التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 29, 2024

تحوّل استراتيجي لـ”حزب الإصلاح” نحو صنعاء.. الخلفيات والنتائج 

في الأشهر الأخيرة، أصبحت مدينة مأرب الاستراتيجية مركزاً للصراع اليمني، باعتبارها آخر معقل للقوات التابعة لحكومة المستقيل “منصور هادي” القابعة في فنادق الرياض. ولقد حقق أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية خلال الفترة الماضية الكثير من الانتصارات ووجهوا ضربات قاتلة وموجعة لتحالف العدوان السعودي وقوات “منصور هادي”، وذلك بسبب عدم التزام هذه الاخيرة باتفاقات وقف إطلاق النار واستمرارها بتنفيذ ضربات جوية وحصار اقتصادي غير إنساني على أبناء الشعب اليمني، وتمكن أبطال الجيش واللجان الشعبية من التقدم باتجاه مدينة مأرب منذ مطلع العام الجاري وذلك من أجل تحرير هذه المدينة الاستراتيجية، وفي الأشهر الأخيرة تمكن أبطال الجيش واللجان الشعبية من السيطرة على منطقة “نهم” البوابة الشرقية لمحافظة صنعاء، وكذلك على مدينة “الحزم” مركز محافظة الجوف، وأحرزوا تقدماً ملحوظاً باتجاه مدينة مأرب.

وعلى صعيد متصل، كشفت العديد من المصادر الإخبارية أن توقف تقدُّم أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية في محيط مدينة مأرب خلال الأيام الماضية، وتراجع حدّة المواجهات بين أبطال الجيش اللجان الشعبية من جهة، والقوات الموالية للرئيس المنتهية ولايته، “عبد ربه منصور هادي”، من جهة أخرى، في جبهات جنوب غرب المدينة وشرقها وشمالها، باستثناء مناوشات يومية تشهدها جبهة جبل “مراد” غرباً، تزامنت مع التهدئة غير المعلنة في محيط مدينة مأرب مع دخول صفقة تبادل الأسرى بين الطرفين حيّز التنفيذ أواخر الأسبوع الفائت. والظاهر أن قيادة صنعاء، التي كانت رفضت عدداً من الوساطات الإقليمية والدولية لوقف التقدّم في محيط المدينة الشهر الماضي، ولكنها أبدت، أخيراً، مرونة تجاه تلك المساعي، مع تمسّكها في الوقت نفسه بمبادرة زعيم حركة “أنصار الله”، المكوّنة من تسع نقاط لإحلال السلام في مأرب، وتجنيب المدينة تبعات الخيار العسكري.

وفي السياق نفسه، أكدت مصادر سياسية في العاصمة صنعاء، وجود تفاوض بين حركة “أنصار الله” وميليشيات “حزب الإصلاح” (الإخوان المسلمين) المسيطر على مدينة مأرب، ملمّحةً إلى استمرار الدور القطري في هذا المجال، في ظل توقعات بأن تعيد الدوحة فتح سفارتها في صنعاء بعد طهران. ويبدو أن قطر، التي سبق لها أن لعبت دوراً في وقف التصعيد في مأرب خلال النصف الأول من العام الجاري، عادت كوسيط بين “أنصار الله” وحزب الإصلاح، الذي تعمل على إقناعه بالقبول بمبادرة الحركة، والاحتفاظ ببعض المكاسب التي لن يستطيع الحزب المحافظة عليها في حال حُسمت المعركة عسكرياً، وأوضحت المصادر أن التفاوض لم يصل بعد إلى مرحلة الاتفاق، وأن كل ما توصّل إليه الطرفان لا يتجاوز حدود وقف المواجهات في محيط المدينة، وعدم تقدم أي طرف من مواقعه السابقة حتى تنتهي المفاوضات، مُشككة في جنوح ميليشيات الإصلاح إلى السلم، في ظل قيامها بإعادة ترتيب صفوفها خلال الأيام الماضية في جبل مراد غرب مأرب، والدفع بتعزيزات عسكرية إلى جبهة المزاريق في محافظة الجوف، والتي تمتدّ إلى جبهة النضود شمالي مأرب.

المكانة الاستراتيجية لمحافظة مأرب

إن محافظة مأرب هي إحدى محافظات الجمهورية اليمنية، تقع إلى الشمال الشرقي من العاصمة صنعاء، وتبعد عنها بحدود (173) كيلو متراً، ويشكل سكان المحافظة ما نسبته (1.2%) من إجمالي سكان الجمهورية، وعدد مديرياتها (14) مديرية، ومدينة مأرب هي مركز المحافظة، وتتصل هذه المحافظة بمحافظة الجوف من الشمال، وبمحافظتي شبوة والبيضاء من الجنوب، وبمحافظتي حضرموت وشبوة من الشرق، وبمحافظة صنعاء من الغرب، وتبلغ مساحة المحافظة نحو (17405)كم2، تتوزع في (14) مديرية وتعتبر مديرية مأرب أكبر مديرية في المحافظة مساحة.

وتأتي أهمية مأرب الاستراتيجية، في شهر أيلول من عام 2015، حيث سيطرت قوى موالية للرئيس المستقيل “منصور هادي” على هذه المحافظة اليمنية النفطية، وساهم تحالف العدوان السعودي في السيطرة على هذه المحافظة، لكن ذلك الأمر ظل تحديا، إذ حاولت جماعات بميول سياسية إبطاء أي تحرك نحو صنعاء، بتحريك جيوب في جبهات على حدود المحافظة في “صرواح” و”الجفينة”. ومحافظة مأرب تعد بوابة استراتيجية مهمة على تخوم العاصمة صنعاء، وذات أهمية اقتصادية كبيرة لليمن، لذلك سعى أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية في بداية العدوان إلى وضع اليد عليها، لاحتوائها على أهم منشآت استخراج النفط وتحويله في البلاد.

وتحتل محافظة مأرب أهمية استراتيجية بالغة ومتعددة الأنساق؛ سياسيّاً وعسكريّاً واقتصاديّاً، في إطار الحرب الدائرة ضد تحالف العدوان السعودي في اليمن منذ عام 2015م. وتمثل المحافظة نسق الدفاع الأول عن محافظتي شبوة وحضرموت الساحليتين الخاضعتين للحكومة الفنادق، واللتين يوجد فيهما منابع النفط والغاز، وموانئ تصديرهما، وطرق المواصلات البرية الدولية مع السعودية وعمان. كما تضم مقر مركز القيادة والسيطرة للمنطقة العسكرية الثالثة، التي تشمل مأرب وشبوة، مع تمركز مؤقت لقيادة المنطقة العسكرية السابعة، نظراً لوقوع مدينة ذمار، تحت سيطرة ابطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية.

ويوضح خبراء عسكريون، أن الأهمية الجيوستراتيجية لمأرب تتمثل في كونها من كبرى المحافظات اليمنية من الناحية الجغرافية، والتي تحد محافظات الجوف وصنعاء والبيضاء وشبوة وحضرموت، وأن المتحكم بها يستطيع التحرك باتجاه أكثر من محور، باتجاه هذه المحافظات وأن يؤمنها. وحول الأبعاد الاستراتيجية للعملية التي تقوم بها قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية في “نهم” وبالقرب من محافظة مأرب، أكدت العديد من المصادر أن العمليات الاخيرة التي نفذها أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية جاءت لإبعاد الخطر عن صنعاء تماما وفقدان تحالف العدوان السعودي أهم الجبهات التي كان يهدد بها، ولم يستطع الدخول منها رغم امتلاكه مواقع مهمة وبعد أن خسر تلك المناطق أصبح من المستحيل عليه العودة إليها من جديد باعتبارها وعرة جدا ومحصنة وكذلك اليقظة والجاهزية القتالية التكتيكية والاستراتيجية لأبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية وغيرها من الأمور، هذا إلى جانب تحطيم معنويات قوات تحالف العدوان السعودي وانهيار المرتزقة وبدأت الاتهامات فيما بين أطراف التحالف لبعضهم البعض.

مأرب والصدع المتزايد على جبهة عدن

في الوقت الذي تعتبر فيه مدينة مأرب القاعدة الرئيسة لقوى الإصلاحيين “الإخوان المسلمين” في تطورات اليمن، فقد أثبت تفوق أبطال الجيش واللجان الشعبية في المعارك على “الإخوان المسلمين”، أن هناك شقاقاً كبيراً بين هذه القوى وبين حكومة “منصور هادي” والسعودية. إن ميل “الإخوان المسلمين” للتفاوض مع حكومة صنعاء قد تأثر أولاً بوقف إطلاق النار في مأرب ثم لاحقاً بإمكانية التعاون مع “أنصار الله” في التطورات المستقبلية في اليمن.

إن الخلافات بين جماعة الإخوان المسلمين “حزب الاصلاح” والجنوبيين الموالين للإمارات في حكومة “منصور هادي” أمر طبيعي، ولهذا فقد رأى قادة حزب الإصلاح في الرياض أن الاتفاق على تقسيم المناصب الوزارية مع المجلس الانتقالي الجنوبي خطوة نحو تقليص نفوذه ودوره في حكومة عدن، خاصة وأن “منصور هادي” عقب عودته من رحلة إلى أمريكا في سبتمبر الماضي، أعلن أنه يسعى لتغيير هيكل مجلس الوزراء.

ويُعد عدم وجود انتقاد صريح للسعودية في اتفاق الرياض بشأن احتلال الإمارات لجزيرة سقطرى، التي كانت قاعدة مهمة أخرى للإخوان المسلمين في اليمن، سبباً آخر لقلق حزب الإصلاح من تهميشه نتيجة لخطط السعودية المستقبلية في اليمن. وفي هذا الصدد، أفادت بعض المصادر بأن النظرة السعودية المتشائمة من الإخوان المسلمين، اشتدت خلال الإطاحة باللواء “فهد بن تركي بن ​​عبد العزيز آل سعود”، قائد قوات تحالف العدوان في اليمن. ووفق هذه المصادر فإن سبب تنحية “فهد بن تركي”، كانت محاولته السيطرة على المناطق الجنوبية من المملكة وإعلان انفصاله عن طريق التخطيط مع الإخوان المسلمين في اليمن.

وقالت المصادر إن معلومات وصلت للأمير “محمد بن سلمان” عن وجود خطة سرية للغاية لإعلان فصل نجران وعسير وجيزان وتحويلها إلى دولة مستقلة تحت حكم “فهد بن تركي” بالتعاون مع قيادات الإخوان المسلمين في اليمن. وأفادت المصادر بدور اللواء اليمني “علي محسن الأحمر” ووزير الدفاع “محمد المقدشي” في حكومة “منصور هادي” وقادة الإخوان الآخرين في تنفيذ هذه الخطة. وأكدت المصادر أن الأمير “فهد بن تركي” موجود حاليا في السجن وأن أعضاء آخرين في الجهاز التنفيذي بينهم قيادات في جماعة الإخوان المسلمين اليمنية مطلوبون حالياً.

إن اتساع الخلافات بين حزب الإصلاح “الإخوان المسلمين” والسعودية والرئيس المستقيل “منصور هادي” وميل هذا الحزب إلى الحفاظ على موقعه السياسي في مجال التطورات في اليمن من خلال حل الخلافات مع حكومة صنعاء، إضافة إلى إلغاء كامل لشرعية حكومة “منصور هادي”، سيخرج الاوضاع العسكرية من تحت سيطرة السعودية أكثر من ذي قبل.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق