إقليم كردستان على مفترق طرق إصلاحات كبيرة أو انهيار
شهد عراق ما بعد داعش تغييرات ملموسة على المستوى السياسي والمجتمع العراقي، وفي هذا السياق، فإن حكومة إقليم كردستان العراق أكثر عرضة للأزمات من أي جهة فاعلة أخرى، وكل الأدلة تشير إلى أن إقليم كردستان في حالة انهيار كامل، وإذا لم يحصل إصلاح واتفاق جديد بين القوى السياسية الكردية، سنشهد قريباً تغييرات في معادلات المشهد السياسي لإقليم كردستان، وإثباتاً لهذا الادعاء، من الضروري دراسة مستويات ثلاثة: داخل الإقليم، العراق بشكل عام والأطراف الخارجية.
ظل الانهيار في الداخل
مما لا شك فيه أن أهم موضوع فيما يتعلق بأزمة بقاء إقليم كردستان قائماً، هو موضوع الأزمات الداخلية التي يعاني منها الإقليم.
يتمتع الأكراد العراقيون بحكومة مستقلة منذ عام 1991، عندما أنشأ قرار مجلس الأمن رقم 688 منطقة حظر طيران بزاوية 36 درجة، وكان الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي يديرون زمام الأمور آنذاك، لكن الآن، أكثر من أي وقت مضى، تلقي الأزمة والانقسامات الداخلية بظلالها على حكومة إقليم كردستان، وفي هذا الصدد، يمكننا أن نشير إلى أبعاد أساسية عدة، وهي:
1-بعد قرابة 30 عاماً من الحكم الكردي في شمال العراق، لم تعد هناك قوة عسكرية واحدة في الإقليم، بل إن حزبي الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، يزيدان سيطرتهما على المناطق الواقعة تحت سيطرتهما من خلال قوات البيشمركة، ودخلت الأجنحة العسكرية للحزبين الحرب الأهلية في منتصف التسعينيات، وما زالت هذه القوات تُستخدم كقوة لأغراض الحزبين.
2-بين عامي 1994 و 1996، عندما اندلعت الحرب الأهلية بين أكراد العراق، تم إنشاء نظام من إدارتين تحت اسم المنطقة “الخضراء” والمنطقة “الصفراء”، بمعنى آخر، حكم حزب الاتحاد الوطني المنطقة الخضراء، أي مدينتي السليمانية وحلبجة، وحكم الحزب الديمقراطي محافظتي أربيل ودهوك بالمنطقة الصفراء.
بعد ما يقرب من 25 عاماً على هذه العملية، وعلى الرغم من حقيقة أن الطرفين شكلا حكومة إقليم كردستان عام 2003 بموجب النظام الفيدرالي الجديد في العراق، فإننا نشهد أن الخلافات بين الطرفين وصلت إلى ذروتها أكثر من أي وقت مضى، فقد وصل مستوى التوترات الآن لدرجة أن المراقبين السياسيين يتحدثون عن نظام مستقر ينقسم الى إدارتين منفصلتين ولكن دون الإعلان عن هذا الأمر.
3-تواجه حكومة اقليم كردستان مشكلة دفع رواتب موظفيها وتوفير الميزانية، وتحتاج الحكومة نحو 880 مليار دينار لتلبية احتياجاتها في حين أنها تواجه الآن صعوبة في دفع الرواتب بسبب خفض الميزانية الذي أرسلته بغداد إلى أربيل.
وأدت الأزمة الاقتصادية وعدم كفاءة حكومة الإقليم، إلى جانب الفساد الاقتصادي المتفشي بين القادة السياسيين إلى تنامي عدم الثقة بحكام الإقليم والأحزاب الرئيسة، هذه القضية التي كانت قائمة أيضاً في السنوات السابقة، أصبحت الآن أزمة كبرى لحكام هذا الإقليم.
4-بلغت إمكانية تقسيم الإقليم إلى منطقتين إداريتين وسياسيتين ذروتها في الوقت الحاضر، فمن ناحية، تريد محافظة السليمانية وحزب الاتحاد الوطني العودة إلى الحكومة المركزية وإرسال ميزانية مستقلة من بغداد إلى هذه المحافظة.
ومن ناحية أخرى، يؤكد الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، بزعامة مسعود بارزاني، على ضرورة الاستقلال عن بغداد واستمرار النظام الحالي، وفي حال حصل اتفاق بين حزب الاتحاد الوطني والحكومة المركزية على دفع الميزانية وإنشاء منطقة إدارية منفصلة في السليمانية وحلبجة، فلن يستمر بالتأكيد إقليم كردستان وسينهار في النهاية.
بشكل عام، وبالنظر إلى هذه المستويات الأربعة، يمكن أن نرى بوضوح أن وجود حكومة إقليم كردستان مهدد على المستوى المحلي أكثر من باقي المستويات، وهذا جعل مراجعة الهياكل السياسية والإدارية والحاجة إلى إصلاحات أساسية داخل الإقليم ونوع العلاقات مع بغداد ضرورية.
انتهاء صبر الحكومة المركزية تجاه مطامع أربيل
المستوى الآخر المهم الذي يمكن الاستشهاد به كعامل في إضعاف قوة ووجود إقليم كردستان، هو فيما يتعلق بالضغوط والنهج المتبع في بغداد تجاه مطامع أربيل بسبب تجاهل الأخيرة سيادة الحكومة المركزية على بعض القضايا الأساسية مثل النفط والحدود والاتفاقيات الخارجية.
في السنوات التي تلت عام 2003، انتهج الأكراد دائماً سياسة مستقلة على مستوى الأمن، وإقامة علاقات مع دول أجنبية، واستكشاف واستغلال وتصدير الطاقة (النفط والغاز)، وعدم تسليم عائدات الجمارك الحدودية، ورفض قبول الإرادة القانونية للحكومة المركزية.
على مرّ السنين، تعرضت سياسات أربيل لانتقادات متكررة من قبل بغداد، ورداً عليها تم اتخاذ إجراءات مثل خفض ميزانية الإقليم، لكن أربيل لم توافق أبداً على عقد اتفاق قانوني مع الحكومة المركزية.
وعلى عكس الاتجاه السائد في السنوات السابقة، تمتلك بغداد الآن إرادة قوية لمواجهة مطامع أربيل، والذي يمكن وصفه بأنه نتيجة لنفاد صبر السياسيين في بغداد تجاه الإقليم، وفي حال استمر هذا الاتجاه، فستكون له عواقب وخيمة على بغداد، ويمكن تقييم نتيجتها بأنها ستتسبب بإضعاف أسس حكومة إقليم كردستان.
خفض مستوى الدعم الخارجي لإقليم كردستان
يمكن تقييم جزء كبير من سلطة وقوة إقليم كردستان في جميع السنوات التي تلت عام 2003 فيما يتعلق بالدعم الخارجي للأكراد، وخاصة دعم الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية، لكن في ظل الظروف الجديدة، وعلى عكس رغبات قادة أربيل، تتعرض الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون لضغوط شديدة للانسحاب من العراق، وكل الأدلة تشير إلى أن هذا الأمر سيحدث في المستقبل القريب.
إضافة إلى ذلك، أصبحت الحكومات الأجنبية على عكس الماضي أكثر تحفظًاً في علاقاتها مع أربيل، سواء من حيث الاتفاقيات الاقتصادية أم من حيث العلاقات السياسية، وإحدى أسبابه المهمة هو استعادة الحكومة المركزية سلطتها الكاملة بعد هزيمة داعش وتقليصها وجود قوات الاحتلال الأمريكية.
المصدر/ الوقت