“اتفاق الرياض” يختنق بحبال فشله… أحلام السعودية في اليمن في طريقها للتبخر
ذكرت العديد من التقارير الاخبارية أن الرئيس اليمني المستقيل “عبدربه منصور هادي” اتفق قبل عدة أيام مع قيادة السعودية، على موعد تشكيل الحكومة المنبثقة عن اتفاق الرياض وآلية تسريعه وموعد الإعلان عنها. ونقلت تلك التقارير عن مصدر يمني قوله: إن “اتفاقا بين منصور هادي وسلطات الرياض يقضي بالانتهاء من توزيع الحقائب الوزارية في الحكومة القادمة، والمكونات السياسية بما فيها حصة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا”. وأضاف: إن “هذه الاتفاق ينص على أن موعد الإعلان عن التشكيلة الحكومية، سيكون بعد تنفيذ الشق الأمني والعسكري من قبل المجلس الانتقالي المدعوم من أبوظبي”، ووفقاً للمصدر، فقد تم الانتهاء من توزيع الحقائب بين القوى السياسية وتحديدا نصيب كل مكون، بينها المجلس الانتقالي الذي حصل على أربع حقائب في الحكومة المنتظرة.
وأشار المصدر اليمني، إلى أن التشكيلة الحكومية باتت جاهزة، وسيتم الإعلان عنها وإقرارها من قبل الرئيس اليمني، بعد إخلاء المجلس الانتقالي مدينة عدن، جنوبا، من المعسكرات التي تنتشر فيها قواته. ودخل “اتفاق الرياض”، عامه الثاني، دون أن يتم تنفيذ أي من بنوده الموقع عليها بين حكومة “منصور هادي”، وما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات، في 5 تشرين الثاني 2019. وكانت السعودية أعلنت أواخر تموز الماضي، آلية لتسريع تنفيذ ذلك الاتفاق الذي كُتب عليه الموت قبل أن يرى الحياة، تنص على تشكيل حكومة في جنوب اليمن، وتخلي المجلس الانتقالي الجنوبي عن الإدارة الذاتية بالمحافظات الجنوبية. كما تضمنت تلك الآلية استمرار وقف إطلاق النار بين القوات التابعة لحكومة “منصور هادي” والقوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وخروج القوات العسكرية من عدن إلى خارج المحافظة، وفصل قوات الطرفين في محافظة “أبين” الجنوبية وإعادتها إلى مواقعها السابقة.
وهنا يرى العديد من الخبراء السياسيين أن موافقة “منصور هادي” على تشكيل حكومة في جنوب اليمن جاءت بعد ضغوط مارستها السعودية عليه وعلى حكومته القابعة في فنادق الرياض. وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر المطلعة، قبل أسبوعين عن ضغوطات سعودية على الرئيس اليمني المستقيل “عبدربه منصور هادي” للإعلان عن أعضاء حكومته الجديدة في العاصمة الاقتصادية عدن، قبل حلول الذكرى الأولى لتوقيعه في الخامس من نوفمبر 2019 الماضي على اتفاق الرياض مع المجلس الانتقالي الجنوبي في العاصمة السعودية الرياض. ولفتت تلك المصادر المطلة إلى أن “هادي” عقد قبل أسبوعين اجتماعا استثنائيا مع هيئة مستشاريه، بحضور القائد الاخواني “علي محسن الأحمر”.
اتفاق الرياض
إن اتفاق الرياض الذي تم التوقيع عليه قبل عام بين حكومة “منصور هادي” والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، هو اتفاق مصالحة جرى بوساطة سعودية ومشاركة عدد من الدول التي شاركت في تحالف العدوان على اليمن، بين الحكومة اليمنية والمجلس الجنوبي، وجرى التوقيع عليه في العاصمة السعودية الرياض في 5 نوفمبر 2019، برعاية ملك السعودية، وحضور ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” ، والرئيس اليمني المستقيل “منصور هادي” وولي عهد أبو ظبي “محمد بن زايد”، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي “عيدروس الزبيدي”. ولقد مثّل حكومة “منصور هادي” في التوقيع على هذا الاتفاق “سالم الخنبشي”، فيما مثّل المجلس الانتقالي الدكتور “ناصر الخبجي”. ويستند الاتفاق على عدد من المبادئ أبرزها الالتزام بحقوق المواطنة الكاملة ونبذ التمييز المذهبي والمناطقي، ووقف الحملات الإعلامية المسيئة.
كما أكد اتفاق الرياض على عدد من البنود، من أبرزها: تفعيل دور كل سلطات ومؤسسات الدولة اليمنية، وإعادة تنظيم القوات العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع، وإعادة تنظيم القوات الأمنية تحت قيادة وزارة الداخلية، كما شدد على الالتزام بحقوق المواطنة الكاملة لكل أبناء الشعب اليمني ونبذ التمييز المناطقي والمذهبي ونبذ الفرقة والانقسام، وإيقاف الحملات الإعلامية المسيئة بكل أنواعها بين الأطراف، وتوحيد الجهود تحت قيادة واحدة لاستعادة الأمن والاستقرار في جنوب اليمن، ومواجهة التنظيمات الإرهابية، كما نص على تشكيل لجنة تحت إشراف تحالف العدوان بقيادة السعودية تختص بمتابعة وتنفيذ وتحقيق أحكام الاتفاق وملحقاته، كما تضمن الاتفاق مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في وفد حكومة “منصور هادي” لمشاورات الحل السياسي النهائي مع حكومة صنعاء لإنهاء الازمة في اليمن.
عام من الفشل
كشفت العديد من التقارير الاخبارية، أن السعودية فشلت مرة أخرى في اليمن بعد مرور عام كامل على الاتفاق الذي رعته بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، دون تحقيق أي تقدم فيه، ما يزيد من دوامة الصراع داخل البلاد. ولفتت تلك التقارير إلى أن ذلك الاتفاق أُبرِم في 5 نوفمبر 2019، بضغط كبير من السعودية، نظراً إلى أن الطرفين المشاركين في المفاوضات لم يجتمعا حول الطاولة نفسها خلال جولات المفاوضات، وقد أماط ذلك اللثام عن فقدان الثقة الكبير بينهما، وعدم استعدادهما للتوصّل إلى اتفاق بسبب الأجندات المتناقضة.
وبينما كان يمثل الاتفاق بارقة أمل للقوى السياسية القابعة تحت مظلة تحالف العدوان لتوحيدها خلف الرئيس اليمني المستقيل “عبد ربه منصور هادي”، وجد اولئك المرتزقة المخدوعون أنفسهم بعد عامٍ وهم إلى تراجع سياسي واقتصادي، ما ينذر بأزمات جديدة قد تعصف بالبلاد. فانعدام الثقة بين طرفي الصراع في جنوبي اليمن ما زال مستمرا، وسط اتهامات متكررة بعرقلة تنفيذ اتفاق الرياض. ولكن ومع مرور العام فإن شيئاً من ذلك الاتفاق لم يتحقق سوى بعض جزئيات لا تعد نجاحاً، فقد كلف الرئيس المسقيل “منصور هادي”، في الـ28 من يوليو 2020، الدكتور “معين عبد الملك” بتشكيل حكومة التوافق الجديدة خلال 30 يوماً، إلا أن ذلك لم يتحقق حتى الآن.
الجدير بالذكر أنه كان يُفترض ألا يمر اليوم الخامس من عام 2020 إلا وقد اكتمل تنفيذ “اتفاق الرياض” بجميع بنوده الموقع عليها، وفي مقدمتها تشكيل حكومة مناصفة بين حكومة “منصور هادي” والمجلس الانتقالي الجنوبي، وتعيين محافظين جدد للمدن الجنوبية، وإعادة تشكيل قوات الجيش والأمن، غير أن ذلك لم يتحقق. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، ففي 25 أبريل الماضي، أعلن المجلس الانتقالي حكماً ذاتياً من خلال فرض سيطرته على المحافظات الجنوبية، وسط صمت من السعودية راعية “اتفاق الرياض”. وفي 19 يونيو 2020، بسطت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي سيطرتها على محافظة أرخبيل سقطرى، رغم انتشار القوات السعودية في الجزيرة.
وحول هذا السياق، يرى “نجيب السماوي” الباحث السياسي اليمني، أن فشل اتفاق الرياض كان واضحاً منذ توقيعه في الـ 5 نوفمبر الفائت، وأنه مجرد اتفاق لن يغادر الأوراق التي كتبت بنوده وملحقاته عليها، ولن يتم تنفيذه والالتزام به. واتهم “السماوي”، السعودية بالسير بطريقة غريبة، على الرغم من أنها راعية الاتفاق، وعدم تعاملها بحزم لإنفاذ الاتفاق، وكأنها موافقة على تمادي الانتقالي المسنود بدعم إماراتي صريح. كما يتهم “السماوي” حكومة “منصور هادي” بالتساهل وتسليم عدن وسقطرى إلى الانتقالي والإمارات، دون أن يكون لها موقف جاد ضد كل تحركات الانتقالي. مضيفاً: “التكتيك الإماراتي نجح في تحويل الانقلاب في عدن إلى سلطة شرعية واستمرار سلطتهم دون أي تدخل حكومي أو سعودي”.
أما الكاتب والصحفي “محمد اللطيفي” فقد قال: إن “الاستغراب ليس لماذا فشل اتفاق الرياض، بل ماذا لو كان نجح؟”، موضحاً أنه “صُنع ليفشل”. وأضاف “اللطيفي”: إن “أسباب الفشل تعود إلى اللغة الغامضة التي صيغ بها نص الاتفاق السعودي، والتناقض بين بنوده العسكرية والسياسية، وفي عدم التجانس بين الأطراف الموقعة عليه، فضلاً عن التعارض بين الأهداف المعلنة والأهداف غير المعلنة للدول الراعية للاتفاق ولا سيما الرياض وأبوظبي”.
وفي الختام يمكن القول إن السعودية حاولت من خلال اتفاق الرياض تأكد نفوذها في اليمن، بيد أنها تواجه فشلاً جديداً يثبت واقع افتقارها إلى القدرة على متابعة الاتفاقات، فقد مر عام عليه ولم تستطع تنفيذه حتى الآن. ولقد شهد العام الحالي سلسلة من الانتكاسات العسكرية والسياسية لتحالف العدوان السعودي، وبدا أن أحلامها التي كانت تريد أن تحققها خلال السنوات الماضية في اليمن في طريقها للتبخر دفعة واحدة، وسط تزايد السخط الشعبي بسبب إطالة أمد الحرب وعدم ظهور نتائج قد تدفع لإنهائها.
المصدر/ الوقت