موقع اميركي: فشل أمني ذريع حوّل واشنطن إلى “جمهورية موز”
وكالات ـ الرأي ـ
نشر موقع مجلة “فورين أفيرز” مقالا لـ”دانيال بيمان”، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة “جورج تاون”، تحدث فيه عن “الفشل الأمني الذريع”، في حماية ما وصفه بـ”أهم معقل للديمقراطية حول العالم”، في إشارة إلى الكونغرس.
ففي يوم الأربعاء، بحسب الكاتب، اندفع الغوغاء بعد استماعهم لخطاب الرئيس دونالد ترامب نحو الكابيتول، في محاولة لعرقلة عملية نقل السلطة السلمي وتأكيد انتصار المرشح الديمقراطي جو بايدن.
وأضاف الكاتب في مقاله، أن الفشل الأمني أمام من وصفهم بالغوغاء المسلحين المؤيدين لترامب حول واشنطن إلى “جمهورية موز تحت سيطرة الرعاع” بأعين الكثير من المتابعين.
وتابع الكاتب بأن خرق الحواجز الأمنية للكابيتول يعتبر “بلا شك خرقا أمنيا ذريعا”، موضحا أن قوات فرض النظام التي تبنت سياسة اليد الحديدية مع المحتجين من حركة “حياة السود مهمة” وتحضر بعناية لوقف هجمات تنظيم القاعدة لم تكن جاهزة على ما يبدو لمواجهة خليط من جماعات التفوق العرقي الأبيض والمتطرفين المعادين للحكومة الفيدرالية وأتباع نظريات المؤامرة وغيرهم من الجماعات الموالية لترامب.
ومع أنه من الباكر لأوانه توجيه أصابع الاتهام إلا أن قوات الأمن وشرطة واشنطن لديها الكثير من الأسئلة لكي تجيب عليها.
وتساءل بيمان: “ماذا لو قامت منظمة جهادية ودعت أتباعها علنا لحمل بنادقهم والتجمع في واشنطن والسيطرة على الكونغرس؟”.
وأضاف مجيبا أنه سيتم وقفهم، وأن قوات الأمن وحفظ النظام والاستخبارات كانت لتهرع إلى جمع المعلومات عبر منصات التواصل الاجتماعي لإعداد ملف جريمة واعتقال وتوجيه تهم للأفراد الداعين للمناسبة والمشاركين فيها قبل أن يتحركوا خطوة واحدة.
وحتى لو فشلت تلك الخطوات فسيكون رد الشرطة حاسما وقويا، ولكن لأن تجمعات الرئيس اتسمت بالعنف، ولأن الرئيس لجأ لاستخدام لغة نارية كوسيلة لتعبئة أنصاره، باتت قوات الشرطة وفرض النظام متعودة على التهديد الذي يمثله أتباعه المتطرفون.
ولم تكن الفوضى فشلا أمنيا فقط، وفق الكاتب، بل وكشفت عن الصعوبة التي تواجه قوات فرض النظام والجيش وقوات الأمن في التحرك عندما تواجه مناخا سياسيا مشحونا.
وعندما يشجع ترامب أتباعه على العنف ويقوم بشيطنة معارضيه السياسيين يجعل من الصعوبة بمكان على قوات الأمن التحرك بدون أن ينظر إليها بأنها تدعم طرفا ضد آخر في نزاع محلي وهي نظرة تحاول قوات الأمن تجنبها.
ففي حزيران/يونيو نظم ترامب مناسبة التقطت فيها صورة مع قائد هيئة الأركان الجنرال مارك ميلي بعد تنظيف الشرطة تجمعا لحركة حياة السود مهمة من ساحة لافاييت بواشنطن. واعتذر الجنرال ميلي لاحقا لمشاركته في المناسبة الاستعراضية، وكان محقا، وهذا هو النوع من التسييس الذي يحاول المسؤولون تجنبه.
والأخبار الجيدة هي أن رحيل ترامب عن البيت الأبيض سيكون خطوة كبيرة للأمام، وفق الكاتب، ففي السنوات الماضية ركز مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي أي) ووزارة الأمن الداخلي على العنف الذي تمارسه الجماعات المعادية للحكومة، لكن الحكومة كانت غير مستعدة لمراقبة الجماعات المتطرفة المؤيدة لترامب وركزت همها على جماعات أقل خطورة مثل الجماعة المناهضة للفاشية أو “أنتيفا”.
وقال مسؤول سابق في “أف بي آي” لصحيفة “واشنطن بوست”: “هناك مقاومة بين العملاء لفتح تحقيق واستهداف ما يراه الرئيس قاعدته.. وضع لا يمكن الانتصار به لعملاء أف بي آي أو المشرفين (على الأمن)”.
وبعد رحيل ترامب سيكون رؤساء الشرطة أحرارا في متابعة عملهم المنوط بهم دونما خوف من عدم دعم الرئيس لهم أو شجبه أو استغلاله لتحركاتهم.
وخارج السلطة، لن يكون لدى ترامب المنبر القوي للتنمر من خلاله على مؤسسات فرض القانون حتى ولو لم يخرج من الصورة تماما. وربما زادت تغريداته وبياناته بطريقة أكثر وقاحة في محاولة منه للبقاء في الأضواء.
ولعل أهم سؤال يطرحه الهجوم على الكونغرس هو مستقبل الحركة التي ساعد ترامب على إنشائها وتعبئة عشرات الملايين من الأميركيين فيها، بمن فيهم الذين لم يؤثر عنهم نشاط سياسي.
وحركة “لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى” هي شبكة واسعة ولكن ليست منظمة، وتنتشر أفكارها عبر منصات التواصل الاجتماعي ولا يمكن تحديد طبيعتها بسهولة، وتحمل علامات حركات “الكلت” أو عبادة الشخصية ولكنها تجمع إلى ذلك ملامح من القومية والشعبوية والتفوق العرقي الأبيض ودعاة نظريات المؤامرة بمن فيهم جماعة “كيو انون” الغريبة.
وعادة ما تكون الحركات الجماهيرية جسرا أو حاجزا للعنف، وفق الكاتب، الذي أشار إلى دراسة بأوروبا أظهرت أن الدول التي تتبنى سياسات معادية للمهاجرين لا تكون محلا للعنف المعادي للمهاجرين لأن الناس يعتقدون باستجابة النظام لمطالبهم.
ولهذا، يجد المتطرفون صعوبة في استغلال غضبهم في تلك الدول، ولكن الخطر يصبح أكثر حدة عندما تشعر الحركات أن مطالبهم أحبطت بعملية سياسية سلمية، عبر انتخابات يرون أنها سرقت مثلا، مما سيقنع أتباع الحركات أن النظام تخلى عنهم ولم يلب مطالبهم.
ونظرا لاستشراء نظريات المؤامرة بين أتباع ترامب المتشددين، فإن ذلك يجعلهم خطيرين ولا يمكن التكهن بتصرفاتهم.
وطالما تبنى ترامب نظريات كهذه وسيواصل الإيمان بها كرئيس سابق، وربما دفعت هذه النظريات مجموعة صغيرة للخروج عن الخط واستهداف من ترى أنهم أعداء مثل الصحفيين والسياسيين.
وستكون ثمار بذور عدم شرعية الانتخابات التي زرعها ترامب قبيحة في المستقبل، وعلى الولايات المتحدة التحضير لعنف واضطرابات أخرى في الأشهر والسنوات المقبلة، وفق الكاتب.
ويمكن لشركات التواصل الاجتماعي لعب دور مهم في إحباط عمليات التضليل، والشركات الكبرى باتت حذرة من دعاية “تنظيم الدولة”، على سبيل المثال، وبدأت بالمثل باتخاذ التحركات لمنع دعاية جماعات التفوق العرقي الأبيض والحركات “الإرهابية المحلية”.
وفي النهاية، يتوجب على تلك الشركات أن تزيد من جهودها لمواجهة التطرف الأميركي وبخاصة عندما تحصل على دعم رئيس، حيث تكون خطواتها محفوفة بالمخاطر.
واتخذت شركات فيسبوك وتويتر ويوتيوب خطوات لحظر منشورات ترامب أثناء الأزمة وعليها أن تكون جاهزة للأزمات المقبلة، وعليها العمل مع قوات فرض النظام لتحديد أشكال العنف أو توقع العنف وقتله في مهده، بحسب بيمان، مضيفا أن رفضا كاملا لترامب وحركته من الحزب الجمهوري ربما يشكل عاملا مساعدا في هذا الإطار.
وتابع الكاتب بالقول إنه علينا ألا نعول على دعم الجمهوريين، فمع رفض وشجب عدد من المسؤولين الكبار في الحزب لترامب إلا أن هناك الكثير من الذين يحاولون البقاء على جانبه وتحدثوا عن “تجاوزات انتخابية” ويرفضون العنف في الوقت نفسه.
وبالنسبة لعدد من دعاة نظريات المؤامرة وأتباع ترامب المؤمنين بما يقول، فالانتخابات غير الشرعية تبرر العنف. ولكن عندما يلعب المشرعون بالنار يحترق الجميع.انتهى
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق