كل شيء في مصلحة عودة الحريري.. إنه الحظ السعيد أو التخطيط المسبق
إن انفجار مرفأ بيروت قد اجتاح التطورات السياسية في البلاد كسيل عارم، قد تثقل آثاره کاهل لبنان المنكوب بالأزمات لسنوات.
إن استقالة حكومة حسان دياب التي شکِّلت حديثاً، وبدء جولة جديدة من الخلافات بين التيارات السياسية في هذا البلد على تشكيل الحكومة، وتفاقم المشهد الاقتصادي المستقبلي، وتكثيف التدخلات الخارجية التي لم تتضح آثارها بشكل كامل بعد، يمكن أن يصبح حجر الأساس لهندسة الهيكل السياسي في هذا البلد بشکل جديد.
لقد أظهرت التجربة التاريخية للبنان أن الصفقات الكبرى لهندسة السلطة في هذا البلد بشکل جديد، تمر عبر الأزمات فحسب، مثل اتفاق “الطائف” في التسعينيات الذي تمَّ لتشكيل الحكومة بعد حرب أهلية دامية استمرت 15 عامًا، أو اغتيال “رفيق الحريري” في عام 2006 والذي دفع الجيش السوري إلى مغادرة لبنان.
وهذه القضية من الممكن أن تكون نموذجًا يتبعه من يقفون وراء تفجير مرفأ بيروت، نظرًا للأسئلة العديدة التي لم تتم الإجابة عليها بعد، وتزايد احتمالات کون الانفجار عملاً تخريبياً.
في غضون ذلك، من التطورات المهمة في الأيام الأخيرة والتي يمكن أن تساعد کثيراً في فهم التطورات، هي إعلان ترشيح “سعد الحريري” زعيم حزب المستقبل وتيار 14 آذار لقبول منصب رئيس الوزراء، وذلك بوضع شروط للتيارات السياسية الأخرى في البلد.
وبناءً على هذا التحليل وجمع قطع أحجية التطورات، يمكن الاستنتاج أن الأحداث في لبنان لم تكن مجرد أحداث غير مترابطة، بل هي نتاج سيناريو معقَّد ومهندَس لإيصال التطورات في هذا البلد إلى النقطة الحالية.
في احتجاجات العام الماضي، عندما نزل اللبنانيون إلى الشوارع لتحسين الوضع الاقتصادي ومحاربة الفساد، أعلن سعد الحريري الذي کان يشغل منصب رئيس الوزراء استقالته، وللعودة إلی هذا المنصب وضع على جدول أعماله شرط تشكيل حكومة تكنوقراط، للالتفاف على نتائج انتخابات 2018 النيابية التي کانت لمصلحة تيار المقاومة.
ورغم أن الحريري کان يعتبر نفسه الخيار الوحيد لاستعادة منصب رئيس الوزراء في هذه المرحلة، إلا أن هذه الخطة قد فشلت بفعل قدرة تيار 8 آذار على حشد المجموعات والکتل السياسية الأخرى في البرلمان، لتشكيل حكومة جديدة برئاسة حسان دياب.
وخلال الفترة القصيرة لرئاسة دياب، إضافة إلى عدم مشاركة وتعاون تيار المستقبل وأعمال التخريب والعرقلة الداخلية المختلفة، واجه دياب عقبات خارجية أيضاً، بما في ذلك العقوبات الأمريكية وعدم امتثال دول مجموعة “سيدر” بقيادة فرنسا في الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه لبنان، لكنه ظل مصمماً على المضي قدماً في إصلاح الهيكل الاقتصادي ومحاربة الفساد لتجاوز الأزمة، إلی أن أنهی انفجار مرفأ بيروت رئاسته لمجلس الوزراء.
مع استقالة دياب، أثير مجدداً موضوع انتخاب الحريري في الأوساط السياسية والإعلامية اللبنانية، لكن الحريري رفض قبول المنصب، إلی أن وقع الخيار علی شخص أقل شهرةً أي “مصطفى أديب”، ليجرِّب حظه في تشكيل الحكومة.
في هذه المرحلة أيضاً أعلن التيار المقرب من الحريري أنه لن يشارك في الحكومة، ليؤدي هذا العامل، إلى جانب عدم خبرة أديب في فهم موقعه المهتزّ، والذي أراد تشكيل حكومة بعيدة عن المحاصصة الطائفية، إلى فشله في مهمة تشكيل الحكومة.
لكن الحريري الآن وبعد مرحلتين من التراجع عن الإعلان الرسمي عن ترشحه لمنصب رئيس الوزراء، وبينما کان اسمه ضمن الخيارات الرئيسية للاستشارات النيابية في المرحلتين، عاد إلى حقل المنافسة مجدداً، معلناً شروطاً متعددةً، ليذكِّر نوعاً ما بأنه إذا لم تتم تلبية مطالبه، فسينتفي موضوع تشكيل حكومة مستقرة ودائمة، بل حتى هناك عواقب غير معروفة تنتظر لبنان.
الحريري وصف مبادرة ماكرون بأنها الطريقة الوحيدة والأسرع لوقف الانهيار الاقتصادي وإعادة بناء بيروت، وقال: “إذا كانت الأحزاب السياسية تريد حقاً وقف الانهيار وإعادة إعمار بيروت، فعليها أن تتبع المبادرة الفرنسية”.
من جهة أخرى، أيَّد الحريري الوساطة الأمريكية في ترسيم حدود لبنان البحرية مع الکيان الصهيوني. کما وصف محاولات عزل حاکم مصرف لبنان المركزي “رياض سلامة” بأنها انتقامية وذات دوافع سياسية، مؤکداً أنه يؤيد بقاء سلامة في منصبه.
وأخيرًا، أعرب عن قلقه من احتمال اندلاع حرب أهلية، وحذَّر الأحزاب والتيارات المتنافسة من مستقبل أسوأ بكثير للبنان إذا لم يتم انتخابه.
في الواقع، بعد فترة من الاضطرابات والأزمات المتلاحقة، عاد الحريري ليضع على الطاولة وبمزيد من الثقة بالنفس، نفس الموضوع الذي جعل التيارات السياسية الأخرى في البرلمان غير راغبة في إعادة انتخابه كرئيس للوزراء خلال العام الماضي(أي فتح الباب لمزيد من التدخل الأجنبي وتجاهل التيارات الأخرى في تشكيل الحكومة).
وفي هذه الظروف، يمكن القول إن انفجار مرفأ بيروت، وانهيار حكومة دياب، وعدم قدرة أديب على تشكيل حكومة جديدة، وتصاعد الأزمة الاقتصادية بعد انقطاع الدعم الخارجي والسياسات الغريبة للبنك المركزي اللبناني والعقوبات الأمريكية، والحاجة الماسة لعائدات النفط والغاز من المياه الإقليمية المتنازع عليها مع الصهاينة، کل ذلك عمل بشکل مكمِّل لإعادة انتخاب الحريري رئيساً للوزراء.
المصدر/ الوقت