الإعلام العبري والخليجي والمتاجرة بدم اللبنانيين
أن يستغل الإعلام العبري التفجيرات التي شهدها مرفا بيروت وحصدت أرواح العشرات ناهيك عن آلاف المصابين، أمر مفهوم بالنسبة لنا على اعتبار أننا نتحدث عن إعلام معادي وكيان اسرائيلي يفاخر بتدميره للدول والحضارات، ولكن ان نرى الإعلام العربي يتاجر بدم اللبنانيين فهذا اقل ما يقال عنه “عيب”، فلبنان دولة عربية تعاني ما تعانيه من أزمات اقتصادية خانقة وجاءت هذه التفجيرات لتقضي على أحلام اللبنانيين بأن تتحسن الأمور، ليأتي بعد كل هذا الاعلام العربي وتحديدا الخليجي ليصب الزيت على أوجاع اللبنانيين ويستثمر بها لخدمة الصهيونية ويساهم بتفجير لبنان مرتين، وأوضح مثال على ذلك قناة “العربية” التي سارعت بعد لحظات من التفجير لبث الفتنة وتوجيه اصابع الاتهام لحزب الله اللبناني دون أي معلومة موثقة عن ذلك فقط لاعتبارات سياسية تتعلق بالسعودية واتجاهها نحو التطبيع مع كيان العدو.
الحدث في لبنان كان مروعاً خاصةً وانه خلف أكثر من 100 قتيل وإصابة ما يزيد عن أربعة آلاف آخرين، فضلاً عن الأضرار المادية الهائلة التي لحقت بمحيط الانفجار، وسط تساؤلات كبيرة عن أسباب الانفجار والجهات التي تقف وراءه.
حتى اللحظة غير معلومة الجهات التي تقف وراء التفجير، ولكن أغلب النظريات والفرضيات تقول بأنه نتيجة اهمال من ادارة المرفأ وتخزين كميات هائلة من نترات الأمونيوم أدت إلى هذا الانفجار، وما تزال التحقيقات جارية لمعرفة مسبب هذا الحدث الأليم، لكن الغريب أن الاعلام الخليجي لم يصوب اصابع الاتهام نحو العدو الصهيوني بل على العكس ابعده عن دائرة الاتهامات ووجه حقده نحو “حزب الله”، واليوم اذا حصل تفجير في القطب الشمالي سيقول هذا الاعلام ان الحزب هو المسؤول فالاتهامات جاهزة وتم تحضيرها سلفا.
الأنكى من هذا أن “العربية” تنقل اي خبر يدين “حزب الله” حتى لو لم يكن موثوقاً، فبعد تقرير “فوكس نيوز” عن تفجيرات لبنان والذي وجهت من خلاله اصابع الاتهام نحو “حزب الله” سارعت “العربية” لنقل التقرير وترجمته على وجه السرعة وكأنها حصلت على كنز مخفي.
بعد التفجيرات مباشرة أعلنت العربية خبرا عاجلا جاء فيه “مصادر الحدث: انتشار لعناصر حزب الله في مرفأ بيروت بعد الإنفجار”، لتدشن بعدها، باقي الرواية، وتتهم الحزب بالضلوع خلف التفجير. فقد اتكأت الشاشة السعودية على ما ادعت انه تقرير من المخابرات الأميركية، يتهم فيه الحزب بالتفجير، ويؤكد “سيطرته على المرفأ”. القناة أيضاً، روّجت لمقتل “أحد كبار قادة كتائب حزب الله العراقي” في التفجير من دون الإستناد الى أي معطى حسّي. أمر لم يتوقف هنا، فقد ربطت”العربية” التفجير بما قاله سابقاً الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، من اطلاق المقاومة صواريخ على “حاويات الأمونيا في ميناء حيفا” في فلسطين المحتلة، مما سيؤدي الى “انفجار شبيه بالقنبلة النووية”، ويسقط قتلى وجرحى. ففي تقرير آخر بعنوان: “نصر الله يرسم سيناريو تفجير يشبه ما حدث بمرفأ بيروت”، نشرت القناة السعودية هذه السردية، في تقاطع واضح مع الإتهام الموجه الى الحزب في تنفيذ سيناريو مشابه للذي صرّح عنه نصر الله قبلاً لكن هذه المرة طال بيروت! “الجزيرة” ربطت الحدث بقرار المحكمة الدولية، بحق “أربعة أشخاص مشبته فيهم من حزب الله” باغتيال رفيق الحريري الذي “اغتيل في انفجار كبير بسيارة ملغومة على بعد نحو كيلومترين عن ميناء بيروت” بحسب القناة. أجواء الإعلام الخليجي كانت تتعمد فرض رواية وقوع هجوم على المرفأ، استناداً لما قاله الرئيس الأميركي دونالد ترامب وروّجت له الإستخبارات الأميركية، وربطها بالحزب، ولم يغب هذا الأمر عن شاشة “سكاي نيوز” التي استعانت بالصحافي منير الربيع، الذي راح يضرب بنظرياته يميناً ويساراً، ويستند الى ما أسماها “معطيات” تفيد بأن التفجير “ناجم عن استهداف خارجي لإحدى الحاويات، او البواخر التي تنقل أسلحة لحزب الله”.
تبرئة العدو الصهيوني ودعمه
الخطة المقبلة هي محاولة “نزع سلاح حزب الله”، والمطالبة بحملات تفتيش لمقار الحزب وهو ما سيرفضه الاخير بكل تاكيد، ولكن أصبح واضحا السيناريو الذي يتم تحضيره للمرحلة المقبلة في لبنان وزيارة الرئيس الفرنسي الى لبنان في هذا التوقيت ليست بريئة، والقادم من الايام سيكشف لنا ماذا يحصل في الكواليس.
النقطة الثانية وتمهيدا لحصول السيناريو الأول يتم توجيه اصابع الاتهام وبكثافة نحو “الحزب” لبدأ الخطة، ومنذ البداية سارع العدو الصهيوني لتبرئة نفسه وشددت اسرائيل على استعداد الدولة العبريّة تقديم المساعدات للبنان المنكوب، رغم أنّ القانون الإسرائيليّ يعتبر لبنان دولةً مُعاديةً.
وعملت جميع وسائل الإعلام العبريّة، حاولت ربط حزب الله اللبنانيّ بالانفجار الضخم، حين اقتبست ما جاء على لسان فضائيّة “العربيّة”، التابعة للمملكة العربيّة السعوديّة، إذْ أنّه بعد وقتٍ قصيرٍ من الانفجار زعمت فضائية “العربية” في نبأ عاجل لها، بأنّ المعلومات الأوليّة لانفجار بيروت، تشير إلى أنّه وقع في مخزن سلاحٍ تابعٍ لحزب الله”.
ووصف المحلل العسكري في صحيفة “يسرائيل هيوم”، يوءاف ليمور، الانفجار الذي وقع بالأمس في مرفأ بأنه “حدث يقلب الواقع” وأن “اتضاح تبعاته الكاملة ما زال بعيدا”. وأشار إلى أن “الأمور في الشرق الأوسط لا تميل إلى الانفجار من تلقاء نفسها، وكانت الغريزة الأولية البحث عن المسؤول عن الانفجار”.
وحسب ليمور، فإن الانفجار قد يخلط أوراق حزب الله، لأنه يأتي في وقت يعاني فيه لبنان من أزمات شديدة صحية (كورونا) واقتصادية. “وفي أعقاب هذا الحدث، الذي يبدو أنه الأخطر في تاريخ الدولة، ستكون لدى الجمهور اللبناني رغبة أقل بتوتر أمني زائد ناجم عن نزوة لحزب الله. وفيما هناك في الخلفية تحذير إسرائيلي واضح من أن أي استهداف لإسرائيليين سيقود إلى استهداف بنية تحتية لدولة لبنان، فإنه يتوقع أن تتصاعد الضغوط الداخلية على حزب الله من أجل الامتناع عن خطوات مغامرة وخطيرة”.
فيما أعرب محلل الشؤون العربية في صحيفة “هآرتس”، تسفي بِرئيل، عن أمله بأن “يدفع الانفجار في مرفأ بيروت إلى تغيير، على الأقل في الخطاب العام والمدني، وربما في أوساط قسم من القيادة السياسية”، وأن “يطالب معارضو حزب الله بإخراج مخازن الأسلحة والذخيرة خاصته من مناطق مأهولة”، وتوقع أن يعارض حزب الله ذلك، “لأن تنفيذ أمر كهذا سيكشفه لاستهداف إسرائيلي، التي تمتنع (عن استهداف هذه المخازن) الآن”، على حد قوله.
شماتة اسرائيلية
أبرزت وسائل إعلام إسرائيلية تعليق العضو السابق في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) موشيه فيغلين الذي قال عبر مواقع التواصل الاجتماعي “مسموح لنا أن نفرح بأن هذا الانفجار وقع في بيروت وليس في تل أبيب. وهذا شأن أخلاقي قبل كل شيء”.
وفي منشور آخر كتب فيغلين “على شرف عيد الحب اليهودي حظينا بعرض ناري مذهل في مرفأ بيروت. هل تصدقون حقا أن هذا كان مجرد مستودع عشوائي للوقود؟ ألا تدركون أن هذا الجحيم كان يفترض أن ينزل علينا في شكل زخات من الصواريخ؟”.
وكرر كلامه في حديث لإذاعة 103 المحلية العبرية قائلا “بافتراض أن الانفجار ناتج عن صواريخ فمن الجيد أنه تفجر لديهم وليس في تل أبيب، ومسموح لنا جميعا أن نفرح على الأقل، لأنه تفجر في ميناء بيروت وليس في تل أبيب”.
وسأله المذيع عما إذا كان يلمح إلى وقوف إسرائيل وراء الانفجار “في الوقت الذي علينا أن نكون حكماء ونهرب من ذلك”، فقال فيغلين -الذي نافس نتنياهو سابقا على زعامة حزب الليكود- “مطلقا لا أوافقك الرأي. حتى من الناحية التكتيكية لأنه إذا كنا نحن بالفعل (وراء الهجوم) وعلى فرض أننا نحن من فعل ذلك وهذا ما أتمناه، فعلينا المفاخرة بذلك وخلق ميزان ردع، لأنه حين نتهرب من قول إننا من فعل ذلك نضع أنفسنا في الجانب الظلامي من الأخلاق، لأنه ليس هناك ما هو أخلاقي أكثر من مثل هذا العمل”.
المصدر/ الوقت