طبول الحرب تُقرع في ادلب
الوضع الميداني في ادلب ينذر بحرب قادمة بين الجيش السوري والأتراك ومن يدعمون من فصائل ومجموعات ارهابية، وقد طال صبر الحكومة السورية طويلاً على الأتراك في ظل وجود ضامنين لها، ولكن يبدو أنه طفح الكيل في ظل عدم وفاء تركيا بالتزاماتها، واحتلالها أراضٍ سورية ودخول قواتها إلى سوريا دون اذن رسمي من السلطات الرسمية، الأمر الذي يعد انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية الوطنية، ويبدو أنه وبعد فشل الاجتماع الأخير “16 من أيلول الحالي” بين الضباط الروس والأتراك الذي كان يهدف لتنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بشمال غربي سوريا، أصبحت الأمور أقرب للحل العسكري وتغليبه على الحل السياسي، في ظل انسداد جميع الآفاق الممكنة.
التقارير الاخبارية قالت إن الطيران الروسي وكذلك القوات السورية شنوا أقوى هجوم على اطراف محافظة ادلب، منذ 6 أشهر وحتى الآن. في المقابل نشر الجيش التركي منظومات دفاع جوي في ريف إدلب الجنوبي، وذلك بالتزامن مع وصول تعزيزات عسكرية جديدة إلى المحافظة.
وقالت مصادر إعلامية محلي: إن الجيش التركي نشر منظومات دفاع جوي يصل مداها إلى 8 كيلو مترات في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي.
هذا المشهد يوحي بأن المحافظة باتت أمام استحقاق جديد وخطير ربما يتمثل في موافقة أنقرة على الطلب الروسي بسحب قواتها وتفكيك نقاط عسكرية من إدلب أو مواجهة شبح مواجهة عسكرية جديدة، وهما خياران أحلاهما مر لأنقرة.
أنقرة في وضع لا تحسد عليه، في ظل فشلها في تأمين طريق حلب اللاذقية “إم-4” وعدم قدرتها على ضبط المسلحين الإرهابيين من استهداف الدوريات الروسية، مع العلم أنها تعهدت بذلك.
أهالي ريف ادلب ضاقوا ذرعاً بالوجود التركي الذي لم يجلب لهم سوى الدمار والخراب واحتلال اراضيهم ونهب ثرواتهم، وعلى هذا الأساس نظم العشرات من أهالي ريف إدلب، يوم الأربعاء الماضي، وقفة احتجاجية أمام نقطة المراقبة التركية في بلدة تل طوقان في ريف إدلب الجنوبي، وذلك تنديدا بالوجود التركي داخل الأراضي السورية.
وأكد الأهالي أن “القوات التركية الموجودة على الأرض السورية تعتبر قوات محتلة، وتقوم بدعم المجموعات المسلحة خدمة لمصالحها السياسية والاقتصادية”، مطالبين بخروج تركيا من الأراضي السورية، وخاصة نقاط المراقبة الموجودة ضمن مناطق سيطرة الدولة السورية والتي حررها الجيش السوري مؤخراً في ريفي حماة وإدلب”.
وبدأت تركيا في تشرين الأول 2017، إقامة نقاط المراقبة في إدلب في إطار اتفاق أبرمته مع روسيا وإيران في مدينة نور سلطان (أستانا) في أيلول 2017، ولم تكن تركيا قادرة على إدخال جنودها وإقامة تلك النقاط دون الحصول على موافقة الطرف الذي يسيطر على الأرض هناك وهو “هيئة تحرير الشام” الواجهة الحالية لتنظيم “جبهة النصرة” حيث كان مقاتلوها يرافقون فرق الاستطلاع التركية عند دخولها الأراضي التركية لإقامة النقاط، كما أن كل القوافل التركية التي تقوم بتموين نقاط المراقبة تمر عبر حواجز “هيئة تحرير الشام”.
حاليا تحاول موسكو جاهدةً ضبط الوجود التركي عن طريق إقناع أنقرة بتخفيض نقاطها وعتادها الثقيل في إدلب، وهو ما لم تتلق موافقة عليه. حيث نقلت وسائل إعلام روسية أن الجانب التركي رفض عرضاً روسياً خلال اجتماعات عسكرية في أنقرة، بخفض عدد نقاط المراقبة؛ لكنه أبدى استعداداً لمناقشة آليات لسحب جزء من الأسلحة الثقيلة من إدلب ومحيطها.
أما النقطة الخلافية الثانية، فهي الطريقان الدوليان (ام4) و(ام5) حيث لا ترغب تركيا بفتحهما وفق الرغبة الروسية، وتريد التوصل لاتفاق شامل وآمن بشأن إدلب وما يجاورها من مناطق، بينما روسيا لا تريد فتح نقاش بشأن الطريق (ام5)، حيث توجه ثقل اهتمامها لفتح الطريق الأول الواصل بين محافظتي حلب واللاذقية.
في المحصلة، قد يؤدي الوضع في محافظة إدلب السورية، التي تسيطر على معظمها المعارضة الموالية لتركيا جنبا إلى جنب مع الجماعات المتطرفة، إلى تفاقم العلاقات بين روسيا وتركيا مرة أخرى. ويبدو أن أنقرة تعزز وجودها العسكري في المنطقة.
وخلال هذا العام، اضطرت موسكو وأنقرة إلى تفعيل قنوات رفيعة المستوى بسبب الخسائر التي تكبدها الجيش النظامي التركي – والتي قيل إنها غير مقصودة – من ضربات الجيش العربي السوري. ومع ذلك، ووفق تصريحات المسؤولين، فشل المتفاوضون في تحقيق تقدم ملموس في الحوار حول هذه المحافظة السورية. ولهذا، كما يرون في أوساط الخبراء، أسباب منطقية.
في هذا الصدد، قال خبير مجلس الشؤون الدولية الروسي، كيريل سيميونوف، لـ”نيزافيسيمايا غازيتا”، إن معايير صفقة محتملة بين روسيا وتركيا تتوافق مع صيغة: قطعة من إدلب مقابل جزء من الأراضي الشمالية الشرقية. وأضاف: “خلال المشاورات الروسية التركية الأخيرة، قيل هذا بكل صراحة: مقابل انسحاب القوات التركية من المناطق الواقعة جنوب الطريق السريع M4 في إدلب، طالبت أنقرة بتسليمها منبج وتل رفعت. من المهم التأكيد على سبب إصرار تركيا على ذلك. فإذا كانت تركيا أخفقت، كما يشير الجانب الروسي، في تنفيذ الاتفاقات بشأنM4، فوفق أنقرة، لم تفِ موسكو بالتزاماتها بشأن منبج وتل رفعت”.
في الختام؛ يحاول الجانبان التركي والروسي قدر الامكان الوصول إلى آلية مشتركة تمثل نقطة التقاء لمصالح الطرفين المذكورة آنفاً، والعمل على فصل ملف إدلب عن ملف شرق الفرات والملف الليبي قدر الإمكان. إلا أن تلك الحلول المتوقعة، لا تعني الوصول إلى هذه الآلية في وقت قصير، وهو ما يفتح احتمال استخدام التصعيد الميداني لممارسة ضغوطات بهدف تسريع الوصول إلى تفاهم كامل وتثبيت اتفاق دائم وشامل لإطلاق النار، يحافظ على مناطق النفوذ الحالية، تمهيداً لترتيبات الحل السياسي النهائي.
المصدر/ الوقت