التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, ديسمبر 26, 2024

ترسيم الحدود اللبنانية.. أين وصلت المفاوضات 

لا يزال النزاع على ترسيم الحدود البحرية اللبنانية مع كيان العدو الاسرائيلي قائماً حتى اللحظة، ويبدو أن المفاوضات بين الطرفين وصلت إلى طريق مسدود، على الرغم من أن الاسرائيليين قبل شهرين من الآن كانوا متفائلين على اعتبار انهم كانوا يعتقدون بإمكانهم رسم حدود جديدة للمنطقة البحرية بما يتناسب مع تطلعاتهم وخططهم لسرقة نفط وغاز المتوسط قبل أن يصل اليه اللبنانيون.

اسرائيل اختارت تفعيل المفاوضات خلال الفترة الماضية لأنهاتعلم جيدا ان لبنان يمر بأزمة سياسية واقتصادية غير مسبوقة، جاء خلالها انفجار بيروت الذي هز اركان السياسة في لبنان من جديد، ومن هنا وجد الصهاينة انها الفرصة المناسبة للحصول على مكتسبات جديدة على حساب الفوضى التي يعيشها لبنان، ولكنهم صعقوا، عندما وجدوا ان المفاوضين اللبنانيين يتمسكون بحقوقهم البحرية ويرفضون التنازل عنها لمصلحة “إسرائيل”، وقدم المفاوضون على طاولة المفاوضات مستندات ووثائق وخرائط تثبت حقهم بحدود مياههم البحرية. المفاوضون اللبنانيون تمسّكوا بمطلب بزيادة 1430 كيلومتراً إضافية عن الـ860 كيلومتراً، ما يعني أن نصف حقل “كاريش” هو ملك للبنان.

مطالب وصفتها الحكومة الإسرائيلية بالاستفزازية، على وقع كشف موقع “إسرائيل هيوم” بأن الردّ الإسرائيلي على الطرح اللبناني سيكون بتقديم خط جديد للترسيم يتجاوز كل الخطوط السابقة التي طرحت في السابق. وفيما يتطلع الراعي الأممي إلى أن تؤدي هذه المفاوضات للوصول إلى الحل الذي طال انتظاره، تبدو التعقيدات أكبر من أي حلول في الوقت الراهن على الأقل.

بدورها قالت مصادر أمريكية إنها كانت تتوقع منذ البداية ألّا تؤدي المفاوضات التي “افتتحت على عجل وتهور” بين اللبنانيين والإسرائيليين لترسيم الحدود البحرية بينهما، إلى أي نتيجة ملموسة. وأضافت تلك الأوساط التي كانت على تواصل مع فريق وزارة الخارجية الأميركية التي رعت إطلاق تلك المفاوضات، أنها أبلغت الفريق بعدم التسرع في إطلاق هكذا مفاوضات قبل شهر على انتخابات أميركية على هذه الدرجة من الأهمية، لتحقيق “نصر سياسي”، لا يمكن صرفه في أي معادلة جديدة، في حال جاءت نتيجة الانتخابات في غير مصلحة إدارة منتهية صلاحيتها.

مهما كانت الأسباب فإن المفاوضات في هذه المرحلة ليست في مصلحة لبنان لعدة اسباب:

1- توجد حالة من عدم الاستقرا السياسي في لبنان، وبالتالي لن تكون المفاوضات بالشكل المطلوب بالنسبة للبنانيين، وربما يضطر الجانب اللبناني لقبول أمور لايريدها على اعتبار انه تحت الضغط، وقذارة اسرائيل اتضحت من خلال اختيار هذا التوقيت لبدء المفاوضات، لماذا لم تضغط باتجاه هذه المفاوضات قبل عامين مثلا.

اسرائيل تعتقد ان الفوضى التي يعيشها الشرق الاوسط، وهرولة العرب نحو التطبيع ستشكل ضغطا كبيرا على لبنان وتجبره على الانصياع للمطالب الاسرائيلية، وبهذا تحقق اسرائيل نصرا جديدا، خاصة ان لبنان يفاوض بلا شروط، وحاولت اسرائيل ربط ترسيم الحدود بالتطبيع معها، ولكن خرجت لبنان لتقول إن التفاوض مع إسرائيل على ترسيم الحدود البحرية لا علاقة له بصنع سلام معها.

2 ــ لبنان لم يبدأ رحلة الغاز بعد، باستثناء محاولة الحفر الأولى (البئر الأوّل في البلوك رقم 4). إسرائيل، بالتالي، لها أفضليّة تقنيّة إذا حدث الاتّفاق. فالبنى التحتية للإنتاج، والمعالجة والتصدير، موجودة في إسرائيل، ووضعها في نادي شرق المتوسّط للغاز الذي أُسّس وتفعّل، أخيراً، (EastMed Gas Forum) وما يؤمّنه هذا التكتّل من تسهيلٍ للتصدير يعطي إسرائيل أفضليّة أخرى. من جهةٍ ثانية، تملك إسرائيل، الآن، خبرة مهمّة في الحفر والتطوير والإنتاج. خبرة لا يملكها لبنان. لبنان في المقابل معتمد بالكامل على الشركات الأجنبيّة في كلّ نواحي الموضوع (وهي الخصم والحكم).

3- أهمّ مكامن الغاز المحتملة في البلوك رقم ٩، تمتدّ عبر الحدود البحريّة مع فلسطين المحتلّة، ولكن بدأ الحفر في البلوك رقم ٤ قبل البلوك رقم ٩، بحجّة أرجحيّةٍ جيولوجيّةٍ للبلوك رقم ٤ مقابل البلوك رقم ٩، وهو ما يجافي المنطق العلمي كلّ التقديرات التقنية ترجّح ذلك، بحسب خبراء. بالتالي، في اليوم التالي للاتفاق، ستبدأ إسرائيل بالحفر في تلك المنطقة، عند الحدود “الجديدة” بالضبط. لا يملك لبنان، عندها، إلّا النظر من قريب لسنواتٍ طوال، إلى ثروته تتآكل بموافقته.

وبدأت إسرائيل ولبنان في تشرين الأول 2020 مفاوضات برعاية الأمم المتحدة ووساطة أمريكية.

وسبق تلك المفاوضات بين إسرائيل ولبنان التي تعتبر الأولى “عدو” منذ نشأتها عام 1948، مراحل ووساطات بشأن الصراع على الحدود البحرية.

بدأ لبنان ترسيم حدوده البحرية اعتبارًا من العام 2002 حين كلّفت الحكومة اللبنانية مركز “ساوثمسون” لعلوم المحيطات بالتعاون مع المكتب الهيدروغرافي البريطاني، بإعداد دراسة لترسيم حدود مياهه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، وذلك بغية إجراء عملية مسح جيولوجي للتنقيب عن النفط والغاز في هذه المنطقة.

وواجه المركز عدة صعوبات في الترسيم بسبب عدم توافر خرائط بحرية دقيقة وواضحة لمنطقة جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، وبذلك كان الترسيم غير دقيق.

في عام 2006 عادت الحكومة بتكليف المكتب الهيدروغرافي البريطاني بإجراء دراسة جديدة لترسيم الحدود البحرية للدولة اللبنانية، وكانت هذه الدراسة عبارة عن تحديث لتلك التي سبقتها.

في عام 2012، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية عبر موفدها فريدريك هوف اقتراحاً لحل النزاع البحري بين لبنان و إسرائيل، وذلك بتقاسم المنطقة المتنازع عليها، برسم خط عرف في حينه بخط “هوف”، يعطي لبنان حوالى 500 كلم مربع، وإسرائيل حوالى 360 كلم مربعا من أصل كامل مساحة الـ 860 كلم مربعا.

ورفض لبنان في حينه هذا الاقتراح على اعتبار أن المساحة الكاملة (360 كلم2) هي من حقّه.

واقترح الجانب الأميركي في حينه أن يكون خط “هوف” خطا مؤقتا وليس حدودا نهائية، لكن الجانب اللبناني رفض ذلك خشية تحول المؤقت إلى دائم عند الإسرائيلي.

في عام 2018 شرع لبنان في التنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحله، وقام في 9 شباط بتوقيع عقد مع ائتلاف شركات دولية هي “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية و”نوفاتيك” الروسية للتنقيب عن النفط والغاز في (البلوك) 4 و9 بمياهه الإقليمية.

ويقع البلوك رقم 9 ضمن المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل، فاعتبرت إسرائيل أنّ خطوة لبنان هذه هي “استفزازية”.

في آذار 2019 زار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لبنان، والتقى بالرئيس اللبناني ميشال عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري وتناقش معهم في عدّة مواضيع منها ترسيم خط الحدود البحري بين لبنان وإسرائيل.

في أيار 2019، زار ساترفيلد لبنان مرتين في غضون أيام، والتقى كلا من الحريري وبري ووزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، وأبلغهم قبل مغادرته بيروت إمكانية إجراء مفاوضات غير مباشرة، تشمل الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل.

استمر ساترفيلد بمفاوضاته مع الجانبين اللبناني والإسرائيلي إلى أن تمّ تعيين ديفيد شينكر خلفاً له في سبتمبر/ أيلول 2019.

بعد هذه المرحلة جاءت مفاوضات العام 2020 والتي شملت 4 مفاوضات وتم تجميد الخامسة إلى أجل غير مسمى، ربما حتى تتضح الصورة في الولايات المتحدة الامريكية ويأتي الرئيس الجديد إلى سدة الحكم، ولكن الواضح والمطمئن أن لبنان لن يتنازل عن حقه تحى اي ضغط وهذا أمر يبشر بالخير للمستقبل وسط هذه الفوضى التي يعيشها الشرق.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق