أبعاد وأهداف زيارة وزير الخارجية الهندي لطهران.. ما مدى أهمية ميناء “تشابهار” الإيراني بالنسبة للهنود
قام وزير الخارجية الهندي “سوبرامانيان جيشانكار” بزيارة رسمية إلى طهران يوم الثلاثاء الماضي والتقى خلال هذه الزيارة بوزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف” وعقب لقائه مع نظيره الإيراني، غرّد وزير الخارجية الهندي على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي تويتر، قائلاً: “لقد عقدت اجتماعاً بناءً مع وزير الخارجية ظريف خلال إقامتي في طهران وناقشنا تعزيز التعاون الثنائي واستعرضنا أيضاً التطورات في المنطقة. شكرا لك على استضافتك الكريمة”. وتأتي زيارة “جيشانكار” إلى طهران في الوقت الذي وصل فيه وزير الدفاع الهندي “راجنات سينغ” إلى طهران يوم الأحد الماضي في زيارة غير معلنة بعد زيارة قام بها للعاصمة الروسية موسكو استمرت ثلاثة أيام ولقد أثارت مجموعة هذه الزيارات غير المعلنة، والتي أعقبتها زيارة رسمية لوزير الخارجية الهندي إلى طهران، العديد من التساؤلات عما ينوي الهنود تحقيقه في زيارتهم الأخيرة ولماذا قاموا بشكل عاجل بعدد من الزيارات الدبلوماسية؟ وللإجابة على هذا السؤال، يمكننا الحديث عن موضوع ميناء “تشابهار” المهم ومناقشة المنافسة بين الهند والصين، حيث يبدو أنه بعد استبعاد الهنود من مشروع سكة حديد “تشابهار – زاهدان” في يوليو من هذا العام، تسعى نيودلهي إلى استعادة موقعها في المنافسة مع الصين.
أهمية ميناء “تشابهار” للهنود
يمكن تقييم الهدف والغرض الأول من زيارة وزير الخارجية الهندي بعد زيارة وزير الدفاع الهندي لإيران فيما يتعلق بالجهود الهندية للحفاظ على موقعها في ميناء “تشابهار”. إن ميناء “تشابهار” ذو أهمية إستراتيجية للهنود وذلك لأنهم يعتبرون هذا الميناء بوابة الدخول إلى منطقة الشرق الأوسط. في الواقع، لقد قررت الهند فتح طريق وصول جديد إلى غرب ووسط آسيا وتوسيع مصالحها في أفغانستان غير الساحلية وذلك بسبب استمرار نزاعات نيودلهي مع جيرانها، بما في ذلك باكستان والصين، حيث أن ميناء “تشابهار” الواقع في بحر عمان سوف يسهل وصول الهند إلى أفغانستان عن طريق البحر.
وحول هذا السياق، يعتقد العديد من الخبراء أن ميناء “تشابهار” الواقع على المحيط الهندي تحول إلى مركز لوجستي وربما حياتي بالنسبة لأفغانستان، حيث يربط هذا الميناء أفغانستان وآسيا الوسطى بالمياه الدولية على المحيط الهندي وذلك في أقصر مسافة مع ما يمتلكه الميناء من الهياكل اللوجستية وخدمات الموانئ، وبالإضافة إلى ذلك، فإن منطقة التجارة الحرة في “تشابهار” ولما يمتلكه الميناء من بنية تحتية قوية تتلائم مع الأنشطة الاقتصادية والتجارية، كما أنّه مستعد لجذب الاستثمارات والمستثمرين الأجانب. إن هذا الميناء الإيراني الواقع شرق إيران وعلى شواطئ المُحيط الهندي؛ أُدخلت عليه تغييرات هامة بوصفه منطقة اقتصادية نشطة، حيث أدى تعاون الهند مع إيران لتطوير البنية التحتية للموانئ والسكك الحديدية في “تشابهار”، ليتبعه التوصل مع أفغانستان إلى توقيع اتفاق ثلاثي بين إيران والهند وأفغانستان الأمر الذي مهّد الطريق لمستقبل واضح للتعاون الثلاثي.
الجدير بالذكر أن ميناء “تشابهار”، مشروع إيراني – هندي قديم تَوقف لسنوات عدة جرَّاء العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وعاد المشروع مؤخرًا للحياة بعد توقيع اتفاقية شراكة بملايين الدولارات بين الهند وإيران وأفغانستان، تتكفل فيها الهند بجزء كبير من تطوير الميناء وإنشاء شبكة سكك حديدية تصل الميناء بأفغانستان لتحقيق أهداف اقتصادية واستراتيجية طموحة تخدم مصالح الأطراف كافة، وفي مقدمتهم الهند وإيران. ويهدف ميناء تشابهار في الأساس إلى تعظيم المصالح الإيرانيّة أولًا، كزيادة صادراتها النفْطية وغير النفطية، لكنه يكاد يخدم المصالح والأهداف الهندية بشكل أكبر عندما ننظر إلى طبيعة هذه الأهداف، وخاصة بعيدة المدى منها، التي من بينها محاولة الهند تهميش باكستان، جارتها اللدود، إضافة إلى منافسة الصين في بسط السيطرة والنُّفُوذ على دول آسيا، لهذا كان الدعم المادي الهندي للمشروع سخيًا وسريعًا، وإلى جوار ذلك سيعود المشروع بالنفع على أفغانستان الحبيسة بفتح طريق لها نحو المحيط بدلًا من ميناء كراتشي الباكستاني، وتحقيق مصالح اقتصادية، والتحرر من سيطرة باكستان على أفغانستان.
الخوف من وجود الصين في ميناء “تشابهار”
يمكن تقييم الهدف والغرض الآخر من زيارة وزير الخارجية الهندي لإيران فيما يتعلق بخوف نيودلهي من وجود الصين في ميناء “تشابهار”. في الواقع، في نفس الوقت الذي تمت فيه عملية انسحاب نيودلهي من مشروع السكة الحديدة “تشابهار – زاهدان”، قامت طهران بمناقشة قضية الاتفاق الاستراتيجي مع الصين والذي يصل إلى مدة 25 عاماً ووجود بكين في ميناء “تشابهار”، ولهذا فإنه يبدو الآن أن الهنود قلقون بشأن وجود الصين في ميناء “تشابهار”. وفي هذا الصدد، نرى أن حكومة الهند في خطتها للميزانية 2021-2020 ضاعفت الميزانية لمشروع ميناء “تشابهار” لضعفين.
ونظراً لجميع مخاوف نيودلهي هذه، فقد نفى المسؤولون الإيرانيون أن ميناء “تشابهار”، سيتم تأجيره للصينيين. ومع ذلك، اقترحت إيران العام الماضي شراكة بين ميناء “جوادر”، الذي تنشط فيه الصين، وميناء تشابهار، وكذلك الاستفادة من ميناء “جاسك” الواقع على بعد 350 كيلومترًا من ميناء “تشابهار” في منطقة تشابهار الحرة. وفي هذا الصدد، أكد السفير الهندي السابق لدى إيران على أن أي من هذه الاحتمالات التي تنتهك العلاقات الاستراتيجية بين إيران والهند واستخدام ميناء “تشابهار”، يجب أن تراقبها نيودلهي بعناية. وحذر من الوجود الصيني في ميناء “جاسك” الذي يقع غربي تشابهار وبالقرب من مضيق هرمز وذلك لأن الصينيين سوف يوسعون سيطرتهم على طول سواحل باكستان وإيران.
التعاون الأمني والاقتصادي في أفغانستان
إن الهدف والغرض الآخر من زيارة وزير الخارجية الهندي إلى طهران يمكن اعتباره في مجال تعزيز العلاقات بين البلدين حول أفغانستان. في السنوات الأخيرة، كان لإيران والهند أهداف مشتركة حول أفغانستان على المستويين الأمني والاقتصادي، وهما يسعيان الآن إلى تعزيزها.
لقد كان للهند وإيران العديد من المصالح الإقليمية المشتركة في أفغانستان على مدى العقود الثلاثة الماضية. وقد اتخذ هذا بعدا جديدا مع الإطاحة بالاتحاد السوفياتي. في الواقع، بين عامي 1996 و 2001، دعمت كل من الهند وإيران التحالف الشمالي ضد طالبان. كما دعم كلا البلدين الإطاحة بنظام طالبان وسعيا إلى منع طالبان أو الجماعات المسلحة من استعادة السلطة. وفي هذا الصدد، على الرغم من أن الهنود لا يتأثرون بشكل كبير بعبور المخدرات من أراضيهم مثل إيران القريبة من أفغانستان، إلا أن التحكم في زراعة وإنتاج المخدرات في أفغانستان يمكن أن يكون مفيداً لكلا البلدين وذلك لأن السيطرة على زراعة المخدرات ستؤدي إلى إعاقة وانخفاض دخل وكالات إنفاذ القانون وحركة طالبان والتيارات المتطرفة في افغانستان وهذا الأمر سوف يصب في مصلحة المصالح الأمنية للهند وإيران.
على صعيد آخر، على مدى العقد الماضي، قدمت الهند وإيران مساعدة اقتصادية كبيرة للحكومة الأفغانية، وهما من بين الدول القليلة التي أوفت بالتزاماتها تجاه أفغانستان. إن هذين البلدين هما المساعدان والشريكان الحقيقيان لأفغانستان في إعادة بناء البنية التحتية، بما في ذلك الطرق والمناطق الحدودية الأخرى. وفي ضوء ذلك، يمكن اعتبار توسيع التعاون الاستراتيجي الإيراني مع الهند خطوة استراتيجية سوف تصب في مصلحة المصالح والأمن القومي والاقتصادي للبلدين وأفغانستان. الجدير بالذكر أن التطورات في أفغانستان وصلت الآن إلى مرحلة حرجة بعد بدء محادثات السلام بين الحكومة وطالبان وانسحاب القوات الأجنبية وزادت المخاوف من حدوث فراغ سياسي يُعيد أنشطة الجماعات الإرهابية، وخاصة داعش، ولهذا فإنه يمكن لكل من إيران والهند دعم العمليات السياسية و زيادة الاستقرار ومكافحة الإرهاب في هذا البلد الفقير.
التعاون الاقتصادي والتجاري
على الرغم من العقوبات التي فرضتها أمريكا خلال السنوات الماضية على طهران، كانت الهند واحدة من الدول التي كان لديها رغبة قوية في التجارة مع إيران. وخلال الزيارة الاخيرة التي قام بها وزير الخارجية الهندي لطهران، أكد هذا الاخير أنه في هذه الزيارة تمت مناقشة هذه المسألة باهتمام جدي. وتسعى كل من الهند وإيران إلى تسريع عملية التوقيع على اتفاقيات التجارة التفضيلية وسيكون توقيع اتفاقية تجارة تفضيلية مع إيران مفيداً للهند لأنه بموجب هذه الاتفاقية، سيتم تخفيض الرسوم الجمركية بنسبة 25 إلى 45 في المئة.
ونظراً لأن إيران ليست عضواً في منظمة التجارة العالمية، فهي ليست ملزمة بوضع تعريفات محددة ومحدودة، ويمكن لاتفاقية التجارة التفضيلية أن تساعد كلا البلدين. حيث بلغت القيمة الإجمالية للتجارة الثنائية بين الهند وإيران في عام 2018 حوالي 18 مليار دولار وشملت صادرات الهند إلى إيران الأرز والشاي والزيت وطحين فول الصويا وأقطاب الكربون للأجهزة الكهربائية ومستخلصات النفط والورق والأدوية وفي المقابل، تشمل واردات الهند من إيران أيضاً منتجات مثل النفط والمواد الكيميائية الطبيعية وغير الطبيعية والأسمدة الكيماوية ولقد زاد حجم تجارة الهند مع إيران من 3.4 إلى 4.13 في السنوات الثلاث الماضية، ما يدلّ على أهمية تجارة إيران مع الهند. كما يمكن للهند استخدام قوتها الدبلوماسية لمواصلة التجارة مع إيران دون وضع اعتبار لأمريكا.
المصدر / الوقت