الكنيسة الأرثوذكسية ملك لأبنائها.. هل يتغاضي الشعب الفلسطيني عن تهويد الكيان للقدس العربية
عجّت المواقع الإخباريّة بالصفقة الصهيونيّة الجديدة لنهب أملاك الكنيسة الأرثوذكسية في فلسطين، وتتحدث المصادر أنّ حكومة العدو بعد إعلانها إعادة العمل في مخطط مشاريع سكنية استيطانيّة في منطقة تل المطار، وبعد الاطلاع على الخرائط، تبين أن الأراضي الواقعة في المنطقة هي ضمن الاستهداف الصهيونيّ، وأنه تم تسريب 110 دونمات من أراضي دير مار الياس التي تمتد من جهة الدير على الشارع الرئيس بين مدينتي القدس وبيت لحم، لمصلحة شركات صهيونيّة شريكة في صفقات أخرى تم من خلالها تسريب أراضٍ وعقارات سابقاً.
صفقة جديدة
تعد الصفقة الجديدة امتداداً لصفقة عام 2009، وتهدف إلى إقامة وحدات سكنية وفنادق ومرافق سياحية من شأنها تهديد الاقتصاد السياحيّ لمحافظة بيت لحم مستقبلاً، علماً أن المحامي الذي يمثل البطريركية هو نفسه الذي يمثل الشركة الصهيونيّة التي قامت بإبرام الصفقة وعنوانها هو عنوان مكتبه نفسه، فيما أشارت مواقع إخباريّة إلى أنّ الصفقة الجديدة لمصلحة شركة “تلبيوت هحدشاه” الصهيونيّة التي تهدف من إقامة الوحدات السكنية والمرافق السياحية إلى عزل العرب الأرثوذكس عن الأوقاف المسيحية في بيت لحم.
وقد أثارت الكنيسة جدلاً واسعاً من خلال قيامها ببيع أو رهن أو تأجير بعض من أصولها وممتلكاتها بقيمة 125 مليون شيكل أي نحو 40 مليون دولار للحصول على أموال جارية بذريعة تسديد التزاماتها المالية، في بلد قابع تحت استبداد الاحتلال ويسعى فيه المستوطنون للسيطرة والاستحواذ على كل شبر من فلسطين، في الوقت الذي تتم فيه تلك الصفقات بشكل سريّ وغامض، ناهيك عن أنّ منفذي تلك الصفقات هم رجال دين متنفذون ليسوا أصلاً من أبناء فلسطين، لا يهمهم المستفيد أو المشتري، وهدفهم الأول والأخير تغذية حساباتهم المصرفية في البنوك الأجنبيّة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ الكنيسة الأرثوذكسية في فلسطين شكلت أحد أعمدة الوجود المسيحيّ المتجذر تاريخياً في المنطقة، حيث إنّ أكثر من 51% من مسيحيي فلسطين يتبعون كنيسة الروم الأرثوذكس التي تأسست في مدينة القدس عام 52 ميلادي، ويرأسها رجال دين يونانيون منذ العام 1534 رغم أن أكثر من 90% من رعاياها هم من الفلسطينيين العرب، في الوقت الذي تمتلك فيه الكنيسة الأرثوذكسيّة أكبر الكنائس في فلسطين وفق سجلاتها، وما يقارب من 35% من مدينة القدس وربع البلدة القديمة، وعقارات في المدن الفلسطينيّة الكبرى والتاريخيّة تشمل أراضٍ شاسعة وأديرة ومقابر، أوقفها أصحابها لمصلحة الكنيسة خلال فترة الاحتلال العثمانيّ خوفاً من مصادرتها واعتبارها أراضي دولة.
ومن الجدير بالذكر أنّ استهداف الأوقاف والعقارات الفلسطينيّة بدء من أواخر الحرب العالمية الأولى التي امتدت بين 28 يوليو 1914 وانتهت في 11 نوفمبر 1918، وبشكل مركز منذ عام 1948 من جانب سلطات العدو الغاصب والهيئات والجماعات الصهيونية، إذ تم بيع قسم كبير منها كما حدث مع المقبرة وأراضي دير مار سابا في بيت لحم وأراضي جبل أبو غنيم التي تحولت مستوطنة في القدس، وجرى تأجير قسم آخر لفترة طويلة جداً (قرن من الزمن) كما حدث مع المسكوبية أكبر مأوى لحجاج القدس من “المسكوب” أو أهل موسكو التي تحولت إلى أسوأ غرف للتحقيق ومعتقل لشرطة الكيان المجرم.
وفي هذا الشأن، ينص القانون الكنسيّ على أنّ كل الأوقاف والمقدسات تعود للكنيسة، والبطريركية هي بمثابة هيئة إداريّة يفترض بها أن تدير شؤون الكنيسة الدينيّة والأوقاف لمصلحة أبناء الكنيسة، ويعتبر ذلك القانون منذ تشريعه ولغاية اليوم أنّ الأموال المنقولة وغير المنقولة والموقوفة والمقدسات هي ملك لله، وليس للرهبان وينص على إدانة ومعاقبة كل من يبيع ويسيء التصرف بهذه الأوقاف لمصلحة الجهات الزمنيّة.
ومن الضروري التذكير بأنّ الصفقة التي تم الحديث عنها مؤخراً، تضاف إلى رصيد بطريرك المدينة المقدسة وسائر فلسطين، كيريوس ثيوفيلوس الثالث، الذي أبرم منذ انتخابه عام 2005 نحو 13 صفقة معلنة، فيما تم عزل البطريرك الذي سبقه، البطريرك ايرينوس الأول، الذي سبق أن اتخذ قرارات مماثلة لتسريب أملاك الكنيسة، بينها الصفقة المعروفة بـ “باب الخليل” وصفقة “دير مار الياس”، بعد أن اتضح منحه المسؤول المالي للبطريركية نيكولاس باباديموس توكيلاً بالتصرف بأملاك الكنيسة كافة، والذي بدوره توارى عن الأنظار بعد اكتشاف الأمر، ولم تتمكن أي جهة من معرفة أو حصر الصفقات والعقود التي أبرمها خلال فترة حيازته التفويض.
علاوة على ذلك، فإنّ سبب الشرخ الكبير مع الرعية العربيّة الأرثوذكسيّة وأخطار فقدان السيطرة على الأوقاف، هو التفريط المستمر في أوقاف الكنيسة وتسريب عقاراتها وأملاكها من جانب الأكليريوس اليوناني القائم على شؤون البطريركية، في ظل المواقف الهزيلة للسلطة الفلسطينيّة برئاسة محمود عباس، والحكومة الأردنيّة اللتين آثرتا تغليب مصالحهما السياسية مع الكنيسة، والتعامي الفاضح عن السيطرة اليونانيّة وما يحدث من فساد وفشل كبير في الإدارة، إضافة إلى عدم رغبتهما في اتخاذ مواقف حازمة تجاه هذا الموضوع، في ظل غياب التحري والتحقيق في طبيعة هذه التسريبات لتقديم المجرمين إلى القضاء.
سحب اعتراف
بسبب تماديه في عقد صفقات التفريط بأوقاف الكنيسة الأرثوذوكسيّة في فلسطين، دعا المجلس المركزيّ الأرثوذكسيّ في فلسطين قبل أيام، إلى عزل بطريرك الروم الأورثوذكس ثيوفيلوس الثالث وسحب الاعتراف منه، وقال المجلس في بيانه أنّ البطريرك ثيوفيلوس أطل على الفلسطينيين بصفقة جديدة لتحويل مباني دير مار إلياس المقامة على أراضي بيت جالا المحتلة إلى فندق، تشرف عليه وتديره شركة قبرصيّة مجهولة الهوية، وتتولى أعمال الإنشاء فيه شركة صهيونيّة معروفة بتورطها في صفقات تسريب أوقاف عقاريّة فلسطينيّة.
من ناحية أخرى، اعتبر المجلس أنّ من يقومون بهكذا صفقات هم أشخاص فاسدون ولا يقيمون وزناً ولا اعتباراً لمحافظة بيت لحم وتاريخها واقتصادها وفضلوا أن يكونوا تجار عقارات، معبراً عن حزنه وغضبه وقلقه من جراء استمرار البطريرك ثيوفيلوس الثالث وعناده على نهج الفساد والإفساد، من خلال التصرف والتفريط بأوقاف الكنيسة الأرثوذكسيّة في فلسطين.
وقد جاءت دعوات عزل البطريرك ثيوفيلوس بعد اتهامه بالتفريط بمقدرات الكنيسة للصهاينة، عقب قراره الذي اعتُبر بمثابة استكمال لمسار التفريط بكل أراضي دير مار إلياس، خاصة وأنّه سبق وأبرم صفقة مع شركة “تلبيوت هحدشاه” الصهيونيّة بواقع 73 دونماً لإقامة وحدات سكنيّة وسياحيّة وتجاريّة عليها.
وفي الوقت الذي لم تعقب فيه بطريركية الروم الأرثوذكس على القضية، يرى المجلس المركزي الأرثوذكسيّ أن هذه الصفقات شراكة مع الاحتلال في تهديد القدس وبيت لحم وعزلهما عن بعضهما بحاجز استيطانيّ وسياحيّ، لمصلحة العدو الصهيونيّ وجمعيات المستوطنين.
وجدد المجلس تأكيده على المقررات الوطنية السابقة بضرورة عزل البطريرك ثيوفيلوس الثالث وسحب الاعتراف به، وعدم التعامل معه أو استقباله في أي موقع ومناسبة، لأنّه يتنكر للأمانة والوطن ويخالف تعاليم السيد المسيح ورسله، ويصر أن يكون تاجر عقارات ورجل أعمال بثوب دينيّ، ويعمل على ذبح اقتصاد مدينة مهد السيد المسيح.
في الختام يدرك الشعب الفلسطينيّ أنّ الكنيسة ملك لأبنائها وليس للفاسد المستعمر الذي يتآمر على الكنيسة وفلسطين، وعلى حقوق الشعب الفلسطينيّ عامة، لهذا لا بد للقوى الوطنيّة الفلسطينيّة أن تضع حداً لمسربي الأوقاف الذي يساعد الكيان الصهيونيّ الغاشم بشكل مباشر في تهويد القدس، ونهب أراضي الفلسطينيين من خلال العملاء الأجانب، بما يتماشى مع المخطط الصهيوني، لذلك يجب على الفلسطينيين أن يكونوا يقظين وحذرين من أعداء بلادهم وأن يسنوا قوانيناً تمنع بشكل مطلق بيع مثل هذه المواقع التاريخيّة الفلسطينية.
المصدر/ الوقت