التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

وثائق إماراتية مسرّبة: ابن سلمان متهوّر والمُضعِف للسياسة السعودية الخارجية 

وكالات ـ الرأي ـ
نشرت صحيفة “الأخبار” وثائق إماراتية مسرّبة، بينها واحدة تتضمّن تقييمًا سرّيًا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بعد مرور عاميْن على تسلمه ولاية العهد (2017 – 2019).

بحسب الصحيفة، فإن الوثيقة – التي تبدأ بعبارة سرّي للغاية ثمّ بتاريخ الصدور 9 آب/ أغسطس 2019- تشتمل على “تقرير بشأن حصاد عاميْن من عهد محمد بن سلمان في السعودية، شاركت في إعداده وحدة في وزارة الخارجية تحمل اسم “وحدة الدراسات الخليجية”.

الوثيقة بالأصل مُوجّهة من مدير مكتب وزير الخارجية الإماراتي محمد محمود آل خاجة إلى مكتب وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، إلا أنه في الرسالة التي تُقدّم التقرير يَرِد أن وزير الخارجية عبد الله بن زايد وَجّه بإحالة الموضوع على قرقاش، وبأن يرسل الأخير التقرير إلى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.

التقرير يجمع بين التحليل ورصد الأخبار العامة منها الخاصة، فيما تشي الأخبار الخاصة بحجم الترصّد الكبير والمعمّق للقيادة السعودية الحليفة والتحوّلات لديها، وقدرة الأجهزة الإماراتية على جمع معلومات من داخل المملكة عن ابن سلمان والدائرة المحيطة به والسياسات غير المعلنة، عبر جملة طرق بينها تسخير مصادر سعودية.

ويُظهر التقرير أن الدبلوماسية الإماراتية وأجهزة الإمارات عمومًا تعمل بما يرقى إلى مستوى التجسّس على ابن سلمان، وتبدو أحيانًا منزعجة من أدائه المتهوّر والمُضعِف للسياسة السعودية الخارجية.

ومن أسرار العلاقة مع العدو الإسرائيلي واللوبي الإنجيلي في أميركا والرئيس دونالد ترامب وتأثير مقتل جمال خاشقجي، إلى الموقف من “الإخوان” وحال الأمير الوليد بن طلال، يتوسّع التقرير في رصد وقائع واستنتاجات، أهمّها ملامح عقيدة ابن سلمان السياسية، وأزمة شرعية الحكم، تقدير الهزيمة في اليمن واستحالة احتلال صنعاء، انتكاسة في مقاطعة قطر، انقسام واستقطاب في المجتمع السعودي وأجنحة العائلة المالكة، 8 تغيّرات داخلية و6 في السياسية الخارجية الآخذة بالضعف، لا تَحول جميعها دون الإقرار بقوة نسبية لوضع ابن سلمان داخليًا.

المتغيرات على مستوى السياسة الداخلية للمملكة

وفي أبرز التغييرات على مستوى مؤسسة الحكم السعودية والسياسات الداخلية، لحظ التقرير في التغيّر الأول انفرادًا لدى ابن سلمان بالسلطة بتفويض من أبيه الملك سلمان ظهر ذلك جليًا عبر تحييد المنافسين أمثال محمد بن نايف ومتعب بن عبد الله وخالد بن سلطان ومحمد بن فهد والوليد بن طلال، مقابل العمل على استراتيجية تعيين مزيد من شباب الأسرة المالكة في المناصب الكبرى وإمارات المناطق.

أما التغيّر الثاني، فتمثّل وفق التقرير ببدء التمهيد لتحول النظام السعودي إلى نظام ملكي تقليدي (من الأب إلى الابن). في حين تنقسم مواقف أبناء الأسرة المالكة بين معارض لهذا النظام وهم قلة من الأمراء، وبين مؤيد وهم عدد من الأمراء الشباب الذين يرون في ولي العهد منقذًا، وبين صامت، وهم أكثر أفراد الأسرة وكثير منهم يؤثرون السلامة.

التغيّر الثالث تمثّل في تطبيق القبضة الأمنية تجاه المعترضين على التوجهات الجديدة، وفي هذا السياق قال التقرير إن الجديد في المملكة منذ عامين هو وضوح الحزم في تطبيق التوجهات والقرارات المثيرة للجدل، دون الرجوع إلى المؤسسة الدينية، ودون إخضاعها لخيارات الشعب؛ ومثال ذلك السماح بقيادة المرأة للسيارة، وتحجيم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفرض الاختلاط في كثير من الوظائف الحكومية والقطاع الخاص، وإسناد وظائف قيادية إلى النساء، وتكثيف فعاليات الترفيه بمختلف أشكالها.

التغيّر الرابع: الحملة على ما يُسمّى “الفساد المالي” بأثر رجعي واسترجاع مليارات من كبار الأمراء والتجار، والتي تحظى بدعم غير محدود من غالبية النخب، وتُعد من الإنجازات المهمة لولي العهد.

التغيّر الخامس: بث الحيوية في عمل الدوائر الحكومية وتشديد الرقابة والمحاسبة، وهي من مظاهر التطور الإداري الإيجابية، حسب ما ورد في التقرير.

التغيّر السادس: تحديث وتطوير البيئة القانونية وتسريع الإجراءات العدلية، باستثناء ملف حقوق الإنسان (حرية التعبير والإعلام)، الذي تم التعامل معه من قبل ولي العهد على أنه ملف أمني لا حقوقي.

التغيّر السابع: بدء الحرب العلنية على جماعات الإسلام السياسي، إذ إن ابن سلمان استمر طوال عامين في تطبيق سياسة جديدة جدية أكثر حدة في مواجهة تيارات الإسلام السياسي داخل وخارج السعودية، عبر إصدار المملكة في آذار/مارس 2014 قرارًا باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وتنقيح المناهج المدرسية والجامعية من أدبيات الإخوان المسلمين، وإبعاد كل من يتعاطف معهم أو مع فكرهم ورموزهم من أي منصب إشرافي في المؤسسات التعليمية أو من التدريس، وبروز دور أكبر لمراكز مكافحة الإرهاب الجديدة (ومنها المركز الدولي لاستهداف تمويل الإرهاب، والمركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف “اعتدال”)، واعتقال أبرز القيادات الإخوانية المعروفة، وترحيل القيادات غير السعودية منهم، وحجب المواقع الإخوانية أو القريبة منها.

التغيّر الثامن: تغيير الخطاب الديني ليكون مواليًا بشكل مطلق للدولة الجديدة، وذلك بإحداث تغيير في الخطاب الموجه في المساجد، من خلال قيام الوزير الجديد للشؤون الإسلامية عبد اللطيف آل الشيخ بفصل عدد كبير من الأئمة والخطباء والمؤذنين، وتحويل عدد من الدعاة إلى وظائف إدارية.

المتغيرات على صعيد السياسة الخارجية للمملكة

رأى التقرير أنه مع تسلم ابن سلمان ولاية العهد، أصبحت السياسة الخارجية السعودية أكثر حيوية واندفاعًا وتهورًا في الآن نفسه، وبرزت ملامح تغيير عديدة، أولها التقارب مع البيت الأبيض وتحسن العلاقات السعودية – الأميركية بعد عقد من التوتر الكامن، وثانيًا العدوان على اليمن وتنامي الخسائر السياسية والعسكرية جراء استمرار الحرب، وثالثًا استمرار مقاطعة قطر وتحمّل المزيد من الآثار السياسية والإعلامية، ورابعًا تفعيل وتنامي التعاون المؤسسي مع الإمارات، وهذا ما تجلى في الانسجام الشخصي بين ابن سلمان ووليّ عهد أبو ظبي، إذ جرت مأسسة هذا التعاون بتدشين مجلس التنسيق السعودي – الإماراتي في حزيران 2018، واعتماد البلديْن استراتيجية مشتركة للتكامل اقتصاديًا وتنمويًا وعسكريًا عبر مشاريع “استراتيجية العزم”، وخامسًا، توثيق العلاقات مع الأصوليين الإنجيليين البروتستانت وتبدل العدو من الكيان الصهيوني إلى الجمهورية الإسلامية في إيران، وسادسًا تغيّر الخطاب الديني السعودي الخارجي وإقفال المراكز الإسلامية السعودية في الخارج.

وفي الخلاصة، رأى التقرير أن ابن سلمان فرض شرعيته بالقوة والقبضة الأمنية، بتغليب التعسّف وتغيير هيكل السلطة السياسية، عبر الترغيب والترهيب، والتفرّد في السلطة والمبالغة في قمع وتخوين أيّ معارض محتمل أو صاحب رأي، ساعيًا لإظهار “شرعية الأداء والإنجاز” كنهج جديد، وعلى المستوى الإقليمي والدولي سعى ولي العهد لتعزيز شرعيته بتقديم نفسه كزعيم تاريخي استثنائي (مصلح ومجدد) سيُنقذ السعودية من التطرف الديني، ويجتثّ جذور الإرهاب.

كما برزت في عهد ابن سلمان عقيدة أمنية جديدة لاختراق المعارضين إلكترونيًا وتخوينهم علنًا، إذ تمّ توجيه جزء من الجهود الأمنية لمراقبة الأمراء في فروع الأسرة المالكة، وكذلك المعارضين في الداخل والخارج، ولجوء الحكومة السعودية إلى شركات إسرائيلية للمساعدة في تعقّب معارضين بارزين على مواقع التواصل الاجتماعي، واختراق أجهزتهم الإلكترونية، بالإضافة لتفشي ظاهرة المواطن المُخبر أو المحرض.

ورأى التقرير أن ابن سلمان تفرّد بالسلطة دون منافس وتصرف كملك، ما انعكس على المراسم والبروتوكولات الاستثنائية بدءاً باستقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي له، ثم مرافقته للمطار وتوديعه، وتناول الغداء مع ملكة بريطانيا في قصر باكنغهام، ثم استقباله في البيت الأبيض وللمرة الثانية استقبالاً رسميا، وإجراء مباحثات موسعة وعشاء خاص مع نائب الرئيس الأميركي، كما حظي بترحيب خاص من الرئيس الأميركي ترامب، الذي أكد في كلمة علنية أن الملك سلمان اتخذ قرارا حكيما جدا باختيار محمد بن سلمان كوليّ عهد.انتهى

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق