بومبيو في المنطقة… إنها آخر الجولات والتجولات
بينما لم يتبق من عمر إدارة ترامب سوی شهرين فقط، ويقضي مايك بومبيو أيامه الأخيرة في هذه الإدارة وفقًا لتقديرات وسائل الإعلام الأمريكية، نراه هذه الأيام منشغلاً بالتجوُّل، وذلك في منطقة غرب آسيا.
وخلال هذه الزيارات، ادعى مجددًا أن حملة الضغط الأقصى على إيران مستمرة، وأن جميع الخيارات لمواجهة طهران لا تزال مطروحةً على الطاولة.
وسبق أن أُعلن أن بومبيو سيتوجه إلى الأراضي المحتلة والإمارات وقطر والسعودية وتركيا. وبناءً على ذلك، دخل بومبيو الأراضي المحتلة يوم الأربعاء 19 نوفمبر/تشرين الثاني فيما كان أول وفد بحريني رسمي برئاسة وزير الخارجية “عبد اللطيف الزياني” قد وصل إلى تل أبيب قبله. كما حضر بومبيو اجتماعاً ثلاثياً مع الزياني ووزير خارجية الکيان الإسرائيلي “غابي أشكنازي”.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع بنيامين نتنياهو يوم الخميس، قال وزير الخارجية الأمريكي أيضًا إنه بفضل دونالد ترامب، تمكنت “إسرائيل” من تحقيق السلام مع بعض الدول العربية، مضيفاً أن الولايات المتحدة ستواصل جهودها لتعزيز السلام (التسوية) في المنطقة.
وتابع وزير الخارجية الأمريكي أنه فوجئ بعدم اعتراف الإدارة الأمريكية السابقة بالقدس عاصمةً للکيان الإسرائيلي، ثم أعلن قراره بزيارة هضبة الجولان المحتلة، مدَّعياً أن الجولان تابع للکيان الصهيوني.
کما كتب وزير الخارجية الأمريکي على صفحته الشخصية على تويتر يوم الخميس 20 تشرين الثاني/نوفمبر، ناشراً صوراً من لقائه مع نتنياهو في القدس المحتلة: “التقيت اليوم مع نتنياهو في القدس(القدس المحتلة)، وناقشت معه مواجهة نفوذ إيران الشرير ونجاح اتفاقات إبراهيم(أبراهام) التاريخية. وبينما كانت الولايات المتحدة دائمًا صديقًا قويًا لإسرائيل، فقد وقفنا إلى جانبها بطريقة غير مسبوقة خلال رئاسة دونالد ترامب”.
وزار وزير الخارجية الأمريكي أيضاً مستوطنةً صهيونيةً تدعی “بسغوت” بالقرب من مدينة “البيرة” في الضفة الغربية. وتأتي هذه الزيارة في وقت يعتبر فيه بناء المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية غير قانوني بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي.
تعترف قرارات مجلس الأمن، بما في ذلك القرار 2334، بالضفة الغربية كأرض فلسطينية، وتحظر أي استيطان أو إنتاج سلع في هذه المنطقة وبيعها.
وفي هذا الصدد، استنكر “نبيل أبو ردينة” المتحدث الرسمي باسم السلطة الفلسطينية زيارة بومبيو للمستوطنة الصهيونية في الأراضي المحتلة بـ”جبل الطويل” في مدينة البيرة، مؤكدًا أن هذه الخطوة الأمريكية لن تضفي الشرعية على الاستيطان الصهيوني.
التواجد في مرتفعات الجولان المحتلة
بعد لقاء المسؤولين الصهاينة، زار وزير الخارجية الأمريكي مرتفعات الجولان السورية المحتلة في تحرك دبلوماسي غير عادي، كأول وزير للخارجية الأمريكية، وقال فور دخوله الجولان المحتل: “أنا هنا لإعادة التأكيد علی سيادة “إسرائيل” على مرتفعات الجولان. لقد اعترف الرئيس ترامب بالسيادة الإسرائيلية على هذه المنطقة”.
الجولان السوري المحتل جزء من محافظة “القنيطرة” السورية، والذي احتله الکيان الصهيوني في حرب الأيام الستة(نكسة حزيران) عام 1967 وضمَّه إليه عام 1982. ولکن المجتمع الدولي لم يعترف بهذه الخطوة قط.
وکان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد اعترف يوم الاثنين 25 أبريل 2019، في تصرف مخالف لقرارات الأمم المتحدة، بسيادة الكيان الصهيوني على هضبة الجولان السورية المحتلة، وقبل ذلك أيضاً أعلن مدينة القدس المحتلة عاصمةً للکيان الصهيوني، ومن ثم نقل السفارة الأمريكية في تل أبيب إلى هذه المدينة.
“أحمد أبو الغيط” أمين عام جامعة الدول العربية وإذ أدان تصرُّف بومبيو، وصفه بأنه انتهاك واضح للقانون الدولي، وقال إن هذه الخطوة ستشجع تل أبيب على تطوير خطط استيطانية غير قانونية، والتي تشكل عقبةً رئيسيةً أمام السلام وحل الدولتين.
كما أدانت الخارجية السورية مساء الخميس بشدة الدخول غير المشروع لوزير الخارجية الأمريكي إلى مرتفعات الجولان المحتلة، مؤكدةً أن مثل هذه الزيارات تعدّ جريمةً تشجع الکيان الصهيوني على مواصلة نهجه العدائي والخطير.
كما كررت سوريا دعوتها لمجلس الأمن، للتحرك بمسؤولية لمنع تكرار مثل هذه الزيارات الاستفزازية.
وفي السياق نفسه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية “سعيد خطيب زاده” في لقاء أسبوعي مع الصحفيين يوم الأحد الماضي، إن مثل هذه الزيارات التي يقوم بها وزير الخارجية الأمريکي الذي تقترب فترة وزارته من نهايتها، تتعلق ببعض الاصطيادات السياسية في المستقبل أكثر من کونها متابعةً للسياسة الأمريكية الفاشلة.
وفيما يتعلق بنوع تفاعل بعض دول المنطقة مع الإدارة الأمريكية الحالية، وأنها تعتبر ذلك بمثابة نافذة للفرص، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية: “هذه النافذة ليست فرصةً، وكانت هذه النافذة التي ستُغلق قريباً، نافذةً للعار الذي جلبته هذه البلدان لنفسها. ومن غير المحتمل أن تكون هذه البلدان القليلة سيئة السمعة والمعزولة، بل والمعزولة بين شعوبها أيضًا، قادرةً على اغتنام هذه الفرصة. لسوء الحظ، وضع بعض هؤلاء الحكام كل مكانتهم في سلة أولئك الذين صوَّت حتى الشعب الأمريكي بطردهم. وكلما أسرعت هذه الدول إلى التعاون الإقليمي، كان ذلك أفضل.
وأشار خطيب زاده إلى أن “زيارة وزير الخارجية الأمريكي للأراضي المحتلة قضية مريرة، ولولا خيانة بعض الحكام وبعض قادة الدول العربية لما ذهب وزير الخارجية الأمريكي إلى الأراضي المحتلة بهذه الوقاحة، ولما انتهك جميع قرارات الأمم المتحدة، ولم يبرئ أي عمل غير إنساني يقوم به الکيان الإسرائيلي بهذا التبجُّح. إن خيانة بعض هؤلاء الحكام ووحشية النظام الحالي في البيت الأبيض وجهان لعملة واحدة، ويجب محاسبة أولئك الذين وفروا هذه الأجواء للولايات المتحدة. إن إيران تدين بشدة تصريحات بومبيو وزيارته، ونعتقد أن القضية الفلسطينية هي قضية مقدسة، وأن العالم الإسلامي بأكمله يجب أن يلتزم بهذا المثل الأعلى.
السفر إلى الإمارات وقطر
مايك بومبيو وبعد زيارته للأراضي المحتلة، وإثارة زيارته لمستوطنة صهيونية ووجوده في هضبة الجولان المحتلة ردود فعل مستنکرة، سافر إلى الإمارات العربية المتحدة.
كما زار وزير الخارجية الأمريكي دولة الإمارات يوم السبت المنصرم، وكتب في تغريدة: “يسعدني أن ألتقي مرةً أخرى بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، وأناقش معه تنفيذ اتفاق إبراهيم وجهود مواجهة إيران. إن العلاقات الأمريكية مع الإمارات تتوسع بشكل متزايد، وتجلب المزيد من الاستقرار إلى المنطقة”.
ثم غادر بومبيو إلى الدوحة، وبعد لقاء المسؤولين القطريين، التقى بـ “الملا عبد الغني برادر” رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان و”الشيخ مولوي عبد الحكيم” رئيس فريق التفاوض بالحركة لإجراء محادثات مع الحكومة الأفغانية.
وزعم وزير الخارجية الأمريكي في مقابلة مع قناة العربية، أن المزيد من الدول العربية ستنضم إلى اتفاقات التسوية مع الکيان الصهيوني لتطبيع العلاقات. وقال “إنني على ثقة تامة من أن دولاً أخرى ستنضم إلى ما فعله الإماراتيون والبحرينيون والسودانيون، وتعترف بالمكانة اللائقة لإسرائيل بين الدول. إنهم سيفعلون ذلك(الاعتراف بالکيان الصهيوني) لأنه أفضل شيء لبلدهم، وکذلك لزيادة الرخاء والأمن في بلدهم”.
في هذا الصدد، قال “مهدي شكيبائي” مساعد الأمين العام لجمعية الدفاع عن الشعب الفلسطيني ومحلل شؤون غرب آسيا، عن أهداف زيارة بومبيو للمنطقة، ولا سيما زيارته إلى مستوطنة صهيونية ومرتفعات الجولان المحتلة: في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، رحب أكثر من 74 مليون أمريكي بأفكار ترامب وأسلوبه وطرقه.
وأوضح أن عدد الأشخاص الذين صوتوا لترامب في الانتخابات، سمح له بالتظاهر بأنه يمكن أن يقود الولايات المتحدة – وليس رئاسة الجمهورية – لبناء أمريكا أكثر حداثة وأقوى. ومن هذا المنطلق، يرى ترامب وفريقه، وبومبيو جزء منهم، الهزيمة في الانتخابات الرئاسية على أنها بداية العمل لقيادة التيار الفكري الذي انطلق في الولايات المتحدة.
وأضاف مساعد الأمين العام لجمعية الدفاع عن الشعب الفلسطيني: “بهذا النوع من التفكير نشهد تحرکات دبلوماسية للبيت الأبيض، سواءً من وزير الدفاع الذي تم تغييره مؤخرًا أو وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي وغيرهم، وعلى عكس الرئيس الذي يقترب من نهاية فترة رئاسته ويستعد لنقل السلطة إلى الشخص التالي، لكن ترامب يريد أن يلمح إلى أن الأمر قد بدأ للتو بالنسبة لهم.
وأضاف شكيبائي: “بلا شك، من الآن فصاعدًا، سيكون لدى ترامب ما يقوله داخل الولايات المتحدة، وبالتأكيد سيتحدى السياسات الأمريكية، سواء في مجال السياسة الداخلية أو الخارجية، لأي رئيس مقبل، ولديه القدرة على قيادة مدرسة فكرية جديدة في الولايات المتحدة استعدادًا لانتخابات عام 2024.
وقال الخبير في شؤون غرب آسيا: على عكس الادعاءات القائلة بأن زيارة بومبيو للمنطقة تهدف إلى التنسيق لتوجيه ضربة عسكرية إلى جمهورية إيران الإسلامية، فإنني أعتبر هذه الزيارة جزءًا من سياسة ترامب وأحد الأشياء التي وعد بها في عام 2016. على سبيل المثال، يُظهر الجدل حول انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وحقيقة أنه لا يريد ترك هذا الأمر للرئيس المقبل، وهو في عجلة من أمره للقيام بذلك، أنه يريد الوفاء على الأقل بوعوده الانتخابية، والتي كان أحدها سحب القوات الأمريكية من أفغانستان.
وتابع شكيبائي: “هذه الرحلات تتم في الغالب بهدف القول للجمهور المحلي بأنني أوفيت بوعدي، وبهذا الدعم البالغ 74 مليونًا في الانتخابات الأخيرة، فهو يعدّ نفسه لانتخابات 2024. لذلك، أرى زيارة بومبيو في هذا السياق.
هدايا ترامب للصهاينة
كما علَّق على زيارة بومبيو لمرتفعات الجولان ومستوطنة صهيونية في الضفة الغربية قائلاً: “هذه هي الهدايا التي قدمها ترامب للإسرائيليين خلال فترة رئاسته، والتي جعلت مهمة الرئيس المقبل أكثر صعوبةً”.
وقال محلل شؤون غرب آسيا إن الرؤساء الأمريكيين السابقين يؤمنون بخطة حل الدولتين، والتي تعتبر الاستيطان في الضفة الغربية غير قانوني، وأضاف أن “السيد بومبيو يزور الآن مستوطنةً غير شرعية في الضفة الغربية ومرتفعات الجولان، بهدف الحصول على موافقة الحكام الصهاينة على انتخابات 2024، سواء لصالحه أو لترامب، ولجعل الأمور أصعب لبايدن في المستقبل.
وفي إشارة إلى أن الديمقراطيين عارضوا ضم الضفة الغربية، قال شكيبائي: “بومبيو يضع من خلال هذا الإجراء الإدارة المقبلة أمام أمر واقع، وهذه الزيارة التي تعترف بالهبات السابقة، تجعل بايدن لا يستطيع إنكار ضم الضفة الغربية للکيان الإسرائيلي، وتعرّضه لانتقادات وربما مقاومة من اللوبي الصهيوني.
بايدن لن يعارض تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني
وحول استمرار تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني في إدارة بايدن، قال: أعتقد أن بايدن ليس لديه اعتراض على هذا الموضوع. عندما رشح أوباما جو بايدن لمنصب نائب الرئيس، كان الإسرائيليون أكثر سعادةً، لأنهم اعتبروا بايدن أحد الذين دافعوا باستمرار عن أمن الکيان الإسرائيلي.
وأضاف محلل الشؤون الإقليمية: القول بأن بايدن يعارض الکيان الإسرائيلي ليس صحيحًا أبدًا، بل سيبدأ بعد توليه منصبه من حيث توقَّف ترامب.
وختم شکيبائي بالقول: إذا نجح ترامب في إدخال البحرين والإمارات والسودان إلى حد ما في قطار تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني بكل قوته، بما في ذلك عن طريق الرشوة والترهيب، فلن يعارض بايدن ذلك فحسب، بل سيحاول هو الآخر أيضًا وفي إطار سياسات الديمقراطيين تسهيل تطبيع العلاقات بين الدول العربية والکيان الإسرائيلي، ومن المحتمل جداً أن يُدخل دولاً أخرى بما في ذلك عُمان وحتى السعودية، التي لم يستطع ترامب إجبارها، على الدخول في قطار التطبيع بمختلف الحيل، ومن وجهة النظر هذه، أعتقد أن دول المنطقة وفلسطين يجب أن تكون يقظةً، لأن بايدن أكثر حرصًا من ترامب على دعم الکيان الإسرائيلي.
المصدر / الوقت