التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, ديسمبر 27, 2024

تونس والجرائر في وجه عاصفة التطبيع… عندما يتحد القلب العربي مع قلب فلسطين 

أفادت وسائل إعلام بأن تونس والجزائر لم تسمحا للرحلة القادمة من تل أبيب إلى مدينة الرباط المغربية، بالمرور عبر أجوائهما، ما أجبرها على اتخاذ مسار غير مباشر عبر أوروبا.

وقالت شبكة “نسمة” التونسية، إن الرحلة اتخذت مساراً شمالياً يمر بالبحر الأبيض المتوسط عبر المجال الجوي اليوناني، ثم الإيطالي ومنه إلى الإسباني، وأخيراً إلى العاصمة المغربية، نظراً لإغلاق تونس والجزائر أجوائهما أمام الطيران الإسرائيلي.

بدوره، قال موقع “النهار أونلاين” الجزائري إن “جهات حاقدة ومضللة، نشرت أخباراً كاذبة عن مرور الطائرة الصهيونية عبر الأجواء الجزائرية”، في إشارة إلى عدم مرور الرحلة عبر أجواء الجزائر.

من جهة أخرى، قالت جريدة “الصحيفة” الإلكترونية المغربية إن “الرحلة بين تل أبيب والرباط تجنبت دخول أجواء دول شمال إفريقيا”.

ولم يصدر أي تعليق رسمي من الجزائر وتونس على هذه الأنباء، إلا أن الخارجية التونسية أكدت في بيان أن كل “ما يروج من شائعات عن عزم تونس على تطبيع العلاقات مع إسرائيل لا أساس له من الصحة”، مشيرة إلى أن هذا الموقف “لن يتأثر بالتغيرات الدولية”.

وكانت هذه أول رحلة تجارية مباشرة بين الكيان الصهيوني والمغرب، وانطلقت من مطار بن غوريون في تل أبيب متوجهة إلى الرباط، وعلى متنها وفد إسرائيلي-أمريكي يترأسه صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره جاريد كوشنر.

وتأتي عقب الاتفاق الأخير بين الكيان الصهيوني والمغرب، وبوساطة أمريكية، لتطبيع العلاقات، لتصبح الرباط رابع دولة عربية تعلن هذا العام تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني بعد الإمارات والبحرين والسودان.

وبإعلان المغرب استئناف علاقاته الدبلوماسية مع “تل أبيب” يصبح الدولة المغاربية الوحيدة التي تقيم علاقات مع “إسرائيل”، بعد أن قطعت موريتانيا علاقاتها مع “تل أبيب” في 2010.

وتزامناً مع موجة التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني اختارت تونس والجزائر التشديد على موقفهما الرافض لأي علاقات مع الكيان الصهيوني.

فبعد تلميحات صحافية أمريكية بإمكان تطبيع تونس مع الكيان الصهيوني، سارعت وزارة الخارجية التونسية، الثلاثاء، لنفي “الأنباء المتداولة في عدد من وسائل الإعلام حول إمكانية إرساء علاقات دبلوماسية بين تونس والكيان الصهيوني”، مؤكدةً أنّ “كل ما يروج من ادعاءات في هذا الخصوص لا أساس له من الصحة، ويتناقض تماماً مع الموقف الرسمي المبدئي للجمهورية التونسية المناصر للقضية الفلسطينية العادلة والداعم للحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني”.

وذكّرت الوزارة، في بيان، بما وصفته بـ”الموقف الثابت لرئيس الجمهورية قيس سعيّد، الذي أكد في العديد من المناسبات أن حقوق الشعب الفلسطيني غير قابلة للتصرف ولا للسقوط بالتقادم، وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره وإقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس”.

تونس: غير معنيين بالتطبيع مع إسرائيل

قالت تونس إنها غير معنية بالتطبيع مع إسرائيل، وإن موقفها لا تؤثر فيه التغيرات الدولية. وذلك في أول تعليق لها عقب تطبيع المغرب العلاقات مع إسرائيل.

وقال بيان لوزارة الخارجية التونسية “إذ تحترم تونس المواقف السيادية لمختلف الدول، فإنها تؤكد أن موقفها ثابت ومبدئي ولن تؤثر فيه أبدا التغيرات في الساحة الدولية”.

وأضاف البيان: إن الموقف نابع من إرادة الشعب التونسي ومعبر عما يخالجه من مشاعر تضامن وتأييد مطلق للحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني.

وكان الاتحاد العام التونسي للشغل أصدر الثلاثاء بياناً حذر فيه السلطات من الإقدام على التطبيع مع “إسرائيل”، وأكد رفضه القاطع للتقارب “مع العدو الصهيوني تحت أي ذريعة”، وشدد على محورية القضية الفلسطينية بالنسبة للشعب التونسي.

وفي السياق، أكد الأمين العام لـ “التيار الديمقراطي”، غازي الشواشي، أنه “لا توجد اليوم سلطة في تونس بمقدورها الموافقة على التطبيع مع الكيان الصهيوني، فتونس أنجزت ثورة الحرية والكرامة، ومن ضمن القضايا الأساسية التي يتبناها شعبها، بقطع النظر عمن يحكم، القضية الفلسطينية، وبالتالي لا يمكن أن يحصل التطبيع”.

مشروع قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني

قدمت الكتلة الديمقراطية بمجلس نواب الشعب التونسي، الثلاثاء، مقترح قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني بمناسبة مرور 4 سنوات على اغتيال المهندس التونسي محمد الزواري عضو كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي اتهمت الموساد الإسرائيلي باغتياله أمام منزله في محافظة صفاقس مسقط رأسه في الـ 15 من كانون الأول 2016.

وأكد النائب عن الكتلة الديمقراطية (الكتلة الثانية بـ 38 نائباً) رضا الزغمي، أن الكتلة الديمقراطية، وهي كتلة معارضة تضم حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب، أودعت مكتب الضبط مقترح قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني.

ويتضمن مقترح الكتلة الديمقراطية ديباجة و8 بنود تعرف جريمة التطبيع في مختلف المجالات السياسية والرياضية والفنية، وتضبط العقوبات على المطبعين التي تتراوح بين سنتين وخمسة سنوات سجناً وبغرامات مالية تصل إلى 100 ألف دينار تونسي.

تاريخ من الدم

هذا الموقف الحاد والمبدئي من إسرائيل لم يأتِ من فراغ، اذ عاشت لحظات دموية بسبب احتضانها لمنظمة التحرير الفلسطينية بين عامَي 1982و1994.

ففي 1 تشرين الأول سنة 1985 -الذكرى التي يخلِّدها التونسيون كل عام- سُمع دوي انفجارات في محيط مدينة حمام الشط الساحلية بعد أن مرت عشر طائرات مقاتلة من طراز F-15 وطائرتان إسرائيليتان من طراز بوينغ 707، استهدفت مقر منظمة التحرير الفلسطينية وقتل خلالها 50 فلسطينياً و18 تونسياً، فيما بات يعرف بعملية “الساق الخشبية”.

لم يتوقف الأمرعندها، إذ اختارت “إسرائيل” بعدها الساحة التونسية لتصفية حساباتها خلال الانتفاضة الأولى، فنفذت في نيسان 1988 جريمة اغتيال القيادي الفلسطيني الشهيد خليل الوزير الملقب بأبو جهاد. واختارت وقتها خرق المعاهدات والقوانين الدولية، عبر خمس سفن حربية وسفينة تحمل طائرات مروحية وتشكيلات من الكوماندوز ووحدات من الموساد ومن الوحدات الخاصة في الجيش والمخابرات.

وليس ببعيد عن عملية أبو جهاد، لا تزال أصابع الاتهام تتجه إلى المخابرات الإسرائيلية في عملية اغتيال محمد الزواري، المهندس الذي صمم طائرات للمقاومة الفلسطينية، عام 2016، وعلى الرغم من عدم اعترافها بالعملية فإن الرأي العام التونسي مقتنع بأن “إسرائيل” هي من تقف وراء العملية.

الجزائر: لن نشارك في الهرولة نحو التطبيع

لم يشكل قرار دول عربية التطبيع الكامل للعلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، مفاجأة للنخب والأحزاب السياسية في الجزائر، بحكم ظروف ومعطيات سابقة كانت تشير بوضوح إلى ذلك.

حيث قال رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز جراد في (11 كانون الأول 2002) إن هناك إرادة أجنبية حقيقية لوصول “الصهيونية” إلى حدود بلاده، داعيا الطبقة السياسية والنخب إلى التكاتف والعمل على استقرار الجزائر.

وأضاف جراد، خلال إشرافه على ندوة تاريخية بمناسبة إحياء الذكرى الـ 60 لتظاهرات 11 كانون الأول1960 للمطالبة باستقلال الجزائر عن فرنسا، إن “هناك إرادة أجنبية حقيقية اليوم لوصول الكيان الصهيوني قرب حدودنا، يتعين على الطبقة السياسية والثقافية العمل على استقرار البلاد”، في إشارة إلى تطبيع العلاقات بين المغرب (الجارة الغربية للجزائر) وإسرائيل.

وفي 20 أيلول الماضي، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، “نرى أن هناك نوعا من الهرولة نحو التطبيع ونحن لن نشارك فيها ولن نباركها”.

وأضاف تبون، في مقابلة تلفزيونية مع وسائل إعلام محلية، إن “القضية الفلسطينية بالنسبة للجزائريين مقدسة وأم القضايا وحلها لا يكون إلا بقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس وبحدود عام 1967”.

وكانت تصريحات تبون، أول رد فعل رسمي من الجزائر بعد توقيع الإمارات والبحرين في 15 سبتمبر الماضي، اتفاقيتي تطبيع مع “إسرائيل” برعاية أمريكية.

وبعدها بأربعة أيام (24 أيلول) قال وزير الإعلام والناطق الرسمي للحكومة الجزائرية عمار بلحيمر: إن موقف بلاده من القضية الفلسطينية “ثابت وواضح دوما”.

وتابع المسؤول الجزائري، في تصريحات إعلامية، “قضية فلسطين كانت وستظل دائما قضية محورية في السياسة الخارجية للجزائر، وفي وجدان الجزائريين”.

وعقب اعلان المغرب التطبيع مع الكيان الصهيوني، استنكر حزب “جبهة التحرير الوطني”، الذي يحوز على الأغلبية النيابية في البرلمان الجزائري، في بيان، “إعلان المملكة المغربية إقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني الغاصب، في مقابل اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسيادة مزعومة للمغرب على الصحراء الغربية”.

واعتبرت جبهة التحرير الوطني أن “التخلي عن الحق الثابت للشعب الفلسطيني في مقابل الحصول على حق وهمي بالسيادة على أرض الصحراء، المتنازع عليها، وصمة عار سياسية ودبلوماسية وأخلاقية ستلاحق أصحابها الذين لطالما تغنوا باحتضان القضية الفلسطينية، لتتجلى الحقيقة اليوم ببيع هذه القضية المقدسة”.

من جهته، أكد رئيس حركة “مجتمع السلم” عبد الرزاق مقري، في تدوينة نشرها، أن “النظام المغربي لم يطبع من اليوم، لا يجهل مشتغل بالقضية الفلسطينية مسارات التطبيع الخفية والعلنية القديمة بين المغرب والكيان الصهيوني، كما أنه لا تخفى على المطلع مجهودات الشعب المغربي في رفض التطبيع عبر مسيراته المليونية ومجهوداته المتنوعة في هذا الشأن، ولن يخيب الظن بحول الله، وإنما المبتلَى في هذه القضية هو حزب العدالة والتنمية ما الذي سيفعله”.

فعلى الرغم من المد التطبيعي في بلدان عربية عدة ووصوله إلى المغرب العربي، فإن تونس والجزائر تبدوان بعيدتان جداً عن هذه الأجندات لأسباب كثيرة، من بينها تاريخ العداوة مع الاحتلال الإسرائيلي منذ منتصف القرن الماضي، وتاريخ الدم الذي دونته الاعتداءات الإسرائيلية على تونس والاغتيالات فيها، والموقف الشعبي غير القابل للتفاوض. فضلاً عن النسيج السياسي الذي لا يمكّن جهة أو مؤسسة واحدة من اتخاذ قرار مماثل؛ لا الرئاسة وحدها ولا الحكومة ولا البرلمان في هذين البلدين.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق