تهنئة نتنياهو” لـ”بايدن”؛ ابتسامة على الشفاه ونار الحقد تشتعل في الصدر
إن قوة العلاقات الأمريكية الصهيونية تنبع من حقيقة أن إسرائيل هي في الواقع تحضى بدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذان يسيطران على السياسة الأمريكية، لذا فأي حكومة تدخل إلى البيت الأبيض لن تؤثر على طبيعة العلاقة بين واشنطن وتل أبيب. لكن في السنوات الأخيرة، تغيرت قواعد العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ووصلت إلى مستوى العلاقات الشخصية وخلال هذه السنوات، لم يكن للسياسية الصهيونية في ظل فترة رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” تُلاقي ترحيباً داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي. وحول هذا السياق، يعتقد الديمقراطيون في الولايات المتحدة أن مشاركة “نتنياهو” في الانتخابات الأمريكية ستزيد من الانقسامات في البلاد. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد دعم في السابق المرشح الجمهوري “ميت رومني” ضد الديمقراطي “باراك أوباما” في الانتخابات الأمريكية التي عقدت عام 2012؛ لأنه كان يعارض سياسات إدارة “أوباما” بشأن برنامج إيران النووي وبعد ذلك دعم رئيس الوزراء الاسرائيلي الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بصورة علنية في انتخابات 2016، وتجاهل الديموقراطيين طوال فترة ولايته، وعمل على تعزيز علاقته مع “ترامب”.
وهنا يتساءل العديد من الناس حول طبيعة علاقة الإدارة الأمريكية المقبلة بالحكومة الإسرائيلية في عهد “نتنياهو” في حال فوز المرشح الديموقراطي “جو بايدن” في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية. في البداية، يمن تحديد ثلاث نقاط سوف تساعدنا على تشكيل رؤية أكثر واقعية في إطار تحليل طبيعة علاقة “بايدن” بحكومة “نتنياهو”، وهي كالتالي:
أولاً، خلال الفترة الماضية بدأ يتشكل تيار يساري داخل الحزب الديموقراطي أكثر إنتقاداً للحكومة الإسرائيلية، خاصة تجاه قضايا تتعلق بالسياسات الإسرائيلية الاستيطانية في الأراضي المحتلة عام 1968، وخصوصاً في ظل الإستيطان الإسرائيلي الحالي في عدد من الاراضي التابعة لأبناء الشعب الفلسطيني. إذ يعتبر أصحاب هذا التيار ضمّ أراضي الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية نهاية لخطة حل الدولتين الذي تدعمه الولايات المتحدة، بالإضافة إلى دعمهم غير المباشر لحملة مقاطعة إسرائيل من خلال اعتبارها نوعاً من أنواع التعبير عن حرية الرأي وغير المسموح مصادرته من خلال قوانين وتشريعات حكومية، الأمر الذي عبّر عنه البرنامج الإنتخابي للحزب.
ثانياً، شغل “بايدن” طوال ثمانية سنوات فترة ولاية الرئيس “باراك أوباما”، منصب نائب الرئيس ولقد تميّزت تلك الفترة بالخط المعتدل مع إيران، بالإضافة إلى تراجع التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط على حساب الاهتمام بالشرق الأقصى وبحر الصين.
ثالثاً، من الواضح أن “نتنياهو” بات بالنسبة للديموقراطيين ورقة محروقة، لا يمكن الثقة به، مما سيؤثر سلباً على العلاقات في المرحلة المقبلة، لكن الأمر قد يختلف في حال تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل. ولهذا فإن “جون بايدن” سيعمل كأي رئيس أمريكي سابق على الحفاظ على أمن إسرائيل الكامل، وضمان تفوقها العسكري النوعي، وسيعمل على تدفق المساعدات الأمريكية لها دون شروط، ولكن من المتوقع أن ينتهج خطاً مختلفاً عن سياسة “ترامب” بالنسبة لإسرائيل في بعض القضايا التي تمُيّز نظرة الحزب الديموقراطي التاريخية لكيان الاحتلال تحت قاعدة الأخ الكبير الذي يعلم مصلحة أخيه الأصغر.
وعلى صعيد متصل أكدت وسائل إعلام إسرائيلية، أن رئيس حكومة الاحتلال، “بنيامين نتنياهو”، أصبح في وضع حساس جداً بعد خسارة “ترامب”، في الانتخابات الأميركية لصالح منافسه الديمقراطي “جو بايدن”. وقالت المحللة السياسية الإسرائيلية، “دانا فايس”، “الآن نتنياهو في وضع حساس جداً، ونذكر أن ترامب لا يزال لديه شهرين ونصف في البيت الأبيض وقد تكون هذه الفترة مهمة جداً لنتنياهو في حال ذهب إلى انتخابات، لذلك لا يريد نتنياهو إغضاب ترامب”، منوهه إلى أن “بايدن يعرف نتنياهو والأخير يعرفه أيضاً، لكن بايدن شاهد أيضاً كيف أنه على طول الطريق نتنياهو اختار ترامب وعمل لكي ينتخب”. كما توالت منذ الأمس المواقف الرسمية والاعلامية داخل اسرائيل، والتي عكست تخوفات إسرائيلية من أن تختلف سياسة “بايدن” تجاة إسرائيل عن تلك التي انتهجها سابقه، وأجمعت المواقف الإسرائيلية بمجملها على أن خسارة “ترامب” منصبه كرئيس للولايات المتحدة، يعد خسارة شخصية لـ”نتنياهو” لما يجمع بين الرجلين من صداقة قوية.
وفي سياق متصل، دعا آلاف المتظاهرين الإسرائيليين في القدس المحتلة، مساء يوم أمس السبت، إلى رحيل رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”، عقب الإعلان عن خسارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” للانتخابات الأمريكية، مقابل فوز المرشح الديمقراطي “جو بايدن”. وذكرت صحيفة “جيروزليم بوست”، أن آلاف المتظاهرين ضد “نتنياهو” احتفلوا بفوز “بايدن”، ورفعوا لافتات كُتب عليها: “الآن دورك للرحيل”، في إشارة إلى نتنياهو.
“صفقة القرن” المشؤومة والقضية الفلسطينية
إن “صفقة القرن” المشؤومة الذي قدّمها الرئيس الامريكي “دونالد ترامب” قبل عدة سنوات، رغم أنها نتاج الفكر المؤسساتي الأمريكي، إلا أنها أثبتت أكثر من كونها خطة أمريكية، لأنها ارتبطت مباشرة باسم “ترامب” وصهرة ورئيس الوزراء الاسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، لشمولها قضية الضمّ، وقفزها عن حل الدولتين، الأمران اللذان يحظيان بمعارضة داخل صفوف الحزب الديموقراطي الأمريكي، لذا من المتوقع ألا يكون بايدن متحمساً في تطبيق “صفقة القرن”، ومن الممكن أن يقوم بتجاهلها إلى حد كبير.
وهنا يعتقد العديد من الخبراء أنه بالتأكيد لن يُعيد “بايدن” السفارة الأمريكية من القدس إلى “تل أبيب”، ولن يقوم بالعودة عن أي إجراء تم تنفيذه في عهد “ترامب” في إطار “صفقة القرن”، لكن من المتوقع جداً أن يوقف “بايدن” على المستوى الفلسطيني، معظم الضغوطات التي مارسها “ترامب” على الفلسطينيين للقبول “بصفقة القرن”، مثل إعادة الدعم المالي الأمريكي للسلطة الفلسطينية، وفتح مكتب مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن مجدداً، وإعادة الدعم المالي لوكالة مساعدة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، أو على الأقل تحت شروط ومعايير مقبولة بالنسبة للسلطة الفلسطينية.
أما على صعيد التطبيع العربي الذي تم مؤخراً مع إسرائيل، فمن المتوقع أن يحافظ “بايدن” على عملية التطبيع العربي الإسرائيلي كورقة سياسية عند الحاجة، لكنه أيضاً سيمارس الضغوطات نفسها التي مارسها “ترامب” على الدول العربية للإعلان عن التطبيع العلني مع إسرائيل، كون اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل لم تمثل سوى عملية تمويه لإدارة “ترامب” جاءت في توقيت انتخابي حساس بعد فشل أربع سنوات في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية في عهد تلك الإدارة.
الملف النووي الإيراني
لقد أوضحت تصريحات “جون بايدن” الاخيرة موقفه من قضية الملف النووي الإيراني، والتي ستُعتبر نقطة الخلاف المركزية مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، حيث أبدى “بايدن” استنكاره لانسحاب إدارة “ترامب” من الإتفاق النووي الإيراني، بالإضافة إلى إعلان نيته إدارة المفاوضات مع إيران على أسس اتفاق جديد يُراعي التغيرات المستجدة التي حدثت من لحظة التوقيع على الإتفاق الذي أُلغي قبل عدة سنوات. ولقد أبدى “بايدن” أيضا استعداده تطبيق الإتفاق في حال موافقة إيران للعودة له، ناهيك عن إعطاء إشارات عن نيّته إلغاء سياسة الضغط المتزايد من خلال العقوبات الخانقة التي مارسها “ترامب” على إيران والذي أطلق عليها بايدن سياسة “الفشل الكبير”.
نتنياهو ومستقبله السياسي
إن الخاسر الأكبر من فوز “جون بايدن” في الانتخابات الرئاسية الامريكية الحالية هو رئيس الوزراء الاسرائيلي “نتنياهو” وليس إسرائيل، وذلك لأن “نتنياهو” السياسي الذي استغلّ علاقاته القوية مع “ترامب” كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية للحصول على هدايا سياسية من الطراز الثقيل، في توقيتات انتخابية في غاية الحساسية بالنسبة لمستقبله السياسي، في ظلّ قضايا الفساد الموجهة ضده. هذه الهدايا تبدأ من نقل السفارة الامريكية إلى القدس، وتمر بالاعتراف بهضبة الجولان السورية أرضاً تحت السيادة” الإسرائيلية، إضافة إلى تأجيل الإعلان عن مضمون “صفقة القرن” المشؤومة عدة مرات خلال الفترات الإنتخابية التي كان من الممكن أن تؤثر سلباً على حظوظ “نتنياهو” الإنتخابية، وأخيراً اغتيال الشهيد “قاسم سليماني” في العراق قبل الإنتخابات الإسرائيلية الأخيرة. أضف إلى ذلك احتمالية أن يردّ “بايدن” الصفعة لـ”نتنياهو” بسبب تدخله في الانتخابات الأمريكية لصالح الجمهوريين قبل عدة سنوات، وأن يقوم بدعم أحد منافسي “نتنياهو” السياسيين بطريقة غير مباشرة، من خلال حرمان “نتنياهو” من ورقة العلاقات الدافئة مع البيت الأبيض، التي تؤثر سلباً على ثقة الجمهور الإسرائيلي في استمرار توليه منصب رئيس الوزراء في الحكومة الإسرائيلية.
المصدر/ الوقت