هل ينجح جعجع ومن خلفه في شعال فتيل الحرب
هناك محاولات قديمة – جديدة لإشعال الحرب الأهلية في لبنان من قبل دول خارجية لا تريد الخير للبنان وللأسف الشديد يساعدها في هذا التحريض أطراف داخل لبنان مقابل تقديم مساعدات مالية لهم ومدهم بالسلاح لاستخدامه عندما تنجح خططهم التي أصبح جميع من في لبنان مدرك لها ولحيثياتها ويعلم تماماً أن الانجرار إلى الفتنة هو دمار للجميع وهو بمثابة إعلان انتحار جماعي، لذلك أغلب اللبنانيين وأحزابهم يحاولون عدم الانجرار إلى هذا الجحيم، إلا أن نجم الحرب الأهلية السيد “سمير جعجع” لا يروق له الوضع الحالي في لبنان ويريد أن يُحدث تغييراً جذرياً حتى لو كان بالدم، ويبدو أن بقاءه في السجن لـ 11 عاماً لم يعلّمه أن الزمن تغيّر وأن إعادة الماضي ليس بالأمر السهل ولن تكون نتائجه مشابهة لما كان، ومع ذلك يخرج عن جعجع كلام لا يقبل به أي لبناني حتى لو كان من حزبه.
جعجع فاجأ اللبنانيين بتصريحاته التي ألقاها على مسامع النائب السابق وليد جنبلاط، خلال وجودهما في منزل النائب نعمة طعمة على مأدبة طعام، ليعرض جعجع على جنبلاط فكرة استقالة نواب حزبيهما من البرلمان، وهو ما رفضه رئيس الحزب الاشتراكي، بعد ذلك، قال جعجع أنه سيمضي في المواجهة ضد حزب الله حتى النهاية، مضيفاً: “لدي 15 ألف مقاتل، ونحن قادرون على مواجهة الحزب الذي بات يعاني من ضعف كبير، نتيجة الأوضاع في لبنان وفي الإقليم”.
نحن لا نريد أن نتحدث عن إمكانيات “حزب الله” لأن العدو قبل الصديق يعلم ما هي قدرات “حزب الله” والعدو الاسرائيلي أكثر من يعلم حول هذه القدرات وماذا فعلت به في حرب تموز، ولذلك فإن الحديث عن “حزب الله” حول هذا الأمر واختبار إمكانياته أمر مضحك، ولكن السؤال لماذا تحدث جعجع عن وجود آلاف المقاتلين لديه، في هذه المرحلة هو يعلم أن لبنان يمر بوقت عصيب، وان الحديث عن مثل هذه الترهات يعكر الأجواء ويدفع الأمور نحو المجهول.
يبدو أن جعجع أراد الاصطياد في الماء العكر مستغلاً جوع الناس ورفضهم للفساد والفاسدين والمفسدين، فيضع اللبنانيين مرة أخرى في وجه بعضهم البعض، ويحقّق بالفتنة ما عجزت عن تحقيقه الحرب القديمة التي تكسّرت، أول ما تكسّرت، على أسوار العاصمة، وفي شوارعها المضاءة بدماء الشهداء.
المشكلة أن جعجع اساء التقدير، وفشل في قراءة الأوضاع الداخلية في لبنان، ونظرة بقية الأحزاب الحليفة لإشعال حرب جديدة، فوليد جنبلاط الذي كان جعجع يعتقد أنه مشتاق لخوض حرب جديدة والاستئثار بالسلطة وإعادة أمجاده، حذر جعجع من خطورة ما يقول، ليرد جعجع بالقول: “نحن اليوم أقوى مما كنا عليه أيام بشير (الجميل)، وحزب الله أضعف مما كان عليه أبو عمار (ياسر عرفات)”، وقدّم جعجع قراءته السياسية، وفيها أنه مدعوم من الولايات المتحدة الامريكية، ومن السعودية والإمارات ودول أخرى، أما حزب الله، برأي رئيس “القوات”، فيعاني ويقدّم التنازلات لأنه أضعف ممّا كان عليه يوماً.
لم يوافق جنبلاط جعجع على قراءته، وخرج من اللقاء مذهولاً من تقديرات “القائد الذي لم يفز بمعركة يوماً”، وأخبر رئيس “الاشتراكي” بعض أصدقائه بما سمعه، معتبراً أنه ربما يكون مؤشراً خطيراً على أمر يُحضَّر للبنان، وسيفاقم أوضاعه سوءاً.
جنبلاط نفسه حذر في مطلع هذا الصيف من الفتنة، وغرد قائلاً: ” لا حصانة لمن يحرض على الفتنة أياً كان”، ويبدو أن جنبلاط رفع الحصانة عن جعجع الذي فوجئ بردة فعل رئيس الاشتراكي، وهذه ليست المرة الأولى التي يستغل فيها جعجع الفوضى التي يعيشها لبنان، فقبل 12 عاماً، وتحديداً في التاسع من أيار 2008، قال جعجع للسفيرة الأمريكية، ميشيل سيسون، “إنه يريد التأكد من أن واشنطن على علم بوجود 7000 إلى 10000 مقاتل مدربين من القوات اللبنانية وجاهزين للتحرك، “يمكننا القتال ضد حزب الله”، أعلن جعجع بكل ثقة مضيفاً، «لكننا بحاجة إلى دعمكم للحصول على أسلحة لهؤلاء المقاتلين. إذا بقي المطار مغلقاً، يمكن تسهيل عمليات الإمداد البرمائية”. ذكرت سيسون تلك المحادثة بينها وبين جعجع في واحدة من برقيات السفارة الأميركية التي كشفها موقف “ويكيليكس” عام 2011 ، وفق جريدة الأخبار اللبنانية.
يجب أن يعلم جعجع أن “حزب الله” قوي أكثر من أي وقت مضى وأن التنازلات التي يقدمها اليوم هي لحماية لبنان من اي فتنة تُحضر له، فالجميع يعلم أن سلاح الحزب موجه للعدو الاسرائيلي ولا يقبل الحزب أن يستخدمه في الداخل اللبناني رغم كل الاستفزازات التي تعرض لها، وما هي محاولة جعجع اليوم إلا واحدة من مئات المحاولات التي تقودها اسرائيل وأمريكا وبعض الدول الخليجية لإغراق الحزب في حرب داخلية، ودفع المجتمع الدولي لشيطنة حزب الله ورفع الغطاء عنه واجباره على تسليم سلاحه، لكي يهنا بال الاسرائيليين وأعوانهم، وعندها سيعلم جميع من في لبنان ما هو الدور الذي يلعبه حزب الله في لبنان وكيف قدم أبنائه لحماية لبنان وارضه وترابه، ومن يحلم في الداخل أو الخارج، في هذا الفريق أو ذاك، أنّه قادر على إعادة لبنان إلى أجواء السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، واهمٌ جداً، وغير مدرك لحساسية أغلب اللبنانيين، ورفضهم لأيّ محاولة لإعادتهم إلى أجواء “الحرب الأهلية”، التي تزيد وجعهم وجعاً، وجوعهم جوعاً، وخسائرهم خسائر، وفساد القيّمين على أمورهم فساداً، وطائفية نظامهم ومذهبيته طائفية ومذهبية.
المصدر / الوقت