التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

العنجهية الأمريكية يلخصها “شينكر”.. الوهم الأمريكي باستبعاد “حزب الله” والفصل عند اللبنانيين 

لم تعد السياسة الأمريكية خفية على أحد، خاصة بعد غزو العراق؛ المرحلة التي قدمت الصورة الحقيقية للولايات المتحدة الأمريكية التي ارتكبت أفظع الجرائم هناك تلاها التدخل في الشأن السوري وسرقة نفط السوريين وحرق أراضيهم الزراعية ليتبع ذلك محاولة بث الفتنة في لبنان من خلال التدخلات المباشرة والمتعددة التي قامت بها السفيرة الأمريكية في لبنان شيا دوروثي وتأليب الناس على حزب بعينه أو الأحزاب على بعضها البعض، ومع ذلك فشلت جميع محاولات دوروثي واداراتها الأمريكية، لتستغل واشنطن انفجار بيروت وتصب الزيت على النار من خلال دس السم بالعسل عبر اطلاق تصريحات نارية استهدفت من خلالها “حزب الله” وقاعدته الشعبية وكذلك السلم الأهلي في لبنان، ومع ذلك جاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ولم يقصِ أحداً من اللبنانيين وعاد مرة أخرى واضعاً اللمسات الاخيرة على الملف الحكومي، إلا أن الادارة الأمريكية لم يرق لها ما قام به ماكرون، لترسل على الفور مساعد وزير الخارجية الأمريكي ديفيد شينكر الذي لم ترشح عنه أي بوادر عن لقاءات ستجمعه بالرؤساء الثلاثة وأهل السلطة الذين وضعهم ماكرون أمام مسؤولياتهم ملوّحاً لهم بالعقوبات إن لم ينفّذوا الإصلاحات خلال 3 أشهر.

شينكر التقى بالفعاليات المدنية في لبنان في محاولة لتهميش الطبقة السياسية الحاكمة هناك، وكان المستغرب أن السلطات اللبنانية لم تتخذ اي اجراء بحق الاستفزازات والابتزازات التي أقدم عليها شينكر بحق اللبنانيين، وفي هذا الاطار شن رئيس حزب التوحيد العربي في لبنان، الوزير الأسبق وئام وهاب، هجوما عنيفا على مساعد وزير الخارجية الأمريكي ديفيد شينكر.

وقال وهاب خلال لقاء تلفزيوني مع قناة الجديد اللبنانية، أن شينكر قليل الأدب والأخلاق، مستغربا عدم قيام رئيس الجمهورية بالطلب من الأمن العام بطرد شينكر من لبنان، مضيفا أن مساعد وزير الخارجية شخص بلا تربية “بدو ترباية”.

ان مساعد وزير الخارجية الأمريكية، ديفيد شينكر، قد اعتبر في تصريحات سابقة له، أن وقف النار بين “حزب الله” وإسرائيل “يزداد ضعفا يوما بعد يوم، لأن الحزب يستقدم المزيد من الأسلحة المتطورة، وهذا مثير للقلق” على حد قوله.

وأكد شينكر لصحيفة “الجمهورية” اللبنانية أن “الإدارة الأمريكية ستفرض عقوبات على الأفراد الذين يدعمون حزب الله مهما كان دينهم وانتماؤهم”، متابعا: “سمعت أن السيد نصر الله أعلن، من بين أمور كثيرة، أنه سيخدم مصالح إيران في المنطقة. وأنا شخصيا أعتقد أنه عندما يكون الإنسان وطنيا لبنانيا، فإنه سيخدم مصالح لبنان”.

الآن شغل الأمريكان الشاغل هو “حزب الله” وكيفية نزع سلاحه، وكأن “اسرائيل” وأمريكا والارهابيين الذين تصنعهم واشنطن، يحملون الورود للشعب اللبناني، سلاح حزب الله هو خط أحمر بالنسبة ليس فقط لحزب الله وانما للشعب اللبناني، الذي أدرك أن “حزب الله” هو المدافع الأول عن سيادة لبنان، ولولا وجود الحزب لكان الصهاينة احتلوا المزيد من الأراضي اللبنانية، لكن “حزب الله” وقاعدته الشعبية التي تحميه ساهموا في حماية تراب لبنان، وهذا ما لا تريده واشنطن لذلك تعمل الادارة الامريكية ليل نهار لفك الارتباط بين الحزب وقاعدته، ولكنها لم تتمكن من تحقيق هذه المعادلة حتى اللحظة، حتى ان زيارة رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية إلى لبنان ولقائه مع السيد حسن نصرالله، أكدت أن المقاومة جسد واحد ويد واحدة وما يحدث على لبنان وفلسطين هو واحد.

ماذا فعل شينكر في لبنان؟

شينكر وعلى الرغم من انه زعم انه لن يلتقي سوى بممثلي المجتمع المدني والحراك الشعبي، أظهر نوايا بلاده الحقيقية وقام بجولة دبلوماسية لإثارة الفتنة والتحريض عبر لقاء دبلوماسيين ونواب مستقيلين، وكذلك أعلن عن نيته لقاء بعض الشخصيات السياسية اللبنانية وقيادات حزبية من قوى 14 آذار.

تناقضات كثيرة طرحها المسؤول الأمريكي يمكن من خلالها فهم الهدف الحقيقي لواشنطن من الزيارة بعد اخرى للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثانية إلى لبنان، وتشكيل نواة حكومة جديدة، يعول عليها قسم كبير من الشعب اللبناني، فعلى الرغم من الحديث عن شبه توافق أمريكي – فرنسي حول الملف اللبناني، يتضمنه بعض الخلافات، ومحور هذه الخلافات هو المقاومة وموقعها السياسي في البلاد، إلا أن قدوم شينكر إلى لبنان فور مغادرة ماكرون، يضيف بعض الحقائق إلى التفاهمات الأمريكية الفرنسية في لبنان.

اولى تناقضات المسؤول الامريكي كانت اعتباره ان انتخاب شريحة من الشعب اللبناني لحزب من الاحزاب وتمثيلها عبر هذا الحزب في البرلمان لا يعطي لهذا الحزب شرعية!، ليُطرح سؤال مهم هنا، ما الشرعية التي يتحدث عنها مدعي الديمقراطية، أليس تمثيل شريحة كبيرة من الشعب وانتخابها لحزب معين عبر انتخابات شرعية تمت مراقبتها دوليا وأمميا دليل على الديمقراطية التي يدعونها الغرب من الأمريكيين والاوروبيين؟، أم إنّ الشرعية التي يبحث عنها شينكر هي الشرعية نفسها التي يمنحونها لعملائهم وما يعتبرونهم حلفاءهم من أدوات في المنطقة من الأنظمة الرجعية والسلطوية والدكتاتوريات فاقدي الديمقراطية؟.

الحياد الذي اعتبر شينكر أن بلاده تعمل على تأمينه للبنان، كان هو أول من أطلق عليه رصاصة الرحمة عندما دخل إلى البلاد عبر بوابتها الرسمية، ولكنه تجاهل لقاء المسؤولين السياسيين اللبنانيين؛ تصرف ينم عن عنجهية تجاه المسؤولين اللبنانيين وكأنه يزور إحدى الولايات الأمريكية. هذا الاستكبار الأمريكي دليل واضح على عدم اعتراف الأمريكي بالحياد أصلا، إلا أنه وجد في هذا المفهوم “قميص عثمان” الذي من شأنه إدخاله إلى الواقع السياسي اللبناني وبقوة من جديد.

شينكر تحدث عن أهمية تطبيق القرارات الدولية كافة في لبنان، مطالبا بتسليم سليم عيّاش المتهم بالوقوف وراء اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري 2005، وفق حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، كلام شينكر هذا جاء بعد ساعات على إعلان الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية “فاتو بنسودا”، بسبب التحقيق في تورط جنود أمريكيين بجرائم حرب بأفغانستان؛ فهل الأمريكيون مهتّمون بالمحاكم الدولية وقراراتها فعلا؟.

انتقائية لقاءات شينكر والتي تقتصر على ممثلي المجتمع المدني وبعض قيادات الأحزاب اللبنانية دليل واضح على عدم اعتراف الأمريكي بالحلول الوطنية والداخلية للأزمات اللبنانية، فقد أعلن صراحة أنه سيتكلم مع من سيلتقيهم، أو ما يحلو له تسميتهم “بالشعب” حول الكيفية التي سيتبعونها للتخلص من السياسيين، بمعنى تقديم نفسه مستشارا ربما لتقديم رؤى وآراء حول كيفية تنفيذ مثل هذه الاجندة، دون الأخذ بعين الاعتبار أن أكثرية الشعب اللبناني ربما لا يرغب بوجوده في لبنان اصلا، كما يوضح جليا لمن التبس عليه الامر أن الأمريكي نصّب نفسه ولي أمر الشعب اللبناني، وفق سيناريو واجندات أمريكية يتم العمل على تسويقها لبنانيا.

الطرح الامريكي للبنان كان واضحا وعلى لسان اكثر من مسؤول امريكي، “لا يجب ان يشارك حزب الله في اي حكومة لبنانية مقبلة”. بهذه الكلمات اُختصر الموقف الامريكي من اي حكومة لبنانية مقبلة، موقفاً متشنّجاً وغير مرن، على عكس الطرح الفرنسي الذي اعترف بدوره بالقاعدة الشعبية الكبيرة للمقاومة في البلاد، وتمثيلها الكبير برلمانيا، ما اعطى الطرح الفرنسي شيئاً من الليونة ومقاربة للواقع بشكل أكبر. (وهذا جاء نتيجة مشاهدات ماكرون العينية ربما خلال وجوده في الشارع اللبناني، ورؤية حجم ما يمثله معارضو وجود حزب الله في الحكومة).
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق