الاستقلال هاجس أمريكي يتجدد..أمريكا على شفا حرب أهلية
إن الرغبة في الاستقلال جادة في حوالي 70 بالمئة من الولايات الأمريكية، ويمكن أن يكون التراجع الذي لا يمكن إنكاره في السلطة الفيدرالية هو العامل المحفّز لانهيار الاتحاد في المستقبل القريب.
وقد أدى السماح للمواطنين الأمريكيين بامتلاك الأسلحة، إلى تحويل البلاد إلى مستودع للبارود، يمكن أن ينفجر إذا تبددت آمال المواطنين في إصلاح النظام السياسي.
منذ منتصف القرن التاسع عشر، عندما انتهت الحرب الأهلية الأمريكية بحوالي 600 ألف قتيل – كان عدد سكان الولايات المتحدة 31 مليونًا فقط في ذلك الوقت – كان استقلال الولاية دائمًا نقاشًا حيويًا. وهذه المطالبة بالاستقلال لم تکن موجودةً فقط في أذهان بعض الأشخاص الذين يكرهون أمريكا.
المجتمع الأمريكي يواجه هذا النقاش، ولكن إلى أي مدى يمكن للباحثين عن استقلال ولاية ما أن يدفعوا قضيتهم إلی الأمام؟ يعتمد ذلك على الظروف الاقتصادية وسلطة الحكومة المركزية وإرادة الولايات الأخرى.
كاليفورنيا على وجه الخصوص لديها ثقافة مختلفة نسبيًا عن الولايات المتحدة الأخری. يقول سكان كاليفورنيا للأجنبي الذي يأتي إلى الولايات المتحدة، “لا تعتقد أن كاليفورنيا جزء من الولايات المتحدة، تصوَّر أن هذه الولاية هي دولة بحد ذاتها، لأنها في الحقيقة لديها ثقافة مختلفة تمامًا”.
ولنلاحظ الولايات الأمريكية الأخرى. تكساس، على سبيل المثال، هي أغنى وأكبر ولاية جمهورية بعد كاليفورنيا. هناك موارد النفط والغاز في هذه الولاية وتعمل فيها شركات كبيرة. تكساس لديها ثقافتها الخاصة، والتي تختلف عن ثقافة الولايات الصغيرة مثل “مين” و”نيو هامبشاير” التي لديها اقتصادات زراعية.
لكن كاليفورنيا شيء آخر. لا يمكن القول إنها مثل الدول الأوروبية تمامًا، ولكنها تشبه دولةً أوروبيةً أكثر منها ولايةً أمريكيةً. لقد استطاع سكان شمال كاليفورنيا تشكيل “جمهورية كاليفورنيا” خلال حقبة قادتها شخصية عسکرية.
لنلاحظ علم كاليفورنيا، تحت ذلك الدب الرمادي الذي يعد رمزًا لفخر كاليفورنيا، توجد كلمة “جمهورية كاليفورنيا”. تشير هذه العبارة إلى تلك الفترة المجيدة عندما كان سكان كاليفورنيا يتمتعون بجمهورية. ونری هذا العلم في معظم المنازل في ولاية كاليفورنيا.
وعندما يتم انتخاب الحاكم عن طريق صناديق الاقتراع، فإنه يتحدث بطريقة محسوبة ودقة متناهية، حتی يدعمه الناخبون ويقفون خلفه مرةً أخرى ويصوِّتون له. هذه هي كاليفورنيا حيث كان فيها الشعور بالاتحاد قويًا جدًا منذ البداية. لكن الآن تغيرت هذه المعادلات. ولذلك لا يمکن التقليل من شأن الرغبة في الاستقلال على الإطلاق.
إن الرغبة في الاستقلال عالية جداً، لدرجة أن الحاكم الحالي لولاية كاليفورنيا أعلن ذات مرة أن كاليفورنيا دولة قومية أو Nation-State. الحاكم في الولايات المتحدة لا يتم تعيينه، بل يتم انتخابه عبر الاقتراع الشعبي.
کما أن العديد من الولايات الجنوبية تری نفسها دولةً قوميةً منذ عام 1856، وتقول صراحةً إن هذا الاتحاد مزوَّر في الأساس، وما زالوا لا يرفعون العلم الأمريكي بل يرفعون علم الاتحاد. ويمکن القول بسهولة إن أكثر من 70٪ منهم يعتبرون أن لهم هويةً مستقلةً.
تأثير احتجاجات السود على عملية الانهيار
الاحتجاجات الأخيرة التي بدأت باغتيال “جورج فلويد”، عززت شعور الأمريكيين بالاستقلال. الولايات المتحدة الآن قريبة جداً من حرب أهلية. صحيح أننا لا نستطيع تقدير احتمالية اندلاع الحرب الأهلية بنسبة 100٪، ولكن لا يمكننا إنكار وجود هذا الخطر.
في الولايات المتحدة، يسمح القانون للأفراد بامتلاك الأسلحة. ووفقًا للتعديل الثاني لدستور الولايات المتحدة، يُسمح لأي شخص يعيش في هذا البلد بامتلاك سلاح. ليس عليك أن تكون مواطنًا، بل البطاقة الخضراء تكفي. ولذلك معظم الناس لديهم أسلحة وبنادق.
وبعض الولايات، مثل كاليفورنيا، لديها قوانين صارمة لمراقبة الأسلحة. في كاليفورنيا، يجب أن تصدر سلطة قضائية أن سجلك خالٍ عن أي جريمة قبل أن تتمكن من شراء سلاح. ثم هناك قواعد تقييدية أخرى. على سبيل المثال، لا يمكنك شراء مسدس بأكثر من 10 طلقات من الذخيرة. ولكن رغم ذلك لست ممنوعًا من شراء الأسلحة.
في هذه الثقافة، نواجه برميلاً من البارود يمكن أن ينفجر في أي لحظة. إذا ذهبت إلى صالة الألعاب الرياضية لممارسة الرماية، فسترى أن الكثيرين يجلبون أطفالهم. هناك ثقافة مفادها يجب على الجميع الدفاع عن أنفسهم. على سبيل المثال، إذا دخل شخص ما إلى المنزل، فيجب عليك استخدام السلاح ودفاعك هو دفاع مشروع.
وإذا أصبح الوضع متوتراً، فمن الممكن أن يتصرف الأفراد بشكل فردي أو جماعي لمواجهة الشرطة. لكن في الوضع الحالي، لم يحمل الشعب الأمريكي السلاح بعد للوقوف في وجه قوة الشرطة القاسية والنظام القمعي الذي أوجد التمييز. لماذا؟ لأنه لا يزال هناك أمل في تحسين هذا النظام. ولکن عندما يتلاشى هذا الأمل في إصلاح النظام، فمن المحتمل جدًا حدوث حرب أهلية واستقلال العديد من هذه الولايات.
من الصعب للغاية التنبؤ بموعد حدوث ذلك. والمسألة التي من المحتمل أن تحدث في السنوات الخمس إلى العشر القادمة هي انهيار الإمبراطورية. وهذا الانهيار للإمبراطورية ليس أيديولوجياً، بل هنالك محاسبات منطقية وراءه.
ستكون الولايات المتحدة دولةً مستقلةً، مثل بريطانيا التي ليست جزءًا من الاتحاد الأوروبي ولكنها مستقلة. لكن النقاد يقولون إن أمريكا لم تعد تلك الإمبراطورية الإمبريالية التي يعرفها العالم. إن ما يسمی ببلطجية العالم (Bully of the world) أصبح جزءاً من التاريخ، ويمكن أن يكون هذا الأفول حافزًا لانهيار الولايات الخمسين.
ويمكن القول إن الولايات المتحدة ستبقى على الأرجح في المستقبل القريب كاتحاد من ولايات شبه مستقلة، لكن الولايات المتحدة لن تكون إمبراطوريةً بعد الآن.
سرعة هذا الانهيار کبيرة للغاية. ويمكن أيضًا الاطلاع على الإحصائيات الاقتصادية لنری هذه الأرقام. على سبيل المثال، نرى الآن أن 60٪ من التجارة العالمية تتم بالدولار، بينما في الماضي کان 80٪ من التجارة العالمية تتم بالدولار، وسبب ذلك هو أن المعاهدات تُبرم بشکل ثنائي أو متعدد الأطراف.
إن استخدام الدولار يعني استخدام النظام المالي الأمريكي، أي الارتباط برئيس يغيِّر السياسة الخارجية بتغريدة واحدة! حتى أن الدول الأخرى بدأت في بيع السندات الأمريكية.
المصدر / الوقت