الذكرى العاشرة للصحوة الإسلامية في الوطن العربي.. ماذا حققت وماذا خسرت
يصادف الـ 17 ديسمبر 2020 الذكرى العاشرة للصحوة الإسلامية في الوطن العربي. حيث كان الـ 17 ديسمبر 2010 هو اليوم الذي أضرم فيه “محمد البوعزيزي”، بائع خضار تونسي مثقف، النار في نفسه احتجاجًا على عنف مسؤولي البلدية. ولقد أشعلت خطوة “البوعزيزي” احتجاجات شعبية في تونس أطاحت بـ”زين العابدين بن علي” من السلطة. ومع إطاحة “بن علي”، واجهت مصر وليبيا واليمن والبحرين وبعض الدول العربية الأخرى احتجاجات شعبية واسعة النطاق. وتمت الإطاحة بـ”حسني مبارك” في مصر ، وشن “معمر القذافي” حربًا أهلية استمرت تسعة أشهر في ليبيا خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، لكن القذافي قُتل في النهاية على يد الثوار الليبيين، وتمت إزالته من السلطة. كما اُطيح بـ”علي عبد الله صالح” في اليمن على الرغم من دعم مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة له. وفي دول عربية أخرى أيضًا، ضُعفت أسس القوة الديكتاتورية، واستمرت الاحتجاجات في دول مثل البحرين إلى حتى الأن بعد عقد من بدء الصحوة الإسلامية.
لقد كانت انتفاضة شعوب شمال إفريقيا وغرب آسيا في خريف وشتاء عام 2010 بمثابة نهاية سنوات من الحكم الاستبدادي. وبعد عدة عقود من الحكومات المطلقة في البلدان النامية (تونس ، ليبيا ، مصر ، إلخ)، انتشار الفساد، والبطالة، والتضخم، وهيمنة الجهاز الحاكم على جميع المجالات الاقتصادية، وعدم تشكيل مؤسسات مدنية، وتجاهل الرأي العام، قامت أحزاب المعارضة وغيرها بنشر موجة من الاحتجاجات الشعبية ضد الحكام في جميع أنحاء المنطقة. ولقد أدت تلك الحركات الشعبية إلى اسقاط أنظمة “مبارك” و”القذافي” و”بن علي” وأدت أيضا إلى حدوث بعض الإصلاحات في المغرب العربي والأردن وغيرهما. وبعد ثماني سنوات، بدأت الموجة الثانية من الاحتجاجات في بعض دول غرب آسيا، مثل الجزائر والسودان، منهية حكم “عمر البشير” و”بو تفليقة”.
أهداف الصحوة الإسلامية
كان الهدف الأهم لبدء الاحتجاجات الشعبية في العالم العربي هو الإطاحة بالديكتاتوريين من السلطة واستعادة الكرامة الإسلامية. ورغم الإطاحة بأربعة ديكتاتوريين، بينهم “بن علي” و”مبارك” و”القذافي” و”عبد الله صالح”، وتحقق بعض أهداف الثوّار، إلا أن هذا لم يكن يرضي نادي الطغاة العرب بقيادة “آل سعود” وداعميهم الغربيين، وخاصة الولايات المتحدة. لذلك كان تحويل مسار الصحوة الإسلامية، على جدول أعمال السعودية والولايات المتحدة.
انحراف مسار الصحوة الإسلامية
لقد انحرف مسار الصحوة الإسلامية بسبب تدّخل بعض الجهات الفاعلة المضادة للثورة، وخاصة المملكة العربية السعودية، بدعم من الولايات المتحدة. ولقد نفذت الرياض استراتيجية خاصة للتدخل في الصحوة الإسلامية. وهنا يمكن القول إن منع تحقيق المطالب الشعبية، وخاصة في اليمن، التي كانت مدعومة في البداية من مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية، أدت إلى إجراء انتخابات لمرشح واحد، وانتهت برئاسة “عبد ربه منصور هادي”، وهذا الامر يعد تدخلا سافراً من تلك الدول الخليجية. كما قامت تلك الدول بإدخال الجماعات الإرهابية إلى الدول العربية وإحداث حرب بين الأنظمة السياسية للدول والجماعات الإرهابية، وخاصة في سوريا، وهذا الامر يُعد أيضا شكلاً مهما آخر من أشكال التدخل. ويمكن القول إن هذا النوع من التدخل كان أكثر أهمية من أشكال التدخل الأخرى، لأنه في الواقع أغرق المنطقة في حرب إرهابية وتطرف وعنف شديد ومنظم، حتى إن الناس في الدول العربية الأخرى شاهدوا الكوارث التي تسببها الجماعات الإرهابية في سوريا و فضّلوا عدم متابعة المظاهرات المناهضة لحكوماتهم.
إن دعم الجيش للوصول إلى السلطة وتمهيد الطريق لاستمرار النظام السياسي القديم بفاعّلين جدد، لكن بخصائص أخلاقية وسياسية مختلفة، كان شكلاً آخر من أشكال التدخل لتحويل الصحوة الإسلامية، خاصة في مصر. وفي ليبيا وهذا النوع من التدخل أطاح بالإخوان المسلمين، التي كانت تعتبر واحدة من أهم الجماعات السياسية الداعمة للصحوة الإسلامية، عمليًا من السلطة وتم تقديمها كمنظمة إرهابية. وكانت الحرب شكلاً آخر ملموسًا من أشكال التدخل في عملية الصحوة الإسلامية كمثل تلك التي حدثت في اليمن، حيث شنت المملكة العربية السعودية حربًا على اليمن في مارس 2015 بهدف منع “أنصار الله” من الوصول إلى السلطة وتحقيق الديمقراطية.
لقد أدت هذه الحرب إلى أكبر كارثة إنسانية في النظام العالمي في العقود الأخيرة، لكن “أنصار الله” أصبحوا اليوم القوة الأكثر تنظيماً وقوة بالقرب من الحدود السعودية. وعلى الرغم من أن معارضي الصحوة الإسلامية حاولوا تحويل مسارها من خلال التدخل في هذا الحدث العظيم، إلا أن الحقيقة هي أن الأنظمة اليوم في غرب آسيا لا يمكن مقارنتها بالأنظمة التي كانت عليها قبل عقد من الزمن. الجدير بالذكر أن الفوضى زادت في المنطقة من جراء التدخل العربي والغربي وهذا أمر يصب بالطبع في مصلحة الكيان الصهيوني. ولكن من جهة أخرى تعززت مكانة المقاومة في المنطقة وأصبح لها دور مهم لا يمكن إنكاره في محاربة الإرهاب. ونتيجة للاستراتيجيات السعودية ونهج الحكومة الأمريكية الفعّال، تشهد منطقة غرب آسيا سباقات تسلح تؤثر بشكل مباشر على اقتصادات الدول وتزيد من التحديات الاقتصادية. وفي الوقت نفسه، أصبحت قواعد قوة الديكتاتوريين، وخاصة في البحرين والمملكة العربية السعودية، أضعف من أي وقت مضى.
أهداف الغربيين من حرف مسار الصحوة الإسلامية
إن ترسيخ الديمقراطية المنشودة من الغرب في إطار عقيدة الشرق الأوسط الجديدة، وإرساء الأمن على الحدود الجنوبية لأوروبا في البحر المتوسط، وترسيخ الأمن والاستقرار للمشاريع الاقتصادية الغربية في هذه البلدان، وضمان تصدير موارد النفط والغاز، والحد من النفوذ الروسي والصيني، تأتي في سياق التنافس السياسي والاقتصادي الأمريكي والأوروبي، وهذه الأهداف هي التي منعت تشكيل حكومات إسلامية وشعبية حقيقية معارضة للكيان الصهيوني، خلال فترة الصحوة الإسلامية في المنطقة.
سبب فشل الثورات العربية الشعبية
في بداية الاحتجاجات الشعبية التي خرجت في العديد من الدول العربية، دعمت الدول الغربية الحركات الشعبية، وذلك لأنها كانت تعلم جيداً أن الأنظمة السابقة لم تُعد فعّالة بما فيه الكفاية، ولهذا سعت لتحقيق أهدافها غير المعلنة، وسعت لتحقيق مصالحها الخاصة، مما حال دون نجاح تلك الانتفاضات الشعبية وتشكيل الحكومات التي كان تحلم بها الشعوب الثائرة.
تهديدان رئيسيان للحركات الشعبية
لقد كان التهديدان الرئيسيان لتلك الحركات الشعبية، هما التدخل العسكري (مثل مصر والسودان) والتدخل الأجنبي ( مثل ليبيا واليمن والبحرين)، فضلاً عن تنامي التطرف، وهذه الامور هددت الحركات الشعبية في المنطقة في السنوات الأخيرة وحولت مسار تلك الانتفاضات. ففي مصر، قام “عبد الفتاح السيسي” بانقلاب عام 2013 ضد “محمد مرسي” ، قام بزيادة حالة الفقر والقمع في مصر عما كان عليه في عهد الدكتاتور “مبارك”. ولقد غرقت ليبيا في أزمة داخلية بسبب التدخل الأجنبي، واُحتلت البحرين وتم قمع الاحتجاجات فيها من قبل السعوديين، واليمن كذلك أصبحت غارقة في حرب أهلية وكارثة إنسانية بسبب التدخلات الأجنبية وتدخلات المملكة العربية السعودية.
تونس مثال ناجح للديمقراطية
من بين دول المنطقة، تمكنت تونس من تحقيق الديمقراطية والتطور السياسي بين الدول العربية الأخرى بسبب الخصائص التاريخية والاجتماعية وتمكنت من صياغة دستور جديد وإجراء عدة انتخابات خلال هذه السنوات العشر. ومع ذلك، لا تزال بعض المشاكل السابقة، بما في ذلك المشاكل الاقتصادية والظلم في هذا البلد موجودة حتى الان ولم تتمكن الحكومة التونسية الجديدة من ايجاد حلول جذرية لتلك المشاكل الاقتصادية.
المصدر/ الوقت