ذكرى حرب الـ33 يوماً.. أنموذج “حزب الله” اللبناني لكسب الحرب السياسيّة والاقتصاديّة
يُحيي أبناء الشعب اللبناني هذه الأيام الذكرى الرابعة عشرة لانتصار قوات “حزب الله” اللبناني في حرب الـ 33 يوماً ضد الكيان الصهيوني، ولقد جاءت هذه الذكرى العظيمة في الوقت التي يعيش فيها لبنان في ظل العديد من المؤامرات الخارجية التي تهدف إلى إضعاف محور المقاومة والحكومة اللبنانية أمام الكيان الصهيوني، لكن الانتصار الذي حقّقه أبطال المقاومة اللبنانية في معركة الـ 33 يوماً ضد قوات الجيش الصهيونية الذي اختارت في ذلك الوقت لقب “الجيش الذي لا يقهر”، أعطى الأمل للمقاومة ولأبناء الشعب اللبناني لتكرار هذا الانتصار مرة أخرى على المؤامرات الخارجية التي تستهدف وحدة هذا البلد ونسيجه الاجتماعي. يذكر أن حكومة الاحتلال الإسرائيل لم تستطع خلال حرب الـ33 يوماً تحقيق أي من اهدافها وعلى راسها جعل لبنان منطلقاً لولادة مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي وعدت به وزيرة الخارجية الامريكية “كوندوليزا رايس” في ذلك الوقت بالرغم من كلّ المؤامرات التي تمّت حياكتها ضد المقاومة وجمهورها.
ولقد تمكنت المقاومة في لبنان بانتصارها على الآلة الصهيونية العسكرية من تغيير موازنة القوى لمصلحة محور المقاومة وايجاد تغيير استراتيجي وجيو سياسي في المنطقة حيث نرى نتائجها في المنطقة حتى الآن. وانتصار “حزب الله” في حرب الـ33 يوماً هو ما أقرّ بها زعماء الاحتلال بانفسهم وشكّلوا لدراسة اسباب هزيمتهم امام رجال المقاومة لجنة “فينوغراد” للتحقيق التي كشفت في النهاية مدى التخبط وعجز الجيش والحكومة الاسرائيلية في ادارة ساحة الحرب والجبهة الخلفية لهذا الكيان. وانهيار حكومة “ايهود اولمرت” كان احد نتائج هزيمة الكيان الصهيوني في تلك الحرب كما ان انتصار المقاومة عزز الثقة لدى الشعوب المسلمة والاحرار في العالم بانهم يستطيعون تحقيق الانتصار بالاصرار والصمود والتحدي بالرغم من عدم تكافؤ القوة. لقد اثبتت المقاومة في لبنان جدارتها وقوتها وقدراتها خلال الاعوام التي عقبت هزيمة الاحتلال في حرب الـ33 يوماً وانها تمر حاليا في ذروة قوتها وقدرتها وتمتلك قدرات هائلة وهو امر يقر بها زعماء ومسؤولو كيان الاحتلال بانفسهم ولقد استطاعت المقاومة بايمانها الراسخ وارادتها القوية وامتلاكها عناصر القوة بان يفشل مؤامرات الكيان الاسرائيلي وأمريكا واحباط مخططاتهما خلال السنوات الماضية.
حرب الـ 33 يوماً.. نقطة تحوّل في المعادلات الإقليمية
إن “حزب الله” اللبناني، الذي هزم الجيش الصهيوني في عام 2000 وأجبره على الخروج من لبنان، محققًا أول انتصار للعالمين الإسلامي والعربي على هذا الكيان الغاصب، كرر انتصاره على الصهاينة في عام 2006 ووجه ضربة قاسية للقوات والجيش الصهيوني الذي كان يدّعي بأنه “الجيش الذي لا يُقهر”. في الواقع، لقد نجح “حزب الله” اللبناني في هزيمة الجيش الصهيوني في وضع كان فيه العالم العربي يحمل أيديولوجية تؤكد أنه ليس هناك إمكانية لمواجهة الكيان الصهيوني عسكرياً، وذلك لأن الحروب السابقة لبعض الدول العربية مع هذا الكيان لم تسفر إلا عن الهزيمة ولهذا فلقد تبّنت العديد من الدول العربية أفضل سياسة ممكنة ضد هذا الكيان الغاصب تتمثل في سياسة قبوله والتعامل معه، لكن هزيمة الكيان الصهيوني على يد حركة “حزب الله” في لبنان عام 2000، ثم هزيمة هذا الكيان عام 2006 في حرب الـ 33 يوماً على أيدي قوات ورجال هذه الحركة، لم تشّد الانتباه إلى “حزب الله” والمقاومة في المنطقة فحسب، بل إنها عززت أيضًا الاعتقاد لدى سكان المنطقة بأن هناك إمكانية لهزيمة هذا الكيان الصهيوني عسكرياً.
وبالإضافة إلى ذلك، قبل حرب الـ 33 يومًا، كان قادة الكيان الصهيوني يتحدثون دائمًا عن حلمهم بالوصول إلى نهر “النيل” ونهر “الفرات”، ولكن “حزب الله” والشعب اللبناني أثبتوا من خلال انتصارهم على الكيان الصهيوني، أن هذا الكيان الغاصب محُاصر الآن داخل الأراضي المحتلة ولم يعد يفكر في هذا الحلم فحسب، بل إنه أيضاً تراجع عن مواقفه وأهدافه السابقة من أجل الحفاظ على وضعه الراهن. وإضافة إلى ذلك، فإن حرب الـ33 يومًا، والتي نتج عنها انتصار قوي لـ “حزب الله” اللبناني، دفعت المنطقة إلى الاعتقاد بظهور فاعل قادر على التأثير في معادلات لبنان، وأنه يمكنه أيضاً تغيير المعادلات الإقليمية وستكون هذه الحادثة نقطة تحول في مسيرة التطورات في لبنان و”حزب الله”. ومع زيادة قدرات حركة “حزب الله” اللبناني وتزايد شعبيته بين شعوب دول المنطقة ومختلف الجماعات اللبنانية، سوف تتمّكن هذه الحركة بلعب دور أكثر فاعلية في التطورات التي تشهدها لبنان وتشهدها المنطقة. ولقد أصبح “حزب الله” اللبناني حاجزًا أمام العدوان المحتمل للكيان الصهيوني على لبنان، وأصبح أيضًا كابوسًا لتحقيق الحلم الصهيوني ومخططاته في جميع أنحاء المنطقة.
قوة “حزب الله” هي ضامن الآمن للبنان وللمنطقة
إن الشيء المهم في التطورات بعد حرب الـ 33 يوماً، أن هذه الحرب وضعت “حزب الله” اللبناني على طريق تتزايد فيه قوته العسكرية يوماً بعد يوم، ولم تنجح هذه الحركة فقط في أن تصبح ركيزة لأمن لبنان فحسب، بل إنها أصبحت قوية لدرجة أنها أصبحت نقطة ارتكاز لضمان أمن عدداً من الدول أخرى في المنطقة، والأزمة السورية هي أهم دليل على هذا الادعاء. وهنا تجدر الإشارة إلى أن سوريا التي عانت خلال السنوات الماضية من العديد من المؤامرات الصهيونية وسلسلة من الهجمات الواسعة التي نفذتها العديد من الجماعات الإرهابية المدعومة من قبل بعض الانظمة الغربية والعربية، طالبت “حزب الله” بدخول البلاد ومساعدة الحكومة السورية على توفير الأمن والأمان لأبناء الشعب السوري ومواجهة الجماعات الإرهابية وطردها خارج البلاد. وبينما لم يتوقع الصهاينة وأنصارهم أن القوة العسكرية لـ”حزب الله” قد ازدادت كثيرًا خلال السنوات الماضية، وأن هذه الحركة لعبت دورًا فعالاً للغاية في استعادة الكثير من مناطق سوريا التي احتلتها الجماعات الإرهابية والتكفيرية، اعتقد الصهاينة والمحور الغربي العربي أيضا أن “حزب الله” اللبناني لن يكون له دوراً فاعلًا بدخوله الحرب السورية، بل إنه سيفقد أيضًا قدراته ولكن هذا الحزب تمّكن من التأثير على وضع المعادلات الميدانية في سوريا.
لقد شكّل “حزب الله” اللبناني أحد أهم الداعمين والمساهمين في الحرب ضد الإرهاب في سوريا، وقد وقف بكل قواه إلى جانب الرئيس السوري “بشار الأسد” وذلك لأنه ينظر إلى سوريا على أنها الدولة العربية الوحيدة الداعمة لقضية فلسطين وحركات المقاومة ضد العدو الإسرائيلي، وكانت سوريا أمام تحدٍّ وجودي، وكان سقوطها يشكل التهديد الأخطر على قوى المقاومة، فهدف التخلص من المقاومة هو مطلب أمريكي إسرائيلي. لذلك كان لا بد من الوقوف إلى جانب سوريا، وقد أراد “حزب الله” من خلال دخوله إلى سوريا، حماية عمقه الاستراتيجي وعدم خسارة خطوط الإمدادات. هذا فضلاً عن التهديد الذي شكّلته الجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيما “جبهة النصرة” و”داعش” على الحدود والداخل اللبناني. إن دخول “حزب الله” إلى سوريا، أدى أيضاً إلى حماية الأضرحة المقدسة هناك.
وهكذا، فإن التطورات التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، والتي حدثت بعد انتصار “حزب الله” اللبناني على الكيان الصهيوني عامي 2000 و 2006، زادت من قدرة “حزب الله” ودوره في المعادلات السياسية والأمنية للمنطقة وللبنان، وأصبح “حزب الله” أكثر من أي وقت مضى عقبة رئيسية أمام النوايا العدوانية للكيان الصهيوني تجاه لبنان والدول الإسلامية الأخرى. والآن وبعد أن سعى أعداء “حزب الله” لإضعاف وتدمير القاعدة الشعبية للمقاومة في لبنان بأساليب الحرب الاقتصادية والسياسية، يمكن القول إن “حزب الله” اللبناني الذي قام في لبنان بعمل رائع خلال حرب الـ 33 يومًا وجعل من المستحيل ممكنا، سيفعل الشيء نفسه في الحرب السياسية والاقتصادية التي تُشن ضد لبنان، وهذا الأمر سيجعل الشعب اللبناني هو الفائز النهائي في المعركة.
المصدر/ الوقت