تحركات غير متوقعة من قبل دول مجلس التعاون بشأن حظر توريد الأسلحة إلى إيران؛ الأهداف والأسباب
دعا مجلس التعاون الخليجي، مجلس الأمن إلى تمديد حظر بيع الأسلحة المفروض على إيران في رسالة بعث بها الأمين العام لهذا المجلس الخليجي إلى رئيس مجلس الأمن الدولي ولقد رحّب وزير الخارجية الأمريكي بهذا الموقف الذي أعلن عنه مجلس التعاون الخليجي وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا الموقف جاء في الوقت الذي يشهد فيه هذا المجلس العديد من الخلافات الداخلية وعليه، وبالنظر إلى وجود خلافات واسعة بين أعضاء هذا المجلس، والتي يرتبط أحد أجزائها المهمة بنوع ومستوى العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية، فإن سبب اتخاذ مثل هذا الموقف أمر مشكوك فيه.
ضغوط أمريكية على مجلس التعاون الخليجي
يمكن تحليل أحد الأسباب الرئيسية للموقف الأخير لدول مجلس التعاون الخليجي في شكل ضغوط مارستها الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية على دول هذا المجلس وعند النظر إلى نوع العلاقات التي تربط واشنطن بهذه الدول الخليجية الصغيرة والغنية بالموارد النفطية وحجم الصفقات العسكرية التي تبيعها وزارة الدفاع الأمريكية إلى هذه الدول وعدد الاتفاقيات الأمنية التي وقع عليها قادة البيت الأبيض مع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، يتضح لنا الأمر أن الولايات المتحدة قامت بفرض الكثير من الضغوط على بعض الدول الأعضاء، وخاصة تلك التي لديها سياسات مختلفة عن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لتبني مثل هذه المواقف ودعم الجهود الأمريكية.
في الواقع، ونظرًا لعدم قدرة الولايات المتحدة على إقناع جميع أعضاء مجلس الأمن بتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران، والذي سيؤدي في النهاية إلى انسحاب إيران الكامل من معاهدة الاتفاق النووي، ووعي واشنطن بمعارضة موسكو وبكين الشديدة لهذه الخطوة، قامت واشنطن ببدأ لعبة إعلامية جديدة وذلك قبل عرض قرارها على المجلس المقرر عقده اليوم الثلاثاء، ومن المنتظر أن تقترح واشنطن أن توافق دول المنطقة أيضًا على تمديد حظر السلاح على إيران. في الواقع، تدرك الولايات المتحدة جيدًا أنه سوف يتم عدم الموافقة على قرارها المقترح في مجلس الأمن، وبالنظر إلى المعارضة المعلنة سابقًا من الصين وروسيا، فلقد بدأت واشنطن لعبة دعائية للترويج عن مكاسبها المزيفة.
وفي الوقت نفسه، يبدو أنه بالنظر إلى إصرار الإدارة الأمريكية الحالية على ضرورة إعادة التفاوض مع إيران والتوصل إلى اتفاق يحل محل الاتفاق النووي، فإن هذا البلد يحاول بذل قصارى جهده من خلال إطلاق لعبة دعائية قبل رفع الحظر المفروض على الأسلحة عن إيران، إجبار الجمهورية الإسلامية على الانسحاب الكامل من الاتفاق النووي، وبالتالي، تجديد حظر الأسلحة تلقائيًا، وفي غضون ذلك قامت الإدارة الأمريكية بالضغط على دول مجلس التعاون الخليجي لاتخاذ موقف مناهض لإيران، وقامت بواضع هذا المجلس في قلب هذه اللعبة الدعائية. ومن ناحية أخرى، وفي ضوء التصريحات المتكررة لبعض دول مجلس التعاون بضرورة أن تكون جزءًا من اتفاق مستقبلي بشأن برنامج إيران النووي، تتعهد الولايات المتحدة بإشراك بعض هذه الدول في اتفاقية مستقبلية خيالية مع إيران وقد شجع هذا الأمر هذه الدول على اتخاذ مثل هذا الموقف.
مساعٍ لإحياء مجلس التعاون
لقد عانى مجلس التعاون الخليجي من خلافات داخلية حادة في السنوات الأخيرة، وخاصة خلال السنوات الثلاث الماضية ، لدرجة أنه في بعض الحالات أثيرت إمكانية حل هذا المجلس، وفي نفس الوقت لطالما كانت المشاكل الناجمة عن الخلافات لها آثار سلبية على هذه الدول الصغيرة، ويبدو أن هذه الدول لا تزال تعتبر هذه المجلس ركيزة مهمة في مجال التعاون الأمني والسياسي بين أعضاءه، وبالتالي فتلك الدول تحاول الاستفادة منه واعادة الحياة إليه.
وفي غضون ذلك، من المهم أن تبذل الدول الصغيرة والضعيفة في هذا المجلس الكثير من الجهود للحفاظ على أمنها من خلال خلق نوع من التوازن في علاقاتها مع جمهورية إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية، وبالتالي ومع هذه النية وعلى الرغم من عدم كفاءة هذا المجلس، إلا أنهم لم يقرروا تركه ولم يحاولوا إجراء تغييرات لصالحهم من خلال الحفاظ على علاقاتهم مع طهران، بهدف الحصول على أقصى قدر من الاستقلال عن السعودية والإمارات. وفي الوقت نفسه، تحاول هذه الدول الحفاظ على علاقاتها مع السعودية والإمارات، ومن خلال الحفاظ على الهيكل الأساسي لمجلس التعاون، سيكون لديهم المزيد من أوراق اللعب في علاقاتهم مع طهران. ومع ذلك، فلقد أظهرت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أن هدفهما من لعب دور في هيكل مجلس التعاون ليس فقط التفاعل والتعاون، ولكن أيضًا لممارسة السيادة على الدول الأعضاء الأخرى في هذا المجلس؛ وهذا ملموس في القضية القطرية ولولا دعم تركيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية لقطر، لكانت السعودية والإمارات قد نفذتا خطتهما لإحداث انقلاب في قطر أو هجوم عسكري عليها.
لذلك، يبدو أن جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من خلافاتهم حول مستوى ونوع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية، إلا أنهم يحاولون إحياء هذا المجلس، ولهذا فلقد اتخذوا مثل هذه المواقف لإعادة الحياة لهذا المجلس؛ ومع ذلك، ونظراً لاختلاف نوايا هذه الدول في محاولة إحياء مجلس التعاون، فإن الأمر لا يقتصر فقط على عدم تمكن دول مجلس التعاون من استعادة تماسكها المفقود عند اتخاذها مثل هذه المواقف، بل إن تبني مثل هذه المواقف، إذا تكرر في المستقبل، يمكن أن يقلل من قدرة هذه الدول الصغيرة والضعيفة على لعب دور فعّال في المعادلات الإقليمية، مما قد يؤدي إلى استنزاف ثروات هذه الدول الأعضاء بشكل كبير التي تخضع لسياسات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
الجدير بالذكر، وعلى صعيد متصل، دانت وزارة الخارجية الإيرانية يوم الأحد الماضي، طلبا قدمه الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، إلى مجلس الأمن الدولي لتمديد حظر التسلح على إيران. وقالت الخارجية الإيرانية إنه “عقب الأنباء التي نشرتها الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج والتي طالبت فيها مجلس الأمن الدولي بتمديد حظر التسلح على إيران وغيرها من المزاعم الكاذبة من قبل الأمين العام الجديد لمجلس التعاون الخليجي، نأسف للنهج غير البناء لبعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي تجاه الجمهورية الإسلامية”.
وصرح “عباس موسوي” المتحدث باسم الخارجية الإيرانية: “للأسف، يبدو أن ما يسمى بمجلس التعاون الخليجي أصبح الناطق باسم بعض الأشخاص الذين يعانون من قصر النظر داخل المجلس وخارجه، وأصبحت أمانة المجلس بوقا لمعاداة إيران متأثرة بالسياسات والسلوكيات الخاطئة والمدمرة لبعض الأعضاء”. وأضاف: “لقد بلغ مجلس التعاون الخليجي ذروته في عدم الكفاءة، وبات عقيما نتيجة الخلافات الداخلية والسياسات غير الواقعية فيه”. وصرح بأن طلب مجلس التعاون الخليجي من مجلس الأمن تمديد حظر التسلح على إيران هو تجاهل لحقائق المنطقة وغض للطرف عن الوقائع والأولويات في هذا الوضع الحساس الذي تعيشه. وأشار “موسوي” إلى أن “البيان غير المسؤول للأمين العام يصدر من جانب واحد ويتم إملائه في حين أن بعض أعضاء المجلس، حتى في الأوقات التي تعاني فيها من مشاكل اقتصادية، لا تتوقف عن شراء وتخزين الأسلحة وهي من أكبر مشتري الأسلحة في المنطقة والعالم”. وأفاد بأنه “لا شك في أن مصالح الولايات المتحدة مرتبطة أيضا بمبيعات المزيد من الأسلحة إلى هذه الدول وفقا لهكذا نهج ومزاعم واهية ضد إيران”.
بشكل عام، يبدو أن أعضاء مجلس التعاون الخليجي، قاموا باتخاذ مثل هذا الموقف المتعلق بتمديد حظر بيع الأسلحة لإيران بسبب الضغوط الأمريكية ومن أجل إحياء هذا المجلس، وفي حين أن هذا الإجراء وما شابهه لن يؤدي فقط إلى إحياء هذا المجلس، بل إن تكرار مثل هذه المواقف في المستقبل يمكن أن يقلل من قدرة الدول الصغيرة والضعيفة في هذا المجلس على لعب دور في المعادلات الإقليمية.
المصدر / الوقت