ديمقراطية السعودية تحت أقدام حكامها.. مع وصول بايدن للحكم ما الذي ينتظر النظام السعودي
بعد أسابيع قليلة من قيام عدد من الشخصيات السياسية السعودية البارزة والمبعدين الى المنفى بالإدلاء بتصريحات تاريخية في شهر أكتوبر لتشكيل أول حزب معارض يهدف الى تمهيد الطريق لانتقال السعودية إلى الديمقراطية، ربما لم تكن هذه النخب تعتقد أن ترامب سيخسر الانتخابات، وان الرئاسة الأمريكية ستمنحهم المزيد من الفرص ليظهروا على الساحة.
وقالت المعارضة السعودية ومقرها بريطانيا وأمريكا وكندا وأماكن أخرى بقيادة الناشط الحقوقي يحيى عسيري في بيان لها: “أعلنا إنشاء حزب التجمع الوطني الذي يهدف إلى تمهيد الطريق للديمقراطية كنظام حاكم في السعودية”.
وكان عسيري، وهو ضابط سابق في القوات الجوية السعودية، قد قال في وقت سابق إن الحزب تشكل “في لحظة حرجة في محاولة لإنقاذ البلاد”. والسؤال الذي يطرح نفسه الان هو عن مدى قدرة حزب المعارضة على كسب دعم المجتمع السعودي ومدى تطابق شعارات ومبادئ هذا الحزب مع المجتمع السعودي، بالنظر إلى التقارير المختلفة عن زيادة الأمن وقمع المعارضين والنشطاء المدنيين من قبل الرياض في الأشهر الأخيرة، بأمر من ابن سلمان نفسه؟ وفي هذا الصدد، مع مزيد من الدراسة، يمكن ملاحظة أنه ليس فقط الاتجاهات التحويلية نحو الانتقال من النظام الاستبدادي في السعودية لها إمكانات مساعدة، ولكن يمكن البحث أيضاً عن تاريخ هذه الاتجاهات منذ العقود السابقة.
الصحوة، النهضة الدينية في السعودية
لا شك أن أولى الميول والحركات التحولية الجادة في العلاقة بين المجتمع والدولة حدثت في السعودية من خلال حركة فكرية تسمى الصحوة. حيث يعود تأسيس الدولة والشرعية السياسية في شبه الجزيرة العربية إلى تحالف عمره قرون بين سلالة آل سعود وآل الشيخ في القرن الثامن عشر (1744)، والذي يقوم على نوع من تقسيم السلطة بين مؤسسة دينية ومؤسسة سياسية. ساعد هذا التحالف الرئيسي في الهيكل السياسي السعودي النظام، والذي ظل صامدا في السنوات الأخيرة على الرغم من التقلبات، إضافة إلى توفير الشرعية الدينية للعائلة السعودية، على إدامة الأيديولوجية الوهابية الخاصة للعلاقة بين الدين والسياسة. والذي دفع بدوره النظام الاستبدادي ضد المعارضة (وخاصة المعارضة الدينية).
ولكن منذ خمسينيات القرن الماضي، ظهرت اتجاهات جديدة في الحركة الدينية في شبه الجزيرة، يمكن اعتبارها أساس النهضة الدينية والسياق الداخلي للتحول في السعودية. حيث إنه في الخمسينيات من القرن الماضي، عندما كان الملك فيصل آل سعود في السلطة، لجأت الرياض إلى الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من حكومات مصر وسوريا وأماكن أخرى، بحثاً عن ملاذ منهم كأداة ضد القومية العربية والتوجهات الاشتراكية في العالم العربي.
لكن المنفيين روجوا لإيديولوجيتهم من خلال شغل مناصب حكومية مهمة وقيادة البرامج التعليمية في الجامعات والمدارس. كما قاموا بدمج عناصر من الثقافة الدينية السعودية في تفكيرهم.
يقول سعد الفقيه ، المعارض السعودي والعضو البارز في الصحوة ورئيس حركة الإصلاح الإسلامي في السعودية، إن هذه الحركة تتبع زواجا بين أيديولوجية الإخوان المسلمين والتقاليد السلفية الوهابية في السعودية.
وفي الواقع، تمكنت الصحوة وهي مزيج من تقاليد فكرية، من النجاح في جذب الشباب والإصلاحيين في المجتمع في السنوات التالية وأصبحت أهم تهديد للأسرة السعودية الحاكمة. في حين أن رجال الدين السعوديين تركوا السياسة تقليديا لآل سعود، شجع قادة الصحوة على الاهتمام بالآراء غير التقليدية مثل السياسة والتصويت. وقد رأوا الإسلام من خلال منظور عملي وشامل تناول كل القضايا حتى السياسة.
على سبيل المثال، مع اندلاع حرب الخليج الفارسي الأولى بعد غزو العراق للكويت، وجهت هذه الحركة انتقاداتها للحكومة لسماحها للقوات الأمريكية بالتمركز على الأراضي السعودية. حيث أثارت هذه الانتقادات ردود فعل غاضبة، وتم اعتقال قادة الحركة، مثل سلمان العودة، وعوض القرني، وعلي العمري.
واستمر انتقاد الحركة في السنوات التالية، حتى أنها أعلنت عن دعوة إلى الإصلاح السياسي للحكومة، الأمر الذي سّد أوج المواجهة بين الجماعة والحكومة. حيث كانت الدعوة مفاجئة في ذلك الوقت، مع مطالبات بفصل السلطات وإصلاح القضاء ومحاربة الفساد.
وبالطبع، لا ينبغي أن ننسى أن الصحوة لا تزال تعد كحركة سلفية، لكن شعور الحكومة بالخطر من التطورات الدولية مثل الثورة الإسلامية الإيرانية أو الصحوة الإسلامية جعل من النظرة السياسية لحركة الصحوة تهديدا كبيرًا للسعوديين في السنوات الأخيرة. وبعد الانتفاضات العربية، أصبحت المواجهة الدراماتيكية بين الحكومة والصحوة واضحة تماما. فقد واجه قادة الجماعة، مثل سلمان العودة عقوبة الإعدام. كما تُظهر الاعتقالات الأخيرة أن قضية الصحوة لا تزال تمثل تحديا لسلطة الحكومة السعودية.
فصل المجتمع السعودي والإصلاحات المنظمة
لكن بالإضافة إلى صعود حركة الصحوة، والتي قلبت النظرة التقليدية للوهابية في المجتمع على حساب آل سعود، فقد تغير المجتمع السعودي بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الماضية، ويجب أن تنعكس هذه التغييرات في المؤسسات والسياسات الحكومية الداخلية والخارجية والقانونية.
وهذه هي نقطة الخلاف الرئيسة بين الأسرة الحاكمة وحركة الإصلاح في السعودية. حيث يرى نشطاء المجتمع المدني أن إحجام الحكومة عن الاستجابة للتغيير الاجتماعي والسياسي في المجتمع هو علامة على رفض الحكومة لإجراء أي تغييرات جوهرية.
وفي عام 2007 ، قدمت حركة الإصلاح المتنامية في السعودية طلبها الأخير إلى الملك فهد بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ووزير الدفاع سلطان بن عبد العزيز، وهو وثيقة بعنوان “دفاعا عن الشعب” والتي تم توقيعها من قبل 306 رجل سعودي وامرأة يشملون أطياف المجتمع كاملاً وهم من النخبة في المجتمع السعودي من محامين وكتاب وأساتذة جامعيين ورجال وسيدات أعمال وطلاب وصحفيين وأطباء وموظفين حكوميين وكتاب وشعراء ونقاد أدبيين وفنانين وناشطين اجتماعيين. وكان الموقعون من مختلف أنحاء البلاد ومن الشيعة والسنة.
وفي هذا المطلب، كانت أهم الإصلاحات المطلوبة من الحكومة هي التنفيذ الفوري، بما في ذلك تنفيذ الفصل بين السلطات، وتحويل مجلس الشورى المعين من قبل الملك (مجلس الشورى) إلى هيئة منتخبة تتمتع بصلاحيات قانونية ورقابية كاملة، وتعزيز استقلال القضاء وتقوين مؤسسات المجتمع المدنية.
لكن هذه الخطوة، التي لم تصل الى درجة القمع الحكومي، أدت إلى إعلان مجلس الوزراء السعودي في 13 تشرين الأول 2007 أنه سيجري انتخابات ملكية للمجالس البلدية في موعد غير محدد.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المطالب تكررت بالفعل في بيان حزب المعارضة الخارجية. وقال البيان “نعتقد أن السلطة تأتي من الشعب، ما يعني أن لكل شخص بالغ الحق في انتخاب شخص يمثله في برلمان منتخب بالكامل يتمتع بسلطات تشريعية ورقابية على السلطة التنفيذية”. كما دعا هذا الحزب إلى الفصل بين السلطات وإنشاء قضاء مستقل على أساس دستور يحظى بدعم شعبي.
يُظهر تكرار هذه المطالب منذ أكثر من عقد من الزمن أن المجتمع السعودي الشاب والمتعلم، على الرغم من ترحيبه في البداية بتنفيذ بعض التغييرات في ممارسات آل سعود الحاكمة في شكل إصلاحات محمد بن سلمان الاجتماعية، لكن لم يرافق هذه التغييرات بإصلاحات حقيقية وأساسية. في مجال حقوق الإنسان، وحق الشعب في المشاركة السياسية في السلطة، واستقلال القضاء، وتقليص صلاحيات الملك، وإنشاء مجلس تشريعي وحزبي، وما إلى ذلك ما أدى إلى يأس المجتمع من الإصلاحات التي يقوم بها النظام.
وفي غضون ذلك، تسببت الأزمة الاقتصادية في المزيد من المشاكل، حيث تواجه السعودية أزمة مالية كبيرة بسبب الإنفاق العام الإضافي، والقاعدة المالية المنخفضة، وانخفاض أسعار النفط، وزيادة الدين الخارجي الى عشرة أضعاف. وفي الوقت نفسه، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر إلى العُشر، مع عدم وجود أي مؤشر على تنمية السياحة أو مشاريع البنية التحتية الكبرى في السنوات القليلة المقبلة. كما تتخذ وزارة المالية السعودية إجراءات صعبة وضرورية لخفض التكاليف. حيث دمرت هذه الأزمة قدرة الحكومة المستمرة على المناورة لضخ الإسكان في المجتمع.
ومن ناحية أخرى، لا ينبغي التغاضي عن إمكانات الاحتجاج للهيكل القبلي السعودي. على الرغم من التحديث والتحضر في السعودية، لا تزال القبائل تلعب دورا مهما وقويا في البنية الاجتماعية والتقسيم الاجتماعي. كما ان هناك العديد من القبائل غير راضية عن عقود من حكم آل سعود وتشعر بالتمييز. وبطبيعة الحال، فإن النظام الديمقراطي سيكون موضع ترحيب من قبل القبائل.
ومن المؤكد ان الجمع بين هذه المجالات المهمة من عدم الرضا والتغيير مع مكونات أخرى مثل الأزمة الاقتصادية وزيادة الضغوط الخارجية على الحكومة في الغرب (وخاصة مع وصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض) سيزيد من التأثير على النظام في المستقبل.
المصدر / الوقت