التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

هل تستطيع أمريكا ما بعد ترامب البقاء في شرق سوريا 

مع بقاء 50 يومًا فقط على تولي دونالد ترامب منصبه كرئيس للبيت الأبيض، فإن إحدى أكثر القضايا جديةً في السياسة الخارجية للحكومة الأمريكية، تتعلق بتنفيذ العقيدة التي وعد بها ترامب، وهي “عقيدة الخروج”.

في عام 2016، وفي خضم الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، وعد الأخير مرارًا وتكرارًا بأنه سينهي الحروب التي لا نهاية لها وغير الناجحة في مختلف المناطق، ويعيد القوات الأمريكية إلى الوطن.

في البداية، ربما كان يُعتقد أن فكرة ترامب هذه كانت مجرد رد فعل شخصي ولا يمكن تنفيذها عمليًا، لكن الحقيقة هي أن رئيس الولايات المتحدة كان نتيجة قراءة جديدة لمعادلات النظام الدولي.

وهذا يعني أن النظام أحادي القطب ودور الولايات المتحدة كقوة شرطة دولية لم يعد ممكنًا، وأن القوى العظمى الأخرى مثل روسيا والصين وحتى الجهات الفاعلة الإقليمية مثل إيران وتركيا وغيرهما، لديها قاعدة خاصة في مجال المعادلات المختلفة وتلعب دورًا نشطًا.

ومع ذلك، في الوقت القصير المتبقي حتى نهاية ولاية ترامب في البيت الأبيض، نشهد استراتيجيةً ملموسةً لسحب القوات الأمريكية من منطقة غرب آسيا.

حيث قام ترامب في البداية بتعيين “كريستوفر ميلر” ليحل محل “مارك اسبر” كوزير للدفاع بالإنابة، وبعد ذلك شهدنا استقالات من قبل عدد من كبار الأعضاء في البنتاغون. وأعرب كريستوفر ميلر، في أول خطاب له أمام القوات الأمريكية كوزير للدفاع، عن نيته في الإسراع بسحب قوات بلاده من الشرق الأوسط وأفغانستان.

وما يزيد جدية ميلر، قراره بتعيين العقيد “دوغلاس ماكغريغور” في منصب مستشار أول لوزير الدفاع بالوكالة، وهو ما يعتبره خبراء السياسة الأمريكية مؤشراً واضحاً على نية البنتاغون في تسريع انسحاب القوات الأمريكية من عدة مناطق في الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا قبل نهاية رئاسة ترامب. وماكغريغور معروف بدعواته المتكررة إلی انسحاب القوات الأمريكية من سوريا.

ومع ذلك، يعتقد بعض المراقبين أن وجود القوات الأمريكية في شرق سوريا سيتعزز في عهد بايدن، وأن واشنطن ستقدم المزيد من الدعم للمناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية.

على عكس هذا النهج، الذي يشير إلى نوع من التعاون والرغبة لدى كل من الأكراد والأمريكيين في القضية السورية، فإن حجة المقال الحالي هي أن عملية الانسحاب الأمريكي من سوريا هي عملية لا رجعة فيها ولا يمكن إنكارها، وقد تتباطأ العملية مع وصول جو بايدن إلى السلطة، لكن انسحاب قوات الاحتلال الأمريكية من سوريا عملية إجبارية.

لماذا الانسحاب عملية لا رجعة عنها؟

لقد استخدم دونالد ترامب كلمتي “الانسحاب” و”الخروج” عدة مرات في السنوات الأخيرة لوصف استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا، لكن قيل إن مسؤولي وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين قد عارضوا القرار، وحتى أنهم أخفوا الحقائق الميدانية عن ترامب.

وفي هذا الصدد، صرح “جيمس جيفري” المبعوث الأمريكي إلى سوريا صراحةً بعد استقالته، بأنهم لم يبلغوا ترامب بحقائق وجود القوات الأمريكية، وأظهروا الحقائق بشکل مغاير من خلال تغيير إحصائيات القوات الدائمة والاحتياطية.

وبالنظر إلى ما تقدم، بينما قد يبدو انسحاب الولايات المتحدة من شرق سوريا صعبًا في الأسابيع التي تسبق خروج ترامب من البيت الأبيض، لكن على عكس بعض المحللين فإن هذا الاتجاه سيستمر في إدارة بايدن أيضاً. وفيما يتعلق بهذه الحجة، يمكن طرح عدة أسباب، وهي:

1. لقد تغيرت المعادلات بشكل كبير على المستوى الدولي، ولم تعد الولايات المتحدة قادرةً على لعب دور قيادي في النظام الجديد كقائد أو فاعل أول. وقد أظهرت التطورات السورية على الأرض بوضوح أن الولايات المتحدة ليست حتى لاعبًا من الدرجة الثالثة في المعادلات.

2. ثانياً، فشل الأمريكيون حتى الآن في لعب أي دور فاعل على صعيد القانون والشرعية الدوليين، وبالتأكيد لن يكون لهذا البلد مكان في تحديد مستقبل معادلات سوريا السياسية.

3. اتَّجهت السياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ الولاية الثانية لرئاسة الولايات المتحدة في عام 2012، إلى الخروج من غرب آسيا والتوجُّه نحو شرق آسيا. وأصبحت مواجهة القوة المتنامية للحكومة الصينية مبدأً رئيساً للحكومة الأمريكية في السياسة الخارجية، ويبدو تغيير هذا النهج غير ممکن مع تغيير الأشخاص في رئاسة البيت الأبيض.

4. على المستوى الرابع، تتمتع الحكومة المركزية السورية بشرعية كاملة بموجب القانون الدولي للسيطرة على أراضيها، وهذه العملية، مهما استغرقت وقتًا طويلاً، يجب أن تتحقق في النهاية. وفي مثل هذه الظروف، ليس فقط الولايات المتحدة ولكن أيضًا جميع المحتلين الآخرين في سوريا الذين لم يدخلوا المعادلات الميدانية في سوريا بدعوة من دمشق، يجب أن ينسحبوا. وهذه عملية لا يمكن إنكارها، ويمكن أن يشار إليها على أنها جبر تاريخي.

أكراد سوريا.. الخاسرون في ساحة اللعب الأمريكية

على مدى السنوات القليلة الماضية، سيطر الأكراد السوريون على نحو 20 في المئة من الأراضي السورية بدعم عسكري أمريكي فقط، لكن في الساحة السياسية السورية، ليس الحكومة السورية فحسب، بل جميع الأطراف الفاعلة في محادثات جنيف وأستانا، لا تری أي دور أو مکانة لهم.

وبتعبير أدق، على المدى الطويل، لا خيار أمام الأكراد سوى الاستسلام لإرادة الحكومة المركزية، ودعم الولايات المتحدة لهم، مثل كل التجارب التاريخية، لن يؤدي إلا إلى الخيانة.

وفي الاتجاه الجديد أيضاً، وبالنظر إلى حتمية الانسحاب الأمريكي من سوريا، يبدو سقوط حكومة الحكم الذاتي الكردية مؤكداً. ومن المرجح أن يؤدي انسحاب القوات الأمريكية من شرق سوريا إلى التدمير الفوري للدولة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي، والتي لا يمكنها مقاومة تركيا ولا الحكومة المركزية.

يبدو حالياً أن السيناريو الأنسب لهم، هو التعاون والحوار مع الحكومة المركزية السورية. ومن المؤکد أن هذا النهج أكثر منطقيةً بالنسبة للأكراد، من الأمل في استمرار الدعم الأمريكي.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق