التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, أكتوبر 8, 2024

رفع حظر توريد الأسلحة لقبرص.. كبح جماح تركيا على حساب تسليح البحر الأبيض المتوسط 

أعلنت أمريكا أنها سترفع حظر الأسلحة المفروض على قبرص لمدة عام اعتباراً من 1 أكتوبر المقبل ، وقد تم اعلان هذا القرار من قبل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يوم الثلاثاء عبر الهاتف مع الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسدياس.

لكن هذه الخطوة قوبلت على الفور برد فعل حاد وحاسم من أنقرة ، وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان لها ان “هذا القرار يسمم السلام والاستقرار في المنطقة” وأنه يتعارض مع “روح الوحدة” بين أمريكا وتركيا.

في السنوات الأخيرة ، أدت جهود تركيا لاستغلال الموارد في البحر الأبيض المتوسط ​​وتوسيع وجودها العسكري في المنطقة إلى نشوب توترات جيوسياسية مع بعض جيرانها ، وخاصة اليونان وقبرص ، هذا ، إلى جانب أسباب تاريخية أخرى ، جعلت أنقرة حساسة لتحرك واشنطن الأخير تجاه قبرص ، لكن السؤال الآن ما هي نوايا أمريكا من هذه الخطوة وما هو تأثيرها وتداعياتها على نظام الأمن الإقليمي ، وكذلك على العلاقات بين أنقرة وواشنطن في المستقبل؟

سياسة احتواء تركية في شرق البحر المتوسط

وفقًا لنظرية توازن القوى ، فإن البناء الفوضوي للنظام الدولي واللغز الأمني ​​يجعلان من ميزان القوى الظاهرة الرئيسة التي تؤثر على سلوك الفاعلين في السياسة الخارجية ، حتى لو لم يرغبوا جميعاً في موازنة هذه القوى ، ووفقًا لذلك ، عندما يعمل أحد الفاعلين على زعزعة النظام الإقليمي من أجل كسب السيادة وكسب الهيمنة ، فإنه سيواجه رد فعل من قبل الجهات الفاعلة الأخرى ، بما في ذلك تشكيل تحالف للسيطرة على عنصر الهيمنة.

وفي السياق الحالي، فإن جهود تركيا لتغيير هندسة القوة في شرق البحر الأبيض المتوسط ​تتمثل ​من خلال عرض أدوات القوة البحرية والتحالفات مع حكومات مثل حكومة شمال قبرص وحكومة الوفاق الوطنية الليبية بقيادة فائز سراج، كما ان الدول الاخرى مثل اليونان وقبرص والكيان الصهيوني ينظرون إلى هذه الافعال على أنها تهديد لمصالحها في المنطقة، وتحولت إلى تشكيل تحالف ضد أنقرة، الامر الذي شهدناه في الاتفاق الثلاثي في ​​يناير لاستكشاف وتصدير الغاز من شرق البحر المتوسط.

وفي الواقع ، ذكر الإعلان الأمريكي أن رفع حظر الأسلحة ، يأتي بالتزامن مع التوترات الموجودة حالياً في شرق البحر الابيض المتوسط ​​بين تركيا والمحور اليوناني القبرصي الإسرائيلي حول الحدود البحرية وحقوق التنقيب عن الغاز.

وعلى الرغم من أن واشنطن تصر على أن هذه الخطوة لا تأتي في سياق التطورات الإقليمية ، حيث قالت السفيرة الأمريكية لدى قبرص جوديث جاربر في مؤتمر صحفي في نيقوسيا إن هذه الخطوة لا علاقة لها بالتوترات الأخيرة ، لكن المناورات البحرية المشتركة مع اليونان الشهر الماضي أظهرت ان البيت الأبيض يرغب في موازنة القوى ومنع أردوغان من التقدم.

ومن ناحية أخرى ، دفعت الخلافات بين أنقرة والحكومات الأوروبية حول مختلف القضايا ، بما في ذلك القضية الليبية (خاصة الخلاف مع فرنسا ، التي تدعم حكومة الجنرال حفتر أي الحكومة الشرقية) ، بروكسل إلى دعم المحور اليوناني القبرصي الإسرائيلي ، وحذر الاتحاد الأوروبي ، الذي يضم اليونان وقبرص ، أنقرة يوم الجمعة الماضي من أنها ستواجه حظراً وعقوبات اقتصادية من قبل الاتحاد الاوروبي إذا لم تنسحب من المناطق المذكورة.

دخول مسألة قبرص في المباحثات بين أنقرة وواشنطن

تم تقسيم قبرص عملياً منذ عام 1974 عندما دخلت القوات التركية البلاد رداً على الانقلاب الذي قام به اليونانيون القاطنون هناك دفاعاً عن المناطق التي يسكنها الاتراك ، حيث تعتبر تركيا عملها العسكري مشروعاً بموجب الاتفاقية الأمنية متعددة الأطراف التي تم توقيعها في عام 1960 بين تركيا واليونان وقبرص وبريطانيا لضمان السلام في المنطقة.

وفي ذلك الوقت، كانت أمريكا تسعى إلى تأدية دور الوساطة بين كلا الجانبين، حيث سعت أمريكا إلى تشجيع طرفي الجزيرة على العودة إلى طاولة المفاوضات، وقامت في هذه الاثناء بفرض حظر أسلحة على الحكومة القبرصية اليونانية.

ومنذ ذلك الحين حتى الان، لم تسفر الجهود الدبلوماسية المتكررة لحل المشكلة عن أي نتائج، ومنذ فشل المحادثات في يوليو 2017، توقفت محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة.

والآن، على الرغم من أن واشنطن تقول إنه لم يكن هناك أي تغيير في سياستها تجاه قبرص وتواصل الإصرار على بدء مفاوضات للتحالف، فإن رفع حظر الأسلحة سيعني بالتأكيد دعم معارضة أنقرة لهذه القضية.

ويجب تفسير هذا التغيير في النهج في سياق الخلافات المتصاعدة بين أنقرة وواشنطن في السنوات الأخيرة.

وقال لورانس كورب ، المساعد السابق لوزير الدفاع والعضو البارز في مركز تطور امريكا ، إن هذا الإعلان كان أحدث ضربة للعلاقات بين الحليفين في الناتو.

لا شك في حقيقة أن العلاقات التركية الأمريكية في وضع غير موات الان ، نظرًا لحقيقة أن الأتراك قد اشتروا نظام الدفاع الجوي الروسي S400 ، حيث تعتبر أمريكا منظومة الدفاع الجوي S400 تهديداً لقدراتها العسكرية في قاعدة إنجيرليك وأوروبا ، ومن ناحية أخرى ، تزداد حدة الصراع في القضايا الإقليمية في غرب آسيا بين أنقرة وسياسات أمريكا الإقليمية.

وفي هذا الصدد ، تجدر الإشارة إلى أن رفع حظر الأسلحة المفروض على قبرص تم تقديمه لأول مرة في الكونجرس الذي يقوده الديمقراطيون في ديسمبر عام 2019 ، وكانت صحيفة “هيل” ، والتي تغطي قضايا وأعمال الكونجرس ، قد قالت في وقت سابق إن إنهاء حظر الأسلحة “سيكون فرصة لإحباط الخطط الروسية والصينية والتركية في الشرق الأوسط”.

وفي هذا الصدد ، قال السناتور الديمقراطي بوب مينينديز إن القرار يعترف رسمياً بأهمية العلاقات الأمريكية مع قبرص ، التي وصفها بأنها “شريك استراتيجي موثوق لشعبنا”.

وقال في بيان له انه “من مصلحة أمننا القومي رفع حظر الأسلحة المفروض منذ عشر سنوات وتعميق علاقاتنا الأمنية مع جمهورية قبرص”.

وأضاف البيان إن أحد أسباب إنهاء العقوبات هو: “عدم قدرة أمريكا على توفير الأسلحة والخدمات الدفاعية لجمهورية قبرص أجبرها على شراء سلع من دول اخرى تعرّض المصالح الأمريكية حول العالم للخطر”.

وفي السنوات الأخيرة ، بالإضافة إلى شراء أسلحة من دول أوروبية مثل فرنسا ، انضمت قبرص أيضًا إلى مبادرة الحزام والطريق التي تدعمها الصين ، والتي تعتبرها واشنطن تهديداً لمصالحها العظمى في التجارة والاقتصادات العالمية، كما اتخذت قبرص خطوات لتحسين العلاقات العسكرية والسياسية مع موسكو.

ومن ناحية أخرى، في حين أنّ الحكومة القبرصية اليونانية ليست جزءاً من التحالف العسكري لحلف الناتو، فإن أمريكا حريصة الآن على بيع الأسلحة إلى بلد يبدو أنه سيغدو عميلاً مهماً ومستهلكاً للأسلحة الأمريكية.

تسليح قبرص

لقد سعى المحافظون الجدد ، الذين كانوا مؤثرين في السياسة الأمريكية على مدى الثلاثين عاماً الماضية ولديهم حضور قوي في إدارة ترامب ، دائماً إلى توسيع نفوذ أمريكا في الخارج باستخدام الوسائل العسكرية ، وقد أدى هذا التفكير إلى تعميق الصراعات ، وتراجع الدبلوماسية ، وزيادة انعدام الأمن ، وعسكرة المناطق ذات الأهمية الجيوسياسية ، كما يتضح من الضربات العسكرية على أفغانستان والعراق في عهد جورج دبليو بوش.

ووفقاً لذلك، وعلى الرغم من أن بومبيو دعا جميع الأطراف إلى تقليل التوترات في المنطقة، يبدو أن تحرك إدارة ترامب لرفع العقوبات يشير إلى نهج متناقض تجاه السلام في المنطقة.

ومن المرجّح أن يكون لأهمية هذه الخطوة واستجابة أنقرة لهذه الخطوة عواقب وتداعيات بعيدة المدى على شرق البحر الأبيض المتوسط.

وعلى سبيل المثال ، في عام 1997 ، عندما سعت الحكومة القبرصية اليونانية لشراء صواريخ S300 من روسيا ، لم تخلق سوى توترات في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وبعد الرد التركي الحازم على هذه الخطوة أرسلت قبرص صواريخ S300 إلى اليونان مقابل أسلحة أخرى.

لكن هذا يوضح كيف أن قضية قبرص وأي تدخل محتمل من قبل القوى الأجنبية كانت ولا تزال قضية مهمة لتركيا.

حيث قالت وزارة الخارجية التركية إن القرار لا يتطرق إلى “المساواة والتوازن” في الجزيرة ، وأن أنقرة تتوقع من حليفتها في الناتو أن “تدرس” الأمر جيداً.

وجاء في بيان وزارة الخارجية التركية “انه خلافاً لذلك، ستتخذ تركيا، بصفتها دولة ضامنة وكفيلة، الإجراءات المتبادلة اللازمة تماشياً مع مسؤوليتها القانونية والتاريخية لضمان أمن الشعب القبرصي التركي”، حيث يعدّ هذا التهديد الواضح والصريح من قبل أنقرة بمثابة الهزة القوية التي تضرب حتماً الأسس الضعيفة للسلام والأمن في المنطقة.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق