صاروخ “الحاج قاسم” يجعل صواريخ “شهاب 3 وقدر” الباليستية تصبح من الذكريات
خلال الاحتفال بيوم الصناعة الدفاعية، شهدنا کما في السنوات الأخيرة الكشف عن بعض الإنجازات الدفاعية المهمة. وكان من أهم المنتجات التي تم تدشينها صاروخ أرض-أرض تكتيكي جديد، يحمل اسم الشهيد العظيم الفريق “الحاج قاسم سليماني”.
يواصل هذا الصاروخ المسار الناجح والمثير للإعجاب لسلسلة “فاتح 110″، والتي أصبحت جزءًا مهمًا من المنظومة الصاروخية الإيرانية في السنوات الأخيرة.
فيما يلي، سنلقي نظرةً على عملية تطوير عائلة الصواريخ الناجحة والفعالة هذه، بالإضافة إلى دراسة بعض ميزاتها المهمة.
ما يعرف اليوم باسم فاتح 110، ذو الفقار، الشهيد الحاج قاسم، الخليج الفارسي وهرمز وبعض الأسماء المهمة الأخرى، کان نتيجة الاستثمار المكثف للقوات المسلحة والصناعة العسكرية الإيرانية منذ السبعينيات فصاعدًا، لزيادة دقة الصواريخ الباليستية، وخاصةً تطوير سلاح في هذه الفئة والنموذج التكتيكي.
وما اختارته الصناعة العسكرية الإيرانية لهذا المشروع، كان صواريخ أرض – أرض، والتي كانت تعتبر الأسلحة الأساسية للإنتاج المحلي في الماضي البعيد.
إنه صاروخٌ يبلغ عياره حوالي 610 ملم ويعمل بالوقود الصلب، وهو مصنف ضمن فئة أسلحة المدفعية الصاروخية، وفي الواقع في تلك الفترة کان يعد سلاحاً ذا دقة منخفضة، ولإطلاق نار كثيف لمهاجمة منشآت العدو الكبيرة أو تجمعاته في المساحة الكبيرة.
إن استخدام الوقود الصلب في هذا الصاروخ جعله سلاحًا ذا قدرة تخزين طويلة وإعداد سريع للحمل والإطلاق. وكانت المشكلة الرئيسية هي الدقة، وهنا بدأ أحد أطول المشاريع الدفاعية وربما أفضلها في التاريخ الإيراني.
في ذلك الوقت، كان من الواضح أن الوصول إلى أنظمة التوجيه عبر الأقمار الصناعية في المعايير العسكرية كان مستحيلًا بالنسبة لإيران، وبالتالي تم إنفاق معظم الطاقة والقوة داخليًا على تطوير أنظمة جيروسكوبية من الجيل الجديد، مما سيساعد بشكل كبير على زيادة دقة الصواريخ.
تم بناء الجيروسكوب لأول مرة في عام 1817 من قبل الألماني “يوهان بوهننبرغر”. يمكن فهم سلوك الجيروسكوب بسهولة بالنظر إلی سلوك العجلة الأمامية للدراجة. إذا كانت العجلة مائلةً إلى اليسار من المحور الرأسي، فإن الحافة الأمامية للعجلة تدور إلى اليسار أيضًا. وبمعنى آخر، يؤدي الدوران على علبة عجلة دوارة إلى الدوران على المحور الثالث.
استندت النماذج المبكرة للجيروسكوب إلى حركة عدة قضبان وحلقة الدوران، ومع تقدم العلم تم إدخال نماذج أحدث إلی السوق. ومن بين نماذج الجيروسكوب المختلفة، يمكننا أن نذكر النماذج بدرجة واحدة من الحرية، والجيروسكوب بدرجتين من الحرية، ونموذج DTG وجيروسكوبات نموذج الليزر، والألياف البصرية.
تعد جيروسكوبات الليزر والألياف الضوئية من أكثر النماذج تقدمًا لهذا الجهاز في الوقت الحالي، وتُستخدم في معظم الأجهزة التي تحتاج إلى التوجيه، مثل الطائرات والسفن والصواريخ. وفي الحقيقة، يعتبر نموذج الألياف الضوئية أكثر تقدمًا من نموذج الليزر. وفيما يلي سنتعرف علی هذين النموذجين بشکل أکثر.
لا تحتوي الجيروسكوبات الليزرية على أي جسم متحرك ينتج عنه حجم حركة خطية أو زاوية. ولكن بالنظر إلی أن استخدامها مشابه لاستخدام الجيروسكوبات العادية لقياس الدوران، فإنها تُصنف على أنها جيروسكوب.
يستخدم هذا الجيروسكوب شعاعين ضوئيين في مسار مغلق وفي اتجاهين متعاكسين، واستُخدم نموذجه التجاري الأول في طائرات بوينغ 757 وإيرباص 310. وميزته هي موثوقية أكبر، ونطاق ديناميكي أوسع، ومقاومة جيدة للتسارع العالي.
جيروسكوبات الألياف الضوئية هي تحقيق لأحد أحدث الأفكار البشرية في صنع الجيروسكوبات، لأنها صغيرة بطبيعتها وتعمل على الفور، ولها عمر طويل، ولا تتطلب خدمات صيانة، ورخيصة في نفس الوقت، کما أنها تحتاج أيضًا إلى نظام التعليق الطوقي.
أساس أداء هذا الجيروسكوب يشبه الجيروسكوب الليزري، إلا أنه يستخدم الضوء المستقطب بدلاً من الليزر. وقد تم اختراع هذه التقنية في جامعة “يوتا” في منتصف السبعينيات.
تتمتع هذه الجيروسكوبات بمقاومة عالية جدًا للضغط والاهتزازات البيئية، بسبب عدم وجود جزء متحرك، ولكنها في نفس الوقت تحتاج إلى معايرة دقيقة للغاية للحصول على الأداء المطلوب.
ولحسن الحظ، تم في السنوات الأخيرة تصميم وتصنيع جيروسكوبات الألياف البصرية محليًا في إيران، وتم تسليمها إلى القوات المسلحة بعد الإنتاج الضخم. وفي الواقع، كان هذا النظام من أهم أسباب الزيادة الكبيرة في دقة الصواريخ الباليستية الإيرانية، ولا سيما سلسلة “فاتح” ومجموعاتها الفرعية.
قصة حول فاتح 110 وعائلتها المشرّفة
تم تقديم صواريخ عائلة “فاتح 110” للرأي العام الإيراني في أوائل الثمانينيات حسب التاريخ الشمسي، ودخلت الخدمة في عدة نماذج تحمل الاسم نفسه وفي أجيال مختلفة.
وكان صاروخ “الخليج الفارسي” الباليستي المضاد للسفن وسلسلة “هرمز” المضادة للرادار، من بين المجموعات الفرعية الأولى المستمدة من سلسلة فاتح 110، والتي تم تطويرها بشكل أساسي بالنظر إلی النقاشات المرتبطة بالأسلحة المضادة للسفن / المضادة للرادار وتطوير قدرات منع الوصول لدی القوات المسلحة لجمهورية إيران الإسلامية. ومع “فاتح 313″، وصلت إيران بهذه العائلة إلی مدی 500 كيلومتر، وقدمت سلاحًا يوازي فئة “الإسكندر الروسي” فيما يتعلق بالمدی.
ومع إزاحة الستار عن نماذج مثل “ذو الفقار”، كسرت إيران في الواقع حاجز المدى البالغ 500 كيلومتر لهذه العائلة. کما كان “دزفول” صاروخًا آخر من هذه السلسلة من الأسلحة، نجح في زيادة مدی عائلة “فاتح” وإيصاله إلى 4 أرقام، حيث وصل إلى العدد المهم وهو 1000.
الردّ على هجمات تنظيم داعش الإرهابي على مجلس الشورى الإسلامي، ضريح الإمام الخميني(رحمه الله) والعرض العسکري في مدينة “أهواز”، ومعاقبة الإرهابيين في شمال العراق والانتقام من إرهابيي القيادة المركزية الأمريکية(سنتكوم) في العراق، کان جزءًا من ملف أعضاء عائلة “فاتح”.
وبعد استشهاد الفريق سليماني والعمليات ضد إرهابيي القيادة المركزية الأمريكية في “عين الأسد”، تم تقديم عضو جديد من عائلة فاتح يسمى “رعد 500”.
كان صاروخ “رعد 500” أول صاروخ إيراني يستخدم ألياف الكربون في بناء معظم جسمه. وفي الواقع كان هذا الإجراء من خلال تقليل وزن الصاروخ بشكل كبير، خطوةً کبيرةً للحرس الثوري الإيراني لتحقيق مدى وسرعة أكبر بأحجام وأوزان أصغر.
النقاط الحساسّة في فلسطين المحتلة في مرمی “الحاج قاسم”
ولكن نصل أخيرًا إلى صاروخ الشهيد الحاج قاسم. إنه أحدث عضو في عائلة فاتح، والذي يبلغ مداه 1400 كم، ومن الواضح أنه قادر على الوصول بسهولة إلى النقاط الحساسة والاستراتيجية في الأراضي المحتلة إذا أطلق من الحدود الغربية لإيران.
خبيرٌ من منظمة الصناعات الجوفضائية بوزارة الدفاع الإيرانية، شرح هذا النظام الجديد بالقول: يعمل هذا الصاروخ بالوقود الصلب، وتبلغ سرعة إطلاقه 12 ماخ حين دخول الغلاف الجوي للأرض، کما تبلغ سرعة لحظة الإصابة 5 ماخ.
وبحسب هذا الخبير العسکري، يمكن لصاروخ “الشهيد الحاج قاسم سليماني” اجتياز أي درع دفاعي صاروخي، وبالنظر إلى أنواع الرؤوس الحربية التي يمتلكها هذا الصاروخ، فيمكنه تدمير عدة أهداف من تحصينات خرسانية وأهداف في أعماق الأرض.
ووفقاً لخبير وزارة الدفاع الإيرانية، فإن مدى هذا الصاروخ، وهو صاروخ مطور من طراز ذو الفقار وعائلة فاتح، يمكن زيادته حتى 1700 أو 1800 كيلومتر. كما يبلغ طول هذا الصاروخ 11 متراً ووزنه 7 أطنان.
هذه الإيضاحات تضع صاروخ الشهيد سليماني في فئة الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت تقريبًا. وبناءً على الصور المتعلقة بلحظة الإصابة، يمكن تخيل خطأ هذا الصاروخ أقل من 10 إلى 20 مترًا، وهي دقة مناسبة جدًا ومثيرة للإعجاب لهذا المدى.
ووفقًا للدراسات الأولية والمطابقة المرئية، فإن أحد الفوارق المهمة مع الأعضاء السابقين في عائلة صواريخ سلسلة فاتح هو زيادة قطر الصاروخ، والتي من الواضح أنها ضرورية للوصول إلى مديات تزيد عن 1000 كم.
والنقطة الأخرى التي جذبت انتباه الخبراء حول هذا الصاروخ الجديد، هي استخدام المزيد من كتل التحكم في نهاية الصاروخ. ففي الصواريخ السابقة من هذه السلسلة، كان هناك عادةً 4 كتل والآن وصل هذا العدد إلى 8.
ونظرًا للزيادة في المدى والسرعة وفي نفس الوقت قطر جسم الصاروخ، يبدو أن خبراء الصناعات العسكرية الإيرانية استخدموا هذه الطريقة للتحكم بشكل أفضل في مستويات الطيران.
بالطبع، ينفصل رأس الصاروخ الحربي عن الصاروخ في المرحلة النهائية ويغوص نحو الهدف، وبالتالي فإن هجوم الرأس الحربي وحده سيجعل من الصعب على أنظمة الدفاع الصاروخي للعدو اكتشافه والتعامل معه.
يبدو أن صواريخ عائلة “فاتح” تحل محل صواريخ مثل سلسلة “شهاب وقيام”، ومع الاتجاه الحالي سيتغير عمود الصواريخ الباليستية الإيرانية قريبًا ويصبح السلسلة التكتيكية لعائلة “فاتح”؛ تغييرٌ سيزيد بشكل كبير من قوة وحدة الصواريخ الإيرانية، وذلك بسبب استخدام هياكل أخف وزناً، ودقة استثنائية، واستخدام الوقود الصلب وقدرة أعلى على الحركة، ويوفر في أقل من عقد قفزةً كبيرةً في التكنولوجيا والبنية الصاروخية لجمهورية إيران الإسلامية.
المصدر/ الوقت