بالسنوات السابقة، حيث يصل إلى 10 آلاف حاج؛ بينما شارك 2.5 مليون شخص في الحج في العام الماضي.
وفي هذا السياق، تقوم وزارة الحج السعودية، بإقامة مناسك حج هذا العام مع بعض الاعتبارات الخاصة، وفقاً للبروتوكولات التي أعلنتها وزارة الصحة؛ وقد خصص مسؤولو الحج حافلةً خاصةً لكل مجموعة من الحجاج، ووفقًا للبروتوكولات الصحية المعلنة، فإن لكل حاج مقعداً محدداً وثابتاً، وعليهم أن يجلسوا على نفس الكرسي في كل مرة ينزلون فيها ويرکبون، وفي كل حافلة يجب ألا يزيد عدد الركاب عن نصف سعة الحافلة، وذلك لمراقبة التباعد الاجتماعي والمسافة الآمنة. وفي الفنادق وأماكن الإقامة، يجب على الموظفين والمقيمين ارتداء الأقنعة أيضًا، ولا يمكن للضيوف إزالة القناع إلا في غرفهم.
کما تقدم المياه وماء زمزم للحجاج في عبوات للاستعمال لمرة واحدة فقط، وقد تم إزالة أو تعطيل جميع مبردات المياه في الأماكن المقدسة بمكة، ويتم توفير الطعام لكل حاج من قبل الطواقم فقط وهو معدّ ومعبأ مسبقًا، ويحظر حمل وعاء لملئه بماء زمزم هذا العام.
وفي مشعر منی وعرفات، يجب على جميع الحجاج ارتداء الأقنعة ومراعاة مسافة متر ونصف للتباعد الاجتماعي. وعند دخول عرفات، يجب على الحجاج الوقوف بالضبط في الأماكن المحددة، وفي كل خمسين متراً مربعاً من الخيام، يجب ألا يزيد عدد الحجاج عن 10 أشخاص.
وعند إقامة طقوس رمي الجمرات، وعلی الرغم من أنه في السنوات السابقة كان على الحجاج جمع الحصى بأنفسهم، ولكن هذا العام سيحصل كل حاج على كيس صغير من الحصى المعقمة للحيلولة دون الإصابة بفيروس کورونا. کما يجب مراعاة المسافة الآمنة والتباعد الاجتماعي عند إقامة طقوس رمي الجمرات، ولا يجب أن يرمي الجمرات أكثر من خمسين شخصًا بالتزامن.
ولمنع الاحتشاد والتجمع، تم فصل مداخل ومخارج الحجاج لدخول صحن بيت الله الحرام، ويُمنع تقبيل ولمس الحجر الأسود ومقام النبي إبراهيم(عليه السلام).
ومن أجل منع انتشار فيروس کورونا، أعلن مسؤولو الحج هذا العام أنه تم إنشاء مسلخ خاص للنساء وكبار السن لذبح الأضاحي، والذي يحتوي على أربعة مسارات بأربعة ألوان مختلفة للوصول إلى المكان الذي يتم فيه شراء الحيوان وذبح الأضحية.
کذلك، خلال موسم الحج هذا العام، لا يحق لأي من الحجاج إحضار أدواتهم الشخصية إلى بيت الله الحرام والمسجد النبوي، حتى السجادة. وعليه، أعلنت رئاسة شؤون الحرمين الشريفين أنها ستقدم سجادة لكل الحجاج أثناء الصلاة، وتتبرع بكراسي للاستعمال مرة واحدة إلى المحتاجين، ويتم التبرع بهذه الأدوات إلى الحجاج في أكياس معقمة.
القيود المفروضة على الحج لهذا العام وتأثيره على الاقتصاد السعودي
في حين أن عائدات الحج هي من أهم مصادر الدخل للسعودية، فإن فرض قيود عليها سيؤدي بلا شك إلى خسارة اقتصادية كبيرة لهذا البلد؛ هذا في الوقت الذي تواجه فيه السعودية التكاليف الهائلة للحرب علی اليمن، بالإضافة إلى مواجهة العواقب الضارة لانخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية.
ووفقًا لبعض التقديرات، تكسب السعودية ما معدله 12 مليار دولار سنويًا من الحج، والذي يمثل حوالي 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في هذا البلد، و7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
هذا على الرغم من أن صندوق النقد الدولي قد حذر من قبل، بأن الناتج المحلي الإجمالي للسعودية سينخفض 6.8 في المائة هذا العام، وهو أسوأ أداء اقتصادي لهذا البلد منذ الثمانينات.
من ناحية أخرى، فإن إقامة مناسك الحج بشکل محدود يؤدي أيضاً إلى خسائر اقتصادية كبيرة لمدينة مكة المكرمة. ففي حين أدّى ازدهار قطاع البناء في السنوات الأخيرة إلى بناء مراكز التسوق والشقق والفنادق الفاخرة المطلّة على الكعبة المشرفة، مع تفشي فيروس كورونا وبسبب العدد المحدود لحجاج هذا العام، تراجع نشاط مراكز التسوق والفنادق في هذه المدينة بشکل حادّ، ونتيجةً لذلك، سيتضرر اقتصاد هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها مليوني شخص بشدة.
بشكل عام، يواجه الاقتصاد السعودي مشكلات خطيرة بسبب انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية وارتفاع تكاليف الحرب علی اليمن. وبحسب صندوق النقد الدولي، فإنه يعيش أسوأ حالاته منذ الثمانينيات، وبالإضافة إلى ذلك، فإن إقامة مناسك الحج بشکل محدود والآثار الاقتصادية لمواجهة فيروس كورونا، تضران اقتصاد هذا البلد أكثر فأكثر.
المصدر/ الوقت