توسيع النفوذ الإماراتي في القرن الإفريقي… الأهداف والآليات
على مر السنين، وخاصةً في العقد الماضي، وسعت دولة الإمارات بشكل كبير من وجودها وتأثيرها في منطقة القرن الإفريقي، حيث أصبحت الآن لاعباً رئيساً في هذه المنطقة.
وكانت أبو ظبي قد أعلنت الأسبوع الماضي عن افتتاح قنصلية في مدينة “العيون” بمنطقة الصحراء الغربية التي تتنازع السيطرة عليها جبهة تحرير البوليساريو والمملكة المغربية.
الإمارات، التي تبدو في ظل حاكمه الفعلي “محمد بن زياد” طموحةً في رؤيتها لتصبح قوةً إقليميةً وتعزِّز مكانتها الدولية، ترى أن الممر الرئيس لمثل هذا الانتقال هو إفريقيا.
في غضون ذلك، طوَّرت أبو ظبي عدداً من الطرق والأساليب لزيادة مشاركتها في المنافسات الجيوسياسية لإفريقيا، بما في ذلك التحالفات السياسية والمساعدات الاقتصادية والاستثمارات والاتفاقيات العسكرية والعقود التجارية.
ومع ذلك، على الرغم من أن رؤية الإمارات وهدفها الاستراتيجي هما أن تصبح قوةً إقليميةً، إلا أن مجموعةً من الحسابات تشكل السياسة الخارجية لدولة الإمارات في القرن الإفريقي.
أهمية الموانئ والتجارة البحرية في جعل الإمارات مركزاً اقتصادياً إقليمياً
تتمتع المدن الساحلية في الخليج الفارسي بتاريخ طويل من الارتباط مع إفريقيا، وکانت مرکز التجارة البحرية، ويعود تاريخها إلى الفترة التي سبقت تشكيل دولة الإمارات كدولة وطنية.
أنموذج التنمية الاقتصادية لدولة الإمارات، الذي يقوم على جذب الاستثمار الأجنبي، وبيع النفط، والتحوُّل إلی مركز للتجارة والتمويل علی المستوی الإقليمي، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطوير الموانئ والوصول إلى المياه المفتوحة. وهو أنموذج يجب فيه ضمان حرية الملاحة البحرية عبر المعبرين الاستراتيجيين، أي “باب المندب” و”مضيق هرمز”.
هذا في حين أن هذين المضيقين الاستراتيجيين والطريقين الحيويين لدولة الإمارات وحتى للاقتصاد العالمي، يسهل إغلاقهما أمام ناقلات النفط وسفن الشحن الأخرى. ولذلك، من الأولويات الاستراتيجية لدولة الإمارات أن تكون لها حكومات صديقة وحتى حليفة، على طول ممر البحر الأحمر.
ومن هنا، فليس من المستغرب أن يكون أحد العقود الأولى لشرکة الامارات التجارية العملاقة DP World(شركة موانئ دبي العالمية) في الخارج في “جيبوتي”، حيث بدأت في عام 2006 في تطوير ميناء “دوراليه”.
كما كانت أبو ظبي ترصد أمن قناة السويس، وخاصةً عندما أصبحت القرصنة في البحر الأحمر والبوابة الجنوبية لقناة السويس في منتصف عام 2010 تهديداً لشحنات النفط الإماراتية وحاويات البضائع. وفي الصومال، درَّبت الإمارات قوة شرطة بحرية في منطقة “بونتلاند” شبه المستقلة، وأطلقت عمليةً لمكافحة الإرهاب ضد متمردي حركة الشباب الإسلامية.
ولكن منذ عام 2011 وبدء تطورات “الربيع العربي” في شمال إفريقيا والبحر الأحمر، أصبحت أبو ظبي أكثر حساسيةً تجاه التطورات في المنطقة.
لقد تضمنت التطورات في اليمن مجموعةً من التهديدات والفرص للمصالح الاقتصادية للإمارات. فمن ناحية، كانت أبوظبي قلقةً للغاية بشأن سيطرة حرکة أنصار الله على مضيق باب المندب الاستراتيجي، ولذلك بعد تشكيل التحالف العسكري مع الرياض، أعطوا الأولوية لاستعادة السواحل الغربية والجنوبية لليمن.
ومن ناحية أخرى، أولت الإمارات اهتماماً دائماً بجزر وموانئ جنوب اليمن حول البحر الأحمر، والتي من المحتمل أن تكون منافسةً مهمةً لموانئ الإمارات. وکان تقدُّم الأهداف في اليمن يتطلب في البداية الانتباه إلى القرن الإفريقي.
ووفق تقرير للأمم المتحدة صدر عام 2018، فإن “السعودية والإمارات تسعيان إلى دفع الأموال لإريتريا للمساعدة في مواجهة الحملة المناهضة لأنصار الله في اليمن، للسماح للتحالف السعودي باستخدام المياه الإقليمية والمجال الجوي والبري في العمليات العسكرية ضد أنصار الله.
وفي هذا السياق، قام المسؤولون الإريتريون بتأجير ميناء “العصب” للإمارات لمدة 30 عاماً، تقوم الإمارات بموجبه ببناء قاعدة بحرية ومطار فيه.
ويمكن أيضاً تتبُّع دور التجارة البحرية في تحالفات الإمارات مع الدول الإفريقية الأخرى. کما تعمل دولة الإمارات في إفريقيا من خلال ذراعها المهمة، أي شركة موانئ دبي العالمية.
تقوم هذه الشركة حالياً بتوسيع عملياتها في السنغال لبناء وتشغيل ميناء “دوفیوشر” في مدينة “داكار”، وكذلك في موزمبيق والصومال ورواندا والجزائر. وفي العام الماضي أيضاً، وقعت الإمارات صفقات بقيمة مليار دولار مع جمهورية مالي لإنشاء مرافق الدعم والخدمات اللوجستية، ومع جمهورية الكونغو الديمقراطية لتطوير وإدارة ميناء “المياه العميقة”.
ومع مرور أكثر من 25 في المئة من صادرات الصين إلى الدول العربية عبر الإمارات، تدرس أبوظبي مشروع “حزام واحد طريق واحد” الصيني لتوسيع تجارتها البحرية مع إفريقيا، وفق صحيفة الأخبار.
وينعكس هذا التعاون بوضوح في الاتفاقية المبرمة بين “شركة موانئ دبي العالمية” و”مدينة السلع الصينية” في وقت سابق من هذا العام. وهذه الشراكة هي جزء من مشروع “سوق التجار” بقيمة 150 مليون دولار في المنطقة الحرة في “جبل علي” بدولة الإمارات، لإجراء تجارة سنوية مع الشرق الأوسط وأفريقيا.
المصالح السياسية والأمنية لدولة الإمارات في إفريقيا.. من الربيع العربي إلى اتفاقية التطبيع
إلى جانب المصالح الاقتصادية، للإمارات مصالح أمنية في التطورات في إفريقيا، وهي جزء مهم من أسباب تزايد دور الإمارات في شمال إفريقيا.
حتى إن التطورات الداخلية في الدول العربية في شمال إفريقيا، بعد الانتفاضات الشعبية عام 2011 والتنافس الجيوسياسي بين القوى الإقليمية والدولية في هذا المجال، دقت ناقوس الخطر بالنسبة للإمارات. وهي أحداث أجبرت أبو ظبي على أن تكون أكثر بروزاً في التطورات في دول مثل ليبيا ومصر.
وقد أدت الثورتان المصرية والليبية إلى انتشار واسع للإسلاميين، وخاصةً جماعة الإخوان المسلمين، في إدارة حكم هذه الدول، فيما تعتبر أبو ظبي الإخوان المسلمين تهديدًا وعدوًا رئيسيًا لها، خاصةً وأن الصراعات في جميع أنحاء العالم العربي تبدو مترابطةً بشكل متزايد، بحيث أن التطورات في منطقة واحدة تؤثر على مناطق أخرى أيضًا.
وبسبب شعورها بالتهديد من صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة، شكلت الإمارات سياسةً خارجيةً أكثر تدخلاً، ودعمت، مثل السعودية وقطر، حلفائها في ليبيا ومصر وأماكن أخرى.
وبعد الإطاحة بحكومة القذافي في ليبيا، فإن الصراع على السلطة بين حكومة الوفاق الوطني بقيادة الإخوان المدعومين من تركيا وقطر من جهة، وبرلمان طبرق في شرق ليبيا بقيادة الجنرال حفتر المدعوم من السعودية والإمارات ومصر من جهة أخرى، قد طغی على التطورات في هذا البلد. وفي هذه الأثناء، تدعم تركيا والإمارات حلفائهما في هذه الحرب، بشکل أكثر وضوحًا من الآخرين.
أزمة الخليج الفارسي في عام 2017، والتي قطعت العلاقات بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر مع قطر، دفعت قادة جانبي النزاع إلى زيادة التنافس على توسيع تحالفاتهم الإقليمية، وخاصةً في القرن الأفريقي. ففي عام 2018، مع افتتاح ست سفارات أخرى، زادت دولة الإمارات عدد سفاراتها في هذه القارة إلى أكثر من 12 سفارة.
كما انتقل التنافس بين الإمارات والسعودية من جهة، وقطر من جهة أخرى، إلى الصومال، الأمر الذي فاقم الاحتكاك بين قادة مقديشو والصومال. وفي عام 2018، لعبت الإمارات أيضًا دورًا مهمًا في اتفاقية السلام بين إريتريا وإثيوبيا، لإنهاء الحرب التي استمرت 20 عامًا.
وكانت زيارة ولي عهد أبو ظبي غير المتوقعة إلى أديس أبابا في يونيو 2016، والمساعدات المالية بقيمة 3 مليارات دولار لهذا البلد، محاولةً من الإمارات لإدخال إثيوبيا في صفوف حلفائها وإبعادها عن تركيا وقطر، لأن إثيوبيا قد وقعت العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية مع هذين البلدين.
ولكن بالإضافة إلى المصالح الأمنية، سعت الإمارات لإشراك المزيد من الدول العربية في اتفاقية التطبيع، لتحلّ محل السعودية في إحدی أهم القضايا في العالم العربي، وتخرج من العزلة بعد معارضة شديدة من الفلسطينيين وجزء كبير من المجتمعات الإسلامية.
وفي هذا الصدد، بالإضافة إلى دور الإمارات في مواءمة الحكومة العسكرية السودانية مع تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، أفادت وسائل الإعلام أن أبو ظبي قد تستخدم ورقة الصحراء الغربية للضغط على الرباط لقبول اقتراح التسوية.
يشار إلی أن الصحراء الغربية هي منطقة في شمال غرب إفريقيا وجنوب المغرب غنية بالأسماك والفوسفات، وتتعرض للهجوم المغربي منذ نهاية الاستعمار الإسباني في عام 1974. وتعمل جبهة البوليساريو على تحقيق استقلال هذه المنطقة.
نفوذ الإمارات الاقتصادي للتسلل إلى أفريقيا
بالنظر إلى المصالح الأمنية والاقتصادية التي عززت مكانة إفريقيا في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، تحاول أبوظبي تعزيز نفوذها ووجودها في هذه المنطقة، ولا سيما من خلال القوة الناعمة والاقتصاد. وفي الواقع، تقوم الإمارات بتوسيع أذرعها في إفريقيا تحت غطاء الشراكات الاقتصادية.
وكان القطاع المصرفي إحدى الطرق لزيادة نفوذ الإمارات، وخاصةً من خلال بنك دبي الإسلامي الذي وسَّع عملياته في كينيا وعدة دول أخرى في العامين الماضيين.
وبحسب جريدة الأخبار، تتوقع الإمارات زيادة استثماراتها في إفريقيا بحلول عام 2020، في ظل زيادة الإقراض لدول هذه القارة، ونمو مشاريع البنية التحتية وخاصةً في قطاعات الطاقة والطاقة الجديدة والصحة والتعليم والزراعة والسكك الحديدية والطرق والتجارة والدعم والمجالات اللوجستية، لأن بنك التنمية الإفريقي يقدِّر أن البنية التحتية لأفريقيا وحدها تحتاج إلى استثمار 130 إلى 170 مليار دولار.
بدأت أبو ظبي، على سبيل المثال، الاستثمار في قطاع النفط النيجيري، بهدف استخدام نيجيريا كمركز لمبيعات البنزين إلى دول غرب إفريقيا الأخرى. وبالإضافة إلى ذلك، استثمرت الإمارات حوالي 3.3 مليار دولار في 52 مشروعاً في “موزمبيق”، في مجالات الزراعة والتعليم والنفط وما إلی ذلك.
كما قامت أبوظبي بتمويل مشاريع الطاقة المتجددة في “جمهورية سيشل”، وأطلقت شرکة “Emirates Global Aluminium”(شركة الإمارات العالمية للألمنيوم) تصدير خام البوكسيت من مشروع التعدين في غينيا.
بينما تسعى دولة الإمارات لتصبح أحد أكبر خمسة شركاء اقتصاديين للاتحاد الإفريقي، فإن شبكة أبو ظبي للقوة والنفوذ آخذة في النمو في القارة السوداء يوماً بعد يوم.
المصدر / الوقت