مهد اليمقراطية لم تتخلَّ عن روحها الاستعمارية.. فرنسا تطلق إجراء تعسفياً ضد المسلمين
من أجل محو التاريخ الاستعماري الفرنسي من أذهان العالم، يشار إلى هذا البلد في الأدبيات السياسية المعاصرة على أنه مهد الديمقراطية في الغرب، ولكن في مهد الديمقراطية هذا تحدث أشياء إذا نظر المرء إليها، يدرك أن الروح الاستعمارية ليست فقط لم تغادر العقلية الفرنسية، بل أصبح تاريخ هذا البلد الطويل في هذا المجال منارةً لسكان الإليزيه الجدد.
هناك الكثير من الأدلة لإثبات ذلك، لكن ما جعل هذه السمة في فرنسا أكثر وضوحًا هذه الأيام، هو السيناريو الذي تم وضعه ضد المسلمين، وللأسف أدى عمل شخصية متطرفة في هذه الأثناء إلى أن يواصل هذا السيناريو عمله بسرعة وقوة تدميرية أكثر.
من أين بدأت القصة؟
إجراءات الإليزيه ضد المسلمين لها تاريخ طويل، وتماشياً مع هذه الإجراءات قدَّم الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” أواخر الشهر الماضي مشروع قانون ضد المسلمين، يسلط الضوء على تصرفات الجماعات المتطرفة.
ثم كشف ماكرون، في خطاب لفت انتباه وسائل الإعلام، عن مشروع قانون قدمته الحكومة الفرنسية، لمواجهة ما أسماه “الانفصالية الدينية”.
وفي هذا الصدد، ذكر رئيس فرنسا أنه ينوي تحرير الإسلام في بلاده من النفوذ الأجنبي، بإلغاء نظام تعليم وتدريب أئمة المساجد وخطباء الدين في الخارج.
مشروع القانون هذا، الذي من المقرر تقديمه إلى مجلس الوزراء نهاية العام الجاري، وسيرفع إلى البرلمان الفرنسي مطلع العام المقبل، سيفرض قيودًا على تعليم وأنشطة الدوائر والمنظمات الإسلامية.
وبناءً عليه، من المخطط أيضًا تعزيز الإشراف على تدريب وتعليم أئمة الجماعة والخطباء المسلمين، فضلاً عن الرقابة على تمويل المؤسسات الدينية.
وبينما كانت فرنسا في خضم النظر في مشروع القانون هذا، بدأت محاكمة منفذي الهجوم على مكتب مجلة “شارلي إبدو” في فرنسا التي أهانت الرسول الأعظم(صلی الله عليه وآله وسلم). يُذكر أنه قبل خمس سنوات هاجم عدد من المسلحين مكتب مجلة شارلي إبدو وقتلوا موظفيها.
تشتهر شارلي إبدو بنشرها للصور والرسوم الكاريكاتورية المسيئة، وفي هذا الصدد، نشرت قبل خمس سنوات رسوماً كاريكاتوريةً عن النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، واجهت إدانةً دوليةً واسعة النطاق.
ومؤخراً، أثار مدرس فرنسي غضب المسلمين من خلال عرض صور مهينة لمجلة شارلي إيبدو في الفصل، لدرجة أن شاباً مسلماً قتل مدرس التاريخ هذا بسلاح بارد.
وأتاح قتل هذا المعلم فرصةً لفرنسا لتلبس رداء المظلومية وتقدم علی هجوم واسع النطاق على المسلمين، وكرر ماكرون بانتهازيته الخاصة ودعمه لتصرفات هذه الضحية، ضرورة تنفيذ مشروع قانونه المثير للجدل، والذي قوبل بانتقادات دولية.
ما سبب عدم التعامل مع إهانة المسلمين في فرنسا؟
كما ذكرنا، إن إهانة المسلمين ومقدساتهم لها تاريخ طويل في فرنسا، ولكن لماذا لا يتخذ المشرعون الفرنسيون إجراءات لإنهاء مثل هذه الأعمال، على الرغم من الانتقادات الدولية واسعة النطاق ووقوع حوادث مثل الهجوم علی شارلي إيبدو؟
الجواب على هذا السؤال هو أن فرنسا، ومن أجل تضييق المجال علی المسلمين وتقييدهم قدر الإمكان، تركت عمداً مجلات مثل شارلي إيبدو لتهين المسلمين ومقدسات دينهم بين حين وآخر، وتتسبَّب في تحريك المسلمين واستفزازهم، ثم تدخل فجأةً شخصيات متطرفة مشتبه بها علی الخط، ما يتيح الفرصة لشن هجوم واسع النطاق ضد المسلمين، من خلال التذرُّع .بإجراءات مثل مهاجمة مكتب مجلة شارلي إيبدو أو قتل المعلم الفرنسي.
النقطة التي يجب الانتباه إليها هي، أنه هل من السهل في فرنسا إهانة الأديان الأخرى والتشكيك في مقدساتهم وحالات مشبوهة مثل الهولوكوست، کما هي الحال بالنسبة إلی إهانة مقدسات المسلمين؟
العرب المطبِّعون يرکبون الموجة
لكن تصريحات ماكرون في دعم هذا المعلم المقتول، وتلك التي أطلقها ضد المسلمين، قد أثارت احتجاجات واسعة النطاق من قبل الدول الإسلامية، وفي مثل هذه الأجواء، نجد حكام الدول الخليجية الذين تعرضوا لانتقادات واسعة لتطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني والتسوية مع هذا الکيان، انتهزوا الفرصة وانتقدوا ماكرون، عبر الرکوب علی هذه الموجة التي حدثت.
النقطة التي يجب ملاحظتها هنا، هي أن الحكام المطبِّعين ليس فقط ليس لديهم مشكلة مع السياسات المعادية للإسلام لدول مثل فرنسا، بل يدعمون هذه السياسات أيضًا، لضمان وإدامة حكوماتهم المعادية لشعوبهم.
المصدر/ الوقت