حماس وفتح تكتبان تاريخا جديدا في تركيا.. هل تفتحان صفحة مشرقة نحو التحرير
لاشك بأن الفلسطينيين بكل أطيافهم يعانون من ضغوط كبيرة في ظل هرولة عدد من الأنظمة العربية نحو التطبيع مع الكيان الاسرائيلي، والأنكى من هذا دعم دول أخرى لهذا التطبيع أو صمتها عما يجري، وربما وبرغم كل هذه الضغوط قد يكون للأمر ايجابيات، منها انهاء الانقسام الفلسطيني وتوحيد الصفوف والوقوف في وجه تجاوزات الاحتلال الاسرائيلي، ويبدو أن الأمور تذهب في هذا الاتجاه بعد أن رأينا وسمعنا عن الاجتماعات التي تعقد في اسطنبول أو محادثات مباشرة منذ عام 2017 بين قيادات فتح وحماس برعاية تركية بهدف إنهاء الخلاف المستمر منذ 15 عاما في السياسة الفلسطينية.
مثَّل حركة فتح في الاجتماعات، وفد برئاسة الأمين العام لفتح جبريل الرجوب، وعضو اللجنة المركزية روحي فتوح، ووفد “حماس” رئيس مكتبها السياسي اسماعيل هنية وعضوية نائبه صالح العاروري وعضو المكتب السياسي رئيس مكتب العلاقات الوطنية باسم بدران، القادمين من بيروت.
جميع الأوساط الفلسطينية قالت إن أجواء الاجتماعات كانت ايجابية وتبشر بالخير، ومن المتوقع أن يصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، مرسوماً رئاسياً يُحدد فيه موعد الانتخابات العامة “الرئاسية والتشريعية” والمجلس الوطني بأقرب وقت ممكن.
ترافق هذه الانتخابات مخاوف كثيرة، لدى حماس وفتح، فبينما تعتقد الأخيرة أن حماس غير جادّة في تسليم الوزارات كلياً، أو الذهاب إلى انتخابات في قطاع غزة، وخاصة أنها تمتلك قوة عسكرية وحكومية كبيرة هناك، ويمكنها أن تتلاعب في الانتخابات، في المقابل هناك مخاوف لدى حماس من أن يجدد محمود عباس شرعيته دون تقديم أي شيء بالمقابل.
وسط هذه المخاوف هناك العدو الاسرائيلي الذي لن يسمح للفلسطينيين بإنجاح المصالحة بأي ثمن ممكن، فهو يعتبر أن انجاح هذا الأمر “يشكل خطرا استراتيجياً” للاسرائيليين ويُسقط من يد اسرائيل ورقة قوة أمام المجتمع الدولي، من بوابة عدم وجود طرف فلسطيني يمثل كلّ الفلسطينيين للتفاوض معه.
لماذا اتجه الفلسطينيون نحو تركيا؟
اتجاه الفلسطينيين نحو تركيا وتخليهم عن مصر له أسباب عديدة، من أبرزها:
أولاً: هرولة عدد من الدول الخليجية نحو التطبيع مع اسرائيل، ومباركة مصر لهذا التطبيع، وهذا يعني أن القاهرة لم تعد تهتم بالقضية الفلسطينية ولم تعد طرفاً موثوقاً بالنسبة للفلسطينيين.
ثانياً: يعلم الفلسطينيون أن نتائج التطبيع الجديدة ستظهر تباعاً وسيرافقها تغير في طريقة التفكير السياسي مفادها أن دول الجوار تسعى لبناء جغرافية سياسية جديدة في المنطقة، وتحتاج في بنائها إلى علاقات مع إسرائيل، بعد أن كان الشرط المسبق للعلاقات الدبلوماسية هو انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية وغزة والاعتراف بدولة فلسطين المستقلة.
ثالثاً: الفلسطينيون لم يعد بإمكانهم الانتظار أكثر من ذلك في ظل الضغوط الاسرائيلية والأمريكية المتزايدة عليهم، لذلك سارع محمود عباس إلى مباركة اتفاق المصالحة الجديد بين فتح وحماس، بعدما أصيب عباس بإحباط متزايد من الدول العربية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل.
بناء على ما تقدم طلب محمود عباس، من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في اتصال هاتفي، الاثنين، دعم التوجه الفلسطيني لتحقيق المصالحة الداخلية والذهاب إلى الانتخابات، وأطلعه على تفاصيل ما جرى في اجتماع أمناء الفصائل الشهر مؤخرا.
هناك ادراك بأن غضب فتح جاء لخشيتها من زيادة عدم اكتراث القاهرة بها، وميلها إلى عدم الانشغال بخلافاتها عموما، فتحاول أن توحي بوجود حلفاء محتملين، أو توصل رسالة لمصر بضرورة التفاهم معها قبل أن تذهب الحركة بعيدا، فالثوابت يمكن أن تتغير، وقد تفرض استدارات سياسية، ومن ثم تحالفات جديدة.
تخلٍّ فلسطين عن رئاسة جامعة الدول العربية
تجلى غضب الفلسطينيين من اتجاه عدد من الدول العربية نحو التطبيع وطعن القضية الفلسطينية في الظهر والمساهمة في تصفيتها، من خلال التخلي عن رئاسة الجامعة العربية التي أصبحت بحكم الميتة منذ بداية ما يسمى “الربيع العربي” فلم تاخذ الجامعة أي موقف ايجابي بحق الدول العربية التي تتعرض لضغوط معينة أو تشهد حروبا او تعاني من أزمات بل على العكس قامت بإقصائها.
بكل الأحوال تزامن عقد لقاء “فتح” و”حماس” مع إعلان فلسطين التخلّي عن رئاسة جامعة الدول العربية في دورتها الحالية 154، وفق ما أعلن وزير الخارجية والمُغتربين الفلسطيني الدكتور رياض المالكي.
ووجّه المالكي رسالة إلى أمين عام جامعة الدول العربية الدكتور أحمد أبو الغيظ، أشار فيها إلى أنّ “هذا القرار جاء بعد اتخاذ الأمانة العامة للجامعة موقفاً داعماً للإمارات والبحرين، اللتين طبّعتا علاقاتهما مع “إسرائيل”، في مُخالفة لمُبادرة السلام العربية”.
وأضاف: “إنّ بعض الدول العربية المُتنفّذة رفضت إدانة الخروج عن “مبادرة السلام العربية”، وبالتالي لن تأخذ الجامعة قراراً في الوقت المنظور، لمصلحة إدانة الخروج عن قراراتها”.
وقال المالكي: “إنّ فلسطين لا يشرّفها رؤية هرولة دول عربية للتطبيع مع الاحتلال، ولن تتحمّل عبء الانهيار وتراجع المواقف العربية والهرولة للتطبيع”، معتبراً أنّ “الجامعة أدارت الظهر لما حدث”.
لكن المالكي أوضح أنّ “فلسطين لن تتنازل عن مقعدها في الجامعة، لأنّ ذلك سيخلق فراغاً يُمكن أنْ يُولّد “سيناريوهات” مُختلفة نحن في غنى عنها في هذه المرحلة الحسّاسة”.
في الختام؛ المصالحة من شأنها أن تنهي الخلاف الفلسطيني وإجراء الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية، وإعادة بناء وتطوير “مُنظّمة التحرير الفلسطينية”، وتنفيذ مُقرّرات اجتماع الأمناء العامّين للفصائل الوطنية الفلسطينية، وما يميز الاجتماع الأخير أنه عُقد دون وسطاء وبالتالي بات واضحاً أن الفلسطينيين وصلوا لقناعة تامة بأن الحل بإنهاء الانقسام واصلاح ذات البين دون اقحام أحد فيما بينهم.
المصدر/ الوقت