التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, ديسمبر 27, 2024

الاستثمار السعودي للبادية العراقية.. مشروع اقتصادي أم مؤامرة خبيثة 

في وقت سابق من عام 2018، تم تشكيل مجلس تنسيقي بين العراق والسعودية بعد زيارة وفد عراقي كبير من ضمنهم وزير التجارة العراقي إلى السعودية، وخلال هذه الزيارة وكذلك خلال الاجتماعات التالية للمجلس التنسيقي، تم توقيع عدة اتفاقيات بين اللجان العراقية والسعودية أهمها استثمار السعودية لأراضٍ عراقية بمساحات شاسعة تمتد من الشريط الحدودي بين البلدين إلى بادية كربلاء والمثنى والنجف الأشرف.

وأثار ملف استثمار السعودية لمساحات شاسعة من الأراضي العراقية ردود فعل واسعة على المستوي السياسي والاجتماعي، حيث حذّر عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية مختار الموسوي، الأربعاء السابق، من الاستثمارات السعودي في بادية السماوة، وقال الموسوي: إن “المؤامرات السعودية منذ ١٥ عاماً ضد العراق تكشف النوايا لمصلحة الكيان الإسرائيلي”. وأضاف: إن “السعودية لا تريد الخير للعراق”، مشيراً إلى أن استثمار بادية السماوة هو استثمار إسرائيلي بعباءة سعودية.

من جهته دعا ائتلاف “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي، الجهات الرسمية إلى إيقاف مشروع منح السعودية أراضٍ للاستثمار في بادية العراق (كربلاء، النجف، المثنى)، وأوضح الائتلاف في بيان، السبت، أن هذا الأمر فيه “تداعيات خطيرة” على أمن وسيادة البلاد، فضلاً عن أنه يساهم في الإضرار بمخزون العراق الاستراتيجي من المياه الجوفية.

وأضاف: إن “هذا القرار يثير الكثير من الشكوك والتساؤلات عن أهداف إصداره في هذا الوقت، ولا سيما أن هذا المشروع طرح أكثر من مرة في زمن الحكومات السابقة، وُرفض لاعتبارات استراتيجية مائية وأمنية، ولأنه يحمل في طياته الكثير من التجاوز على حقوق العراقيين، ويفتح الباب أمام استعمار جديد تحت عنوان الاستثمار”.

وشدد ائتلاف المالكي على ضرورة “إيقاف رخصة المشروع الذي يمنح السعودية ١٥٠ ألف دونم في بادية العراق”، داعياً العشائر العراقية الأصيلة وكل القوى الوطنية إلى “رفض المشروع وإيقافه”.

وعلى الوتيرة ذاتها، رفض زعيم حركة “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي ما وصفه بمحاولات “النظام السعودي” في الاستيلاء على المساحات الكبيرة من أراضي محافظات الأنبار والنجف والمثنى والبصرة، بدعوى الاستثمار، معتبراً أن هذا “المشروع يتزامن مع التطبيع مع إسرائيل”.

كما اعتبر الخزعلي في بيان له، الجمعة، أن المشروع فيه تهديدات أمنية “خطيرة للغاية” من قبل نظام له سوابق عديدة في الإضرار بأمن العراق واستقراره، داعياً كل النخب الأكاديمية وشيوخ العشائر والطلبة والقوى السياسية إلى رفض هذا المشروع، الذي وصفه بأنه “خبيث”.

من جهته اتهم مسؤول في وزارة الخارجية السعودية، الاثنين، من وصفهم “عملاء إيران في العراق” برفض الاستثمارات السعودية من أجل استمرار مصالح إيران، وقال المستشار في وزارة الخارجية السعودية سالم اليامي لموقع “الحرة”: إن “السعودية والعراق وقّعتا، في الزيارات الأخيرة المتبادلة بين الطرفين، 13 اتفاقية، من بينها اتفاقيات تتعلق بالبنى التحتية للكهرباء والطاقة”.

وعلق اليامي على بياني الخزعلي والمالكي بقوله: “عملاء إيران في العراق هم من يرفضون الاستثمارات السعودية من أجل استمرار مصالح إيران، هناك أطراف لا تريد للعلاقات العربية العراقية أن تتطور، وأن تنحصر علاقات بغداد مع طهران فقط”.

ملاحظات حول استثمار السعودية لبادية العراق

أصدرت كتلة النهج الوطني، الجمعة، بياناً من 6 نقاط قالت فيه إنها ملاحظات حول اتفاقية الاستثمار بين العراق والسعودية، وقال رئيس الكتلة عمار طعمة في مضمون البيان: إن “اتفاقية الاستثمار بين العراق والسعودية، تمنح للطرف الأخير امتيازات عديدة من شأنها الإضرار بمصالح البلاد، ومن هذه النقاط:

إن المادة الثالثة من الاتفاقية تمنح مستثمري طرف التعاقد في هذه الاتفاقية معاملة لا تقل أفضلية عن الممنوحة لمستثمري دولة أخرى ليست طرفاً في هذه الاتفاقية، وهذا غير صحيح فلعل حاجة العراق لمستثمر من دولة أخرى في مشاريع أهم أو نقل تكنولوجيا متطورة وتأهيل كوادر وإحداث تطوير صناعي متقدم مثلًا تتحقق من مستثمري دولة أخرى لا يحققها مستثمرو السعودية فكيف تتساوى التسهيلات مع تباين النفع العائد للعراق من تلك الاستثمارات؟

كذلك تمنح للطرف المتعاقد مع العراق في هذه الاتفاقية نفس المعاملة مع ما يمنحه لمستثمريه الوطنيين ولمستثمري دولة أخرى باللجوء للقضاء والمفروض أن تحدد التزامات طرفي هذه الاتفاقية بينهما بوضوح دون إحالتها على مضامين اتفاقيات أخرى قد يعقدها العراق مع دول أخرى.

كم تعتبر المادة 6 الفقرة السادسة الاحتكام في حل النزاعات لإجراءات حل النزاع المذكورة في معاهدات استثمارية دولية أخرى وان لم يكن العراق منضماً لها سارية على نزاعات هذه الاتفاقية، في حين تمنح المادة 24 من الاتفاقية امتيازاً اضافياً غير مبرر فتجعل سريان هذه الاتفاقية بأثر رجعي على الاستثمارات السابقة على دخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ.”

التبعات المستقبلية لهذا المشروع على العراق

يرى أياد الإمارة، الصحفي العراقي، أن الحكومة العراقية لم تلتفت للتداعیات الأمنیة والسیادیة والاضرار المؤکدة لهذا المشروع علی مخزون العراق المائي الاستراتیجي ودون أي توجه الی غناء صحراء النجف بالمعادن المهمة التي ستستثمرها السعودیة لمصالحها وأیضاً دون الالتفات الی الجانب الامني الذي عانى منه الشعب العراقي خلال الاعوام الماضیة بسبب الارهاب الداعشي الممول بالدولار السعودي والذي لم يخدم سوى المصالح الامريکیة الصهیونیة.

ورأی أن الوعد السعودي بإنشاء ملعب رياضي سعودي في العراق منذ آذار عام (٢٠١٨) وعد خال من المصداقیة وللآن لم يتحرك السعوديون خطوة واحدة في هذا الاتجاه، ولن يتحركوا. واستغرب أنهم الآن يتحدثون عن استثمارات تصل مساحتها الى مليون دونم.

وقال إن هذه الدونمات تريدها السعودية لتكون معالف لحيوانات شركة المراعي تستنزف ثروة عراقية وطنية مهمة هي المياه الجوفية في تلك المنطقة. ولا ندري لربما تتحول هذه الدونمات إلى أوكار إرهابية تأوي مجاميع من القتلة ليفتكوا بالعراقيين مرة أخرى.

وأضاف الإمارة: إن السعودية لا تتحرك باستعمارها المزعوم برغبات ذاتية وإنما تنفذ أجندات صهيوأمريكية بأموالها وأرواح السعوديين ومجاميع المرتزقة الشذاذ بتخطيط صهيوأمريكي عدواني.

من جانبه قال المحلل السياسي عباس العرداوي: إن “الاستثمارات السعودية قائمة منذ زمن في العراق بمجال الألبان والانتاج الصناعي وغيرها من القطاعات”، وأضاف: إن “النقطة الأساسية في هذا الجانب هي أن كل الاستثمارات السعودية لم تكن ناضجة وجميعها حولها مؤشرات حتى أن أغلب التجارة القادمة من السعودية لا تكون فيها تحويلات مالية وهو ما يسمى بتبييض الأموال”.

وتابع العرداوي: “بهذا فإن الاستثمارات السعودية الجديدة هي قائمة على مسك أرض في محافظات عراقية وان ما يجري بالضبط أن هذه الاستثمارات تقع في أماكن جداً مهمة وحساسة ما بين داعش والإرهاب والوجود الأمريكي وما بين قواتنا الأمنية وهو ما يهدد أمن العراق وسلامته وعند التدقيق بهذه العقود من الناحية الجيوستراتيجية نجد بأنها محاولة لتمدد الإقليم السني المطروح أي إنها بنى تحتية لمشروع تقسيم العراق”.

الاقليم السني والاستثمار السعودي

منذ فترة ليست بالقليلة تسعى العديد من القوى السنية الى إنشاء الاقليم السني في المناطق الغربية التي احتلت من قبل عصابات داعش التكفيرية والتي تحررت على سواعد أبناء الحشد الشعبي، هذا المشروع الذي لاقى دعماً دوليّاً وخليجياً بات أكثر مطالبة من قبل الكتل التي تلقت الأموال والدعم الكافي من اجل المضي به والغاية منه هو تحقيق صفقة القرن التي تطمح لها كل من أمريكا والكيان الصهيوني والتي لاقت رفضاً شعبياً واسعاً وكبيراً حيث خرج أبناء الوطن في احتجاجات تنديداً بهذا المشروع الخبيث.

وينتقد المحلل السياسي العراقي جمعة العطواني ما سماه “تصديق” الوعود والنوايا السعودية، ويوجه لومه إلى الحكومة والإعلام العراقيين بشأن التعاطي مع المبادرات السعودية، معتبراً أن مثل هذه المبادرات لا تكون إلا ضجة إعلامية، معتبراً أن أي عمل للسعودية في العراق حتى الآن هو مضر أو غير نافع.

ويقول العطواني: إن “السعودية لديها مشاكل أمنية وسياسية ومجتمعية واقتصادية في الداخل، وهي غير قادرة على الاستثمار في العراق ولا تقديم أي مساعدة، وبالأساس نحن لا نرغب في مساعداتها”. واعتبر العطواني أن “السعودية تُنفذ رغبة أمريكية، وتُحاول كسب الشارع العراقي بعد سنوات من إرسالها الإرهابيين، لكن حتى محاولات الكسب هذه غير صحيحة، ولا يوجد ملعب، ولا يوجد أي استثمار سعودي في العراق”

آمال الفلاح العراقي على المحك

اعتبر العديد من المراقبين أن ما يجري من اتفاق سعودي عراقي للاستثمار الزراعي في مدن العراق الصحراوية ما هو إلا مشروع لقتل طموح الفلاح العراقي. ويعاني الفلاح العراقي على مدى الحكومات المتعاقبة من إهمال واضح والاعتماد الكلي على الاستيراد الخارجي الذي غزى السوق العراقية كما أنه لم يحظَ بالأهمية المطلوبة من هذه الحكومات من أجل دفع عجلة القطاع الزراعي للنهوض وتغطية السوق المحلية بجميع المتطلبات.

واعتبر عضو لجنة الخدمات النيابية عباس العطافي، أن الاهتمام بالفلاح العراقي أفضل من الاستثمار السعودي في البادية، وقال العطافي: إن “مجيء السعودية لصحراء السماوة مستغرب كون السعودية تملك أراضٍ صحراوية كبيرة فلماذا لا تستثمر في أراضيها”، وأضاف إن “الاهتمام بالفلاح العراقي أفضل من الاستثمار السعودي في البادية”.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق