خلفيات الموقف الجزائريّ من تطبيع الرباط.. لماذا تُصر الحكومة المغربيّة على استغباء شعبها
أعلن نمرود العصر الحديث، دونالد ترامب، الخميس المنصرم، عن التوصل إلى ما أسماه “اتفاق تاريخيّ” لاستئناف العلاقات بين العدو الصهيونيّ والمغرب التي طبعت بشكل غير رسميّ عام 1986، عندما زار رئيس وزراء العدو حينها، المجرم شمعون بيريز، المغرب والتقى بالملك الحسن الثانيّ، واليوم تعلن الرباط وبكل وقاحة اعترافها الرسميّ بكيان الاحتلال الغاصب، والمقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الصحراء الغربيّة.
ومن الطبيعيّ أن يُغضب هذا الموضوع الجزائر التي كانت أول دولة تعترف بدولة فلسطين، وافتتحت معسكرات تدريبية للمقاتلين الفلسطينيين في ستينيات وسبعينيات القرن الفائت، بالإضافة إلى ذلك إنّ اعتراف واشنطن غير الشرعيّ بالصحراء الغربيّة أثار حفيظة الجزائر، التي تؤيّد موقف الأمم المتحدة وتعتبر جبهة “البوليساريو “الممثل الشرعيّ للشعب الصحراوي، وقد دعا الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون”، قبل أشهر، مجلس الأمن الدولي إلى اجتماع عاجل، واتخاذ قرار لوقف الأعمال العدائية في العالم، مؤكداً ضرورة عدم إغفال أوضاع الأراضي المحتلة، كما هو الحال في فلسطين، والصحراء الغربية.
عدو على حدودنا
لم يخف رئيس الوزراء الجزائري، عبد العزيز جراد، قلقه من أنّ الكيان الصهيوني بات على حدود بلاده في إطار مخطط خارجيّ لاستهدافها، بعد إدخال المغرب في حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع تل أبيب، مؤكّداً في الوقت ذاته، على ضرورة تكاثف جهود الجزائريين لحل المشاكل الداخلية، داعياً المواطنين والطبقة السياسية والنخبة الثقافية لأن يكونوا بالمرصاد للحفاظ على استقرار الوطن المهدد في خاصرته اليساريّة مع المغرب.
وقد اعتدنا دائماً في تصريحات الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، على دعم قضية فلسطين العادلة وربطها بقضيّة “الصحراء الغربيّة” التي يصفها بالمحوريّة، ناهيك عن حديثه المتكرر حول حق الشعب الصحراويّ في تقرير مصيره، وهذا ما كان يغضب المسؤولين المغاربة، ويضع الجزائر ضمن قائمة الاستهداف لديهم، لأنّها تفضح جرائمهم البشعة التي ارتكبت بحق الشعب الصحراويّ، لتحقيق أهدافهم التوسعيّة.
و”الصحراء الغربية” هي منطقة مُتنازع عليها، تقع في شمال أفريقيا، ويُسيطر المغرب على أجزاء كبيرة منها ويدعي أن الإقليم تابع له بشكل رسميّ، ويصنف ضمن قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المحكومة ذاتياً، فيما اندلعت حرب بين البلدان حول ملكية المنطقة، فتأسست حركة قومية صحراويّة عُرفت بجبهة “البوليساريو” والتي أعلنت في وقت لاحق عن تأسيسها “الجمهوريّة العربيّة الصحراويّة الديمقراطيّة” وشكلت حكومتها في “تندوف” بالجزائر.
ويشار إلى أنّ الإمارات التي شرعت باب الخيانة في المنطقة على مصراعيه وكانت أول دولة تغرز خنجراً في ظهر القضيّة الفلسطينيّة بعد مصر والأردن، قرّرت قبل بضعة أسابيع فتح قنصليّة لها في مدينة “العيون” في الصحراء الغربيّة، خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، كرد واضح مفاده أننا “لم نعد في خندق واحد”، بعد تصريحات جزائريّة تدين التطبيع والاستسلام في المنطقة، ما يوحي بشكل واضح وصريح إلى تشكل جبهة ضد هذا البلد العروبيّ والمدافع عن العرب وقضاياهم.
ومن الجدير بالذكر أنّ وكالة الإعلام الروسية، نقلا عن وزارة الخارجية الجمعة المنصرم، ذكرت أنّ قرار الولايات المتحدة الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربيّة يعد انتهاكا للقانون الدوليّ.
لن يكون على حساب القضيّة!
اعتاد السواد الأعظم من المسؤولين العرب على التحدث باستغباء مع شعوبهم، ربما لأنّهم يدركون أنّ لا أحد يصغي لحديثم أبداً، أو لأنّهم على قناعة بأنّ الشعوب العربيّة تعلم جيداً أنّ تصريحاتهم عبارة عن “جعجعة بلا طحين”، والمضحك ما جاء على لسان وزير الخارجية المغربيّ، ناصر بوريطة، السبت الفائت، والذي زعم أنّ قرار استئناف العلاقات مع العدو لن يكون على حساب القضيّة الفلسطينيّة وإنما في صالح حل الدولتين.
وفي أول تصريح له للإعلام العبريّ، بيّن الوزير المغربيّ أن المملكة مع حل الدولتين، وهذا يعني منذ البداية الاعتراف بالعدو الغاصب وهذا ما حدث منذ التسعينيات، معلنا أن كل النقاط الأربع التي وردت في البيان الرسمي المغربيّ سيتم تنفيذها، وترتبط النقاط الأربع بفتح خط مباشر للطيران وإعادة فتح مكاتب الاتصال، وعودة العلاقات الدبلوماسيّة والعلاقات في المستويات كافة، وتعاون في شتى المجالات.
وفي الوقت الذي عبر فيه بوريطه عن رغبته بزيارة تل أبيب، أشار إلى أن المغرب بخطوتها هذه، اتخذت قراراً سيادياً مرتبطاً بسياقه الخاص وطبيعة العلاقة المغربيّة مع اليهود بصفة عامة وتل أبيب بصفة خاصة.
في الختام، ندرك جليّاً كعرب ومسلمين، حجم التكالب على فلسطين وداعميها من خلال الانجرار نحو اتفاقات العار لتمرير “صفعة القرن” التي تهدف إلى تصفيّة قضيّة الشعب الفلسطينيّ والعربيّ، والغوص في مشاريع التفتيت والتقسيم في المنطقة.
وهنا لابد من الإشارة إلى تصريحات وزير الداخليّة في حكومة الكيان الغاصب، الحاخام أرييه درعي، في حديثه مع إحدى المواقع العبريّة، حول “اتفاقات السلام” بين الكيان الصهيونيّ وكل من الإمارات والبحرين، والذي اعتبر أنّ الحكام العرب كـ “حمار موسى” في التوراة والذي يجب أن يُركب فقط ليصل إلى وجهته النهائيّة المطلوبة، موضحاً أنّه من الضروري تقديم “علف” عالي الجودة و “سروج” باهظة الثمن، لركوب تلك البهائم أي حكام العرب المُطبعين، مبيّناً أنّ الحكام العرب هم دوابّ عند كيان الاحتلال ويسخرون للوصول إلى الوجهة المطلوبة منهم.
المصدر/ الوقت