19 عاماً من الحرب.. هل تغادر أمريكا أفغانستان
– إن الحرب التي شنتها أمريكا ضد أفغانستان، والتي بدأت في 7 أكتوبر 2001، هي الآن أطول حرب أمريكية منذ عقود. وكان من المفترض أن تنتهي الحرب الأمريكية في أفغانستان في غضون أشهر قليلة، ولكن الآن، وبعد 19 عامًا من غزو أفغانستان، لا تزال الحرب مستمرة في ذلك البلد. إن استمرار ما يقرب من عقدين من الحرب الأمريكية في أفغانستان هو أكبر علامة على هزيمة واشنطن في هذه الحرب، ولقد أظهر استمرار هذه الحرب أن أمريكا لا تستطيع تحقيق أهدافها التي كانت تحلم بتحقيقها. ومن أهم أهداف الولايات المتحدة الفاشلة في أفغانستان الفشل في الإطاحة بحركة “طالبان” وإخراجها من البلاد، وكذلك الفشل في تنظيم الوضع السياسي والاستقرار الاجتماعي في المجتمع الأفغاني.
وربما في الحالة الأكثر تفاؤلاً، يمكن وصف اغتيال “أسامة بن لادن” في عام 2012 في “أبيت أباد” بباكستان، بأنه الإنجاز الدعائي الوحيد للأمريكيين خلال حرب وغزو أفغانستان، التي حدثت متأخرة 11 عامًا. ولكن على الجانب الآخر من الحرب، كان هناك العديد من التكاليف البشرية والمالية التي تحملتها أمريكا على مر السنين الماضية دون تحقيق أي نتيجة في هذا البلد الفقير. ووفقًا للإحصاءات، فلقد قتلت القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي أكثر من 3500 شخص في أفغانستان حتى الآن، لكن الخسائر والتكلفة الرئيسة لهذه الحرب تحملها الشعب الأفغاني حيث قتل منهم أكثر من 100000 شخص. ويقال أيضًا أن أمريكا أنفقت حتى الآن نحو 822 مليار دولار وبريطانيا أكثر من 37 ملياراً على الحرب في أفغانستان، ولكن الآن، وبعد ما يقرب من 20 عاماً من الحرب، تشارك الولايات المتحدة أخيرًا في ما يسمى بمحادثات السلام مع حركة “طالبان”.
وفي هذه المحادثات، تعهدت الولايات المتحدة بسحب قواتها من أفغانستان، ولكن حتى الوفاء بهذا الوعد لا يبدو ممكناً وذلك لأن الولايات المتحدة تنقض العهود دائماً. في الواقع، قد تخفض واشنطن عدد قواتها في أفغانستان، لكن الانسحاب الكامل من أفغانستان، كما كان قبل عام 2001، يكاد يكون مستحيلاً بالنسبة للأمريكيين. وذلك لأن الولايات المتحدة منخرطة حاليًا في سلسلة من الصراعات في أفغانستان لا يمكن حلها بسهولة.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية، أن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” قال، إن “انسحاب قوات الولايات المتحدة السريع من أفغانستان سيترك فراغا للإرهابيين يستغلونه.” وأشار إلى أنه كان يريد في الأصل سحب القوات من هناك، لكنه قرر البقاء و”القتال من أجل الفوز” متحاشيا الأخطاء التي ارتكبت في العراق. وقال، إنه “يريد أن يغير النهج المعتمد على تحديد وقت للبقاء في أفغانستان إلى نهج آخر يعتمد على الظروف على الأرض”. وحذر “ترامب”، باكستان من أن الولايات المتحدة لن تسمح بعد اليوم بأن تقدم باكستان “ملاذا آمنا” للمتشددين، قائلا إنها “ستفقد الكثير” إن لم تقف إلى جانب الأمريكيين. وقال “مازلنا ندفع لباكستان مليارات الدولارات – وهي في الوقت نفسه تؤوي المتشددين أنفسهم الذين نقاتلهم”.ومن جهتها قالت حركة طالبان ردا على تصريحات الرئيس الأمريكي إن أفغانستان ستصبح “مقبرة أخرى” للولايات المتحدة إن لم تسحب قواتها.
الخروج أو البقاء: أحد أهم أهداف الولايات المتحدة وأكثرها تحديًا هو مغادرة أفغانستان وفي نفس الوقت القلق بشأن تسليم البلاد إلى منافسين إقليميين آخرين. فمن ناحية، وعدت الولايات المتحدة بمغادرة أفغانستان، لكن من ناحية أخرى، تدرك جيدًا أنه بعد مغادرة أفغانستان، سوف تصبح البلاد مسرحًا لوجود كبير لخصوم الولايات المتحدة، بما في ذلك الصين وروسيا، وحتى الجهات الفاعلة الإقليمية المعارضة للولايات المتحدة. وهنا تجدر الاشارة إلى أن واشنطن تدرك جيداً أن وجودها الحالي في أفغانستان لا يعني سوا حدوث الكثير من الخسائر المالية والاقتصادية للمواطنين الأمريكيين، لكنها في الوقت نفسه تدرك جيدًا أن أفغانستان سوف تصبح السوق الحصري للصين وروسيا بعد الانسحاب الأمريكي. وفي هذه الحالة، نرى أن البيت الأبيض مرتبك بين الانسحاب والمكوث في أفغانستان، وبينما يتطلع “ترامب” إلى ترك أفغانستان لأنه يرى أن الاستمرار في التواجد الامريكي في هذا البلد سوف يكلف واشنطن الكثير من الأموال، نرى القلق ينتشر بين خبراءه ومستشاريه السياسيين من هذا القرار ويعرفون أن قرار انسحاب “ترامب” من أفغانستان يعني منح البيت الأبيض اليدين للروس والصين. لذا فبدلاً من الانسحاب الكامل من أفغانستان، ربما تبحث واشنطن عن وجود عسكري أصغر في البلاد، لأنها تعتقد أنه ليس لديها خيار آخر.
الوعود المزيفة لـ”طالبان”: في حين أن الانسحاب العسكري الأمريكي الكامل من أفغانستان لا يبدو محتملًا، إلا أن “ترامب” قطع هذا الوعد لطالبان. وقبل كل شيء، يبدو أن وعد “ترامب” لـ”طالبان” كان بمثابة ورقة رابحة في الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، إلا أن الإدارة الأمريكية القادمة، سواء أكان رئيسها “ترامب” أم أي شخص آخر، لن يتمكن من الانسحاب الكامل من أفغانستان نظراً للعواقب الاستراتيجية السلبية التي سوف تصب على عاتق الولايات المتحدة. وعليه، ومع استمرار الوجود الأمريكي في أفغانستان، سيستمر عدم الاستقرار السياسي والأمني في هذا البلد الفقير، الناتج عن حرب واشنطن وتدخلها العسكري في أفغانستان، ولا يمكن للمرء أن يكون متفائلاً بتحسن كامل للوضع في أفغانستان. وبعبارة أخرى، يمكن القول أن محادثات السلام الأفغانية التي عقدها مبعوث “ترامب” في قطر مع مجموعة من حركة “طالبان” ليست أكثر من عرض دعائي لإدارة “ترامب”، وذلك لأن نجاح هذه المحادثات صعب للغاية مثل تحقيق السلام في هذا البلد.
المصدر/ الوقت