التحديث الاخير بتاريخ|السبت, ديسمبر 28, 2024

صراع شرق المتوسط… تركيا ومواجهة الدول الأوروبية 

مع مرور كل يوم، تصبح قضية جهود تركيا لتأسيس وجود قوي لها في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​واستخدام موارده من الطاقة، ذات أهمية إخبارية أكبر ويصبح الأمر أكثر خطورةً من ذي قبل.

بالطبع، بالإضافة إلى التغطية الإخبارية واسعة النطاق، ظهرت حقيقة أن استعراض تركيا قوتها العسكرية والسياسية في شرق البحر المتوسط، ​​لا يشبه سهولة التقدم والتوسع في شمال سوريا وشمال العراق.

ذلك أن العديد من الدول الأوروبية، بما في ذلك اليونان وقبرص، وبدعم من فرنسا والاتحاد الأوروبي، أوجدت عقبات في طريق تركيا في هذه المنطقة البحرية الشاسعة والاستراتيجية، ولا يبدو أن هذه العرقلة اليونانية والفرنسية مؤقتة أو غير مهمة.

لأنه في هذه الخطوات الأولى نفسها، اتخذت ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي مواقف قوية ضد تركيا، وتشير الأدلة إلى أن التقدم في هذا المجال أصعب مما کان يتصوَّره القادة السياسيون والعسکريون في أنقرة في الوهلة الأولى.

من بقي وحيداً؟

استخدم “أبراهام كولين” العبارة الغريبة والخاصة “الوحدة المقدسة” لأول مرة. في ذلك الوقت، لم يكن كولين مشهورًا بالمستوى الحالي، وربما لم تحظ عبارته بالاهتمام الإعلامي كما ينبغي.

لقد استخدم هذه العبارة لوصف موقع تركيا في سوريا. ففي الوقت الذي كان فيه “داود أوغلو” لا يزال على رأس السياسة الخارجية التركية، وكان يعتقد أنه يمكن أن يقود سوريا إلى تغيير الحكومة من خلال تجهيز وتوجيه خصوم الأسد، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وأوروبا، لم ترحب دول المنطقة بخطة تركيا، وقال كولين إن تركيا أصيبت بـ “الوحدة المقدسة” في الدفاع عن حقوق المظلومين في الملف السوري.

على الرغم من مرور بضع سنوات منذ ذلك الحين، ولکن عبارة “تركيا الوحيدة” تم احياؤها مرةً أخرى من قبل المعارضين.

اليوم، كما في الأيام الأخيرة، تحدَّت صحيفة “جمهوريت” وهي منصة معارضي الكمالية، سياسات فريق أردوغان في البحر الأبيض المتوسط ، معلنةً أن تركيا بقيت وحيدةً عملياً في تحقيق أهدافها السياسية في هذه المنطقة البحرية الحساسة، وباتت من دون صديق ورفيق وداعم ومتشابه في التفكير.

والآن تحاول تركيا، جنبًا إلى جنب مع القسم القبرصي الذي يقطنه الأتراك، والذي يطلق عليه في الأدبيات السياسية في أنقرة اسم “جمهورية شمال قبرص التركية”، تحدي اليونان بمناوراتها البحرية، لكن اليونان أيضًا عززت قواتها علی حدودها البرية وقوات خفر السواحل، كما لو كانت الأصابع على الزناد.

هجوم حاد على أوروبا

قبل يومين وجَّه رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي “تشارلز ميشيل” تهديدات لتركيا، حيث شكك في سياسات حكومة أردوغان في شرق البحر المتوسط. وبالطبع، ليس هو أول سياسي أوروبي يطلق تصريحات في هذا المجال.

قبل ذلك أيضاً، أعلنت المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” و”جوزيف بوريل” دعمهما لليونان وقبرص، وحتى بوريل، بصفته مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، هدد تركيا بعقوبات اقتصادية.

وفي مثل هذه الأجواء، لم يتوقع أحد أن يتخذ “نعمان كورتولموش” الرجل الثاني في حزب العدالة والتنمية، والذي غالبًا ما يُنظر إليه على أنه سياسي مرن وتفاعلي، موقفًا متشددًا ضد أوروبا. لكنه فعل ذلك، وقال لرئيس مجلس الاتحاد الأوروبي: “إن أشخاصاً مثل تشارلز ميشيل ومن هم علی شاکلته، يجب أن يعرفوا حدودهم”.

كانت أدبيات كورتولموش في مخاطبة تشارلز ميشيل قاسيةً للغاية وغير مسبوقة، لدرجة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وزعيم حزب العدالة والتنمية، اتصل به شخصيًا لتعويض قسوة نائبه.

وقال أردوغان بهذا الشأن: “إن مواقف أوروبا وتصريحاتها الاستفزازية بشأن البحر المتوسط ​​لا تساعد في حل المشكلة”. وحثَّ ميشيل علی أن تنظر أوروبا من منطلق الإنصاف والشرعية والحياد، بالإضافة إلى واجباتها السياسية والوساطة، فيما يتصل بالتوترات الحالية بين أنقرة وأثينا. لكن من الواضح أنه بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن المواجهة المماثلة والحيادية بين طرفين مختلفين، مثل تركيا واليونان، ليست توقعًا واقعيًا.

الدبلوماسية أو القوة العسكرية.. هذا هو بيت القصيد

في الأيام والأسابيع الأخيرة، ووسط توترات بين أنقرة وأثينا وأنقرة وباريس، کان لـ”خلوصي آکار” وزير الدفاع التركي التصريحات والمواقف أکثر من أي شخص آخر.

وهذا يدل على أنه من الناحية السياسية والفكرية لحكومة أردوغان، من أجل اتخاذ موقف ضد فرنسا واليونان وقبرص، يجب أن تدخل الشخصيات العسكرية إلى الميدان، وليس الدبلوماسيين.

وفي هذا السياق، استعرض خلوصي آكار قدرات بلاده ضد اليونان وفرنسا عدة مرات، من خلال الصور ومقاطع الفيديو والبيانات القوية وقيادة طائرات من طراز “إف 16” وأفعال مماثلة.

ولكن هذه هي القضية التي انتقدها زعيم حزب المستقبل “أحمد داود أوغلو”. إذ يرى أوغلو أن قضية شرق المتوسط ​​وحل مشاكلها يجب أن تكون في يد الجهاز الدبلوماسي، ويجب اتخاذ مبادرات دبلوماسية في هذا المجال.

وقال في هذا السياق: “لقد أصبح حزب العدالة والتنمية (آكبارتي) غير كفء في السياسة الخارجية، ولا يمكنه التعامل مع هذه القضية. لماذا لا يوجد بلد معنا سوی جمهورية أذربيجان؟ طالما أنك تتصرف بضعف شديد، فإن تركيا ليست بحاجة إلى عدو أجنبي”.

معارضو أردوغان والتقدم في البحر

يكاد لا يوجد حزب معارض في النظام السياسي التركي، يعارض مبدأ التحركات العسكرية والاستعراض التركي في البحر المتوسط. وبالمناسبة، اتخذت جميع الأحزاب، في جو ملحمي وقومي، موقفاً ضد قبرص التركية وضد قبرص اليونانية واليونان وفرنسا، إيماناً منها بأن هناك مصالح وطنية ومواهب ينبغي أن تنتقل إلی الجيل القادم.

ونتيجةً لذلك، من وجهة النظر السياسية، لا أحد يعارض استعراض حكومة أردوغان لقدراتها في شرق البحر المتوسط، ولم يتم ذكر التكاليف والعواقب الاقتصادية والسياسية لهذا الإجراء.

ومع ذلك، تعتقد أحزاب المعارضة أن حكومة أردوغان وفريقه الرئيس في قصر “بش تبه”، ليس لديهم فهم كامل للدبلوماسية والسياسة الخارجية، وبما أنهم لم يتركوا أي صديق لهم، فهم يواجهون باستمرار رد فعل المعارضين الإقليميين والدوليين.

وفي هذا الصدد، أشار “أرسلان بولوت” المحلل في صحيفة “يني ﺷﺎﻍ” الترکية، إلى آراء عدد من أساتذة الجامعات الترکية حول خصائص الشلل الدماغي والاضطرابات العصبية، وشدد على أن الجهاز العصبي لحكومة أردوغان مشلول تماماً في شرق البحر المتوسط، ​​وغير قادر على اتخاذ القرارات والتحرك!

أما المؤرخ التركي “سينان ميدان” فقد كتب في صحيفة “سوزوجو” الترکية: “على مر التاريخ، كانت لدينا مشاكل وخلافات مع اليونان، والغرب دعم اليونان دائمًا في هذه النزاعات. يعتقد الكثيرون أن اليونان لا تفهم إلا لغة القوة والسلاح. ولكن ليس هذا هو الحال، بل لحل الخلاف مع أثينا يجب أن ندخل من باب الدبلوماسية والتفاوض”.

بدوره يعتقد “أيدين سيزر” المحلل السياسي التركي، أن تركيا جلبت الناتو لحل المشکلة مع اليونان وغيرها، وهذا أمر طبيعي. لكن بالإضافة إلى الناتو، دخلت روسيا أيضًا علی خط هذه الحملة، والآن اكتسبت روسيا موقعًا في التوتر المتوسطي اكتسبته من خلال علاقتها مع تركيا.

رغم تصريحات المعارضين، فإن فريق أردوغان يمضي قدماً بخططه، ويمكن القول بجرأة إنه بالنسبة لتركيا وحزب العدالة والتنمية، سيكون عام 2020 عامًا للتحرك في شرق البحر الأبيض المتوسط​، وسيكون لتحقيق أو عدم تحقيق الأهداف في هذه الساحة التي تسودها الضبابية، تأثير عميق على مستقبل تركيا والحزب الحاكم.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق