أنصار الله وعجلة المباحثات والحرب
مع استمرار اندلاع نيران الحرب في اليمن بعد مضي ألفي يوم من العدوان العسكري للتحالف العربی بقيادة السعودية ، تخوض الجماعات اليمنية الان محادثات سياسية في جنيف العاصمة السويسرية للتوصل إلى اتفاق بشأن الأزمة متعددة السنوات ، حيث بدأ الاجتماع ، الذي ترأسه مارتن غريفيث ، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن ، يوم الجمعة مع التركيز على محور تبادل أسرى الحرب.
والمحادثات الحالية هي عبارة عن أول لقاء بين البعثات الدبلوماسية بين صنعاء وحكومة منصور هادي ، والتي تأتي عقب المحادثات التي جرت في شهر شباط في عمان العاصمة الأردنية ، وتهدف محادثات جنيف إلى وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية من شأنها الإفراج عن أكثر من 1400 سجين.
وقد تبادلت جماعة أنصار الله وحكومة عدن المستقيلة الأسرى عدة مرات على أساس محدود منذ اتفاقيات ستوكهولم في عام 2018 ، والتي تضمنت إطلاق سراح 15 ألف معتقل في إطار اتفاق سلام ، لكن اذا تحقق الافراج عن 900 من أنصار هادي مقابل 520 مقاتل يمني ، سيكون ذلك أول عملية تبادل للأسرى على نطاق واسع منذ بداية الحرب ، ومع ذلك ، يبدو أن مسألتي استمرار الحرب والخلافات في قائمة المعتقلين أصبحت تحديًا خطيرًا للتوصل إلى اتفاق.
وفي هذا الصدد ، دعا غريفيث ، الذي قال في اجتماع لمجلس الأمن الشهر الماضي إن أوضاع الحرب تتدهور وآمال السلام تتضاءل في ظل الوضع الحالي في اليمن ، داعياً إلى الإسراع بالاتفاق ، مدركًا لتحديات المفاوضات ، وكتب على موقع تويتر “رسالتي للطرفين هي إنهاء الجدل وإطلاق سراح السجناء بسرعة وطمأنة آلاف العائلات اليمنية”.
ومن أهم أسباب الخلاف عدم التوازن في قائمة الأطراف للإفراج عن الأسرى ، حيث طلبت حكومة منصور هادي المستقيلة قائمة تضم شخصيات عسكرية وسياسية بارزة ، منها الجنرال ناصر منصور هادي شقيق عبد ربه منصور هادي ، الذي اعتقل عام 2014 ، ومع ذلك ، فهم يحتجون على الأشخاص الذين رشحتهم أنصار الله للتحرير ، وبينما كان هذا التحدي أحد أسباب فشل محادثات عمان ، قال مصدر مقرب من منصور هادي ، يوم الأربعاء ، إن الجنرال ناصر منصور هادي والعديد من السياسيين سيكونون من بين المفرج عنهم.
ومن ناحية أخرى، تجري المفاوضات في موقف يؤكد فيه ممثل الأمم المتحدة وهيئة عدن ضرورة وقف عملية صنعاء العسكرية لتحرير محافظة مأرب ، ونيتهم للاشارة الى ان أنصار الله هم العامل الاساسي في النهاية المحتملة للمفاوضات ان وقعت.
وتعد محافظة مأرب الاستراتيجية آخر قاعدة مسلحة شبه عسكرية موالية لمنصور هادي في شمال البلاد ، وفي الواقع ، يسعى مبعوث الأمم المتحدة والأطراف المنتفعة ، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الامريكية ، إلى منع المزيد من الهزائم على جبهة عدن من خلال الاستفادة من الضغط السياسي ، وكان المبعوث الأممي قد حذر في وقت سابق من التهديد بتحرير مأرب من قذارة المرتزقة التابعين للسعودية على حياة عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يلتمسون اللجوء في المدينة ، دون أن يذكر القصف المستمر للمدنيين ، وقال أيضا إنه “إذا سقطت مارب ، فسوف تضعف إمكانية قيام عملية سياسية شاملة”.
حيث انه ستكون خسارة محافظة مأرب الاستراتيجية هزيمة كبيرة لحكومة هادي اليمنية التي نصبت نفسها بنفسها في عدن كما ستكون انتصارًا كبيرًا في الحرب ضد المعتدين الأجانب ومرتزقتهم الداخليين ، لذلك وعلى الرغم من كل الدعاية والضغوط ، قال وزير الدولة في صنعاء ، اللواء جلال الرويشان ، لصحيفة محلية يوم الأربعاء ، إن الجيش واللجان الشعبية عازمان على اخراج القوات الحكومية من مأرب ، رغم جميع الضغوط الدولية المكثفة عليهم.
مما لا شك فيه أن دور التخريب السابق للطرف الآخر في تنفيذ الاتفاقات ، وكذلك الضغط المتزايد للطرف المقابل على السعودية لإنهاء الحصار اللاإنساني المستمر منذ سنوات لليمن ووقف الضربات الجوية على هذا البلد ، هي الأسباب الرئيسة لجهود أنصار الله لمواصلة التقدم العسكري والسيطرة على مأرب.
حيث تسببت الحرب غير الإنسانية والحصار الذي تفرضه السعودية على اليمن واستمرارها في ظل الصمت الغربي حتى الآن في مقتل أكثر من 100 ألف شخص وتدمير البنية التحتية لليمن وتشريد الملايين ودفع 30 مليون شخص إلى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم ، كما جلست جماعة أنصار الله مرارًا على طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب والعدوان الخارجي والتوصل إلى اتفاق داخلي مع مجموعات أخرى ، بما في ذلك عدن ، وحتى قبلت باتفاق ستوكهولم لإنهاء حصار ميناء الحديدة وإنشاء بوابة عبور للمساعدات الإنسانية ، لكن في كل هذه الحالات ، ولأن الطرف الآخر اعتبر رغبة أنصار الله في الحديث ضعفًا ، رفض الوفاء بالتزاماته وخرق الاتفاقات.
ففي وقت سابق من عام 2016 ، اتفق السعوديون وأنصار الله على تخفيف حدة التوتر في عدة محافظات شمالية والتنسيق من اجل ضبط ومراقبة وقف اطلاق النار والامن في الجنوب ، بما في ذلك حجة ، من خلال تشكيل لجنة مشتركة لتخفيف التوترات ، لكن الرياض ومرتزقة حكومة هادي انتهكت هذه الاتفاقيات.
و من ناحية أخرى ، لا ينبغي أن ننسى حقيقة أن السعودية أظهرت علامات ميل للتفاوض فقط عندما فُرضت هزائم ميدانية خطيرة على الرياض ، حيث أدى تطوير قدرات أنصار الله للطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية ، والتي تغطي مساحة كبيرة من الأراضي السعودية ، إلى تعميق التهديدات الأمنية السعودية.
وأعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ، خلال مؤتمر ميونيخ الأمني في فبراير عام 2020 ، أن محادثات السلام مع صنعاء ليست جاهزة للوصول إلى أعلى مستوى ، ومع ذلك ، فإن التغيير في الوضع في أعقاب الضربات الصاروخية لأنصار الله في جيزان والرياض في أواخر مارس / آذار ، دفع هيئة الأركان المشتركة للتحالف في 8 أبريل / نيسان إلى إعلان الاستعداد لوقف إطلاق النار من جانب واحد لمدة أسبوعين.
كما أوضحت سياسات السعودية منذ هجمات سبتمبر 2019 على منشأة أرامكو النفطية أن المملكة تتبع استراتيجية انسحاب من اليمن لتقليل التهديدات على أراضيها ، كما ان التداعيات والعواقب الاقتصادية غير المسبوقة لفيروس COVID-19 ، إلى جانب الانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية والتهديدات الأمنية الرئيسة للعمق الاستراتيجي للسعودية مع دخول الرياض عامها السادس من الحرب ، العوامل الوحيدة التي تؤثر على هذا التغيير في السياسة.
المصدر/ الوقت