الإمارات تشعل فتيل الأزمة الخليجيّة من جديد.. ما هو الرد القطريّ
كما كان متوقعاً، لم تنتهِ الخلافات العميقة بين الدول الخليجيّة بعد إعلان عودة المياه إلى مجاريها إعلاميّاً مع النظام الإخوانيّ في قطر وإعادة الدوحة إلى الحضن الخليجيّ، فالحرب الشعواء بين تلك الدول أكبر مما يتخيل البعض، خاصة بين قطر والإمارات المتناقضتين فكريّاً وسياسيّاً، والدليل على ذلك ما قاله وزير الدولة الإماراتيّ للشؤون الخارجية أنور قرقاش، قبل يومين، حول أنّ عملية إعادة العلاقات الدبلوماسيّة الكاملة بين أبوظبي والدوحة، ستستغرق وقتاً وستعتمد على تعاملات قطر المستقبليّة مع إيران وتركيا والجماعات الإسلاميّة، بحسب شبكة “CBS” الأمريكيّة، فيما أثارت التصريحات الإماراتيّة غضب الدوحة لتبدأ من جديد حرب التصريحات بين البلدين.
مشكلات عميقة
ادعت الإمارات على لسان وزير الدولة الإماراتيّ للشؤون الخارجية أنور قرقاش أنّ أبو ظبي تنظر بإيجابيّة لإعادة العلاقات مع قطر، على خلفية التوقيع على “اتفاق العُلا” خلال القمة الخليجية الأخيرة بالسعودية، لكن الوزير الإماراتيّ أكّد في تصريحاته ما ذكرته تقارير حول أنّ المشكلات العميقة بين الدول الخليجيّة لم تنتهِ إلى غير رجعة، وبالتحديد بين قطر والإمارات.
وعلى ما يبدو فإنّ الادعاءات الواهية بأنّ صفحة الخلافات بين الدول الخليجيّة قد طويت لا تعدو عن كونها دعاية فاشلة، فأيّ خلافات تلك التي تنتهي بمجرد لقاء أو تصريح أو إعلان عودة للعلاقات بعد مقاطعة دامت لسنوات، وهذا ما أيّدته التصريحات الإماراتيّة المتمسكة بتنفيذ شروطها من قبل قطر لإعادة العلاقات الدبلوماسيّة الكاملة بينهما.
وفي هذا الشأن، تتوقع الإمارات أنّ إعادة العلاقات مع قطر ستستغرق وقتاً طويلاً وستعتمد بشكل مباشر على تعاملات الدوحة المستقبليّة مع الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة وتركيا بالإضافة إلى الجماعات الإسلاميّة التي يدعمها النظام الإخوانيّ القطريّ، وكما نعلم فإنّ الإمارات لم تستطع تعطيل المصالحة الخليجيّة هذه المرة بسبب الرغبة الأمريكيّة في إتمامها وأبو ظبي بالطبع نفذت أوامر واشنطن دون قيد أو شرط، لكنها في الوقت ذاته عطلت قطار سير المصالحة الخليجيّة بعد أقل من أسبوع على الاتفاق الخليجيّ.
ومنذ أن أعلنت دولة الكويت عن وجود تفاهمات لإنهاء الأزمة الخليجيّة، أو ما يعرف بـ “مقاطعة قطر” أو “الحصار الرباعيّ” على الدوحة، كان واضحاً عدم الرضا الإماراتيّ عن فصول تلك المصالحة، ولم يصدر عنها قبل الاتفاق أيّ تصريح رسميّ حول هذا الموضوع حيث صمتها كان يشير إلى رفض ما جرى بشكل واضح رغم إعلان الإمارات عقب المصالحة عن موعد عودة حركة النقل والتجارة مع قطر، حيث قال قرقاش الخميس المنصرم أن دول الخليج تتوقع فتح مجالها أمام قطر، واستئناف التجارة مع شركة الغاز الطبيعيّ، في غضون أسبوع من توقيع الاتفاق في مدينة العُلا شمال غرب السعودية يوم 5 يناير/ كانون الثاني، والتي شهدت الإعلان عن انتهاء الأزمة الخليجية التي استمرت منذ 2017 بين قطر من جهة وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، من جهة أخرى.
المطالب الإماراتيّة
في حديث مع شبكة “CNN” الأمريكية، قبل أيام، كشف وزير الدولة الإماراتيّ للشؤون الخارجية أنور قرقاش، مصير المطالب الـ13 للتصالح مع قطر، وتحدث أنّ بلاده وضعت ثقتها في السعودية لقيادة العملية التفاوضيّة، في الوقت الذي كانت فيه المطالب الـ13 تعبر عن الحد الأقصى للموقف التفاوضيّ.
ومع بدء الأزمة غير المسبوقة التي شهدتها المنطقة الخليجيّة في 5 يونيو/ حزيران عام 2017، بعد أن قاطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر الدوحة وفرضت حصارا بريّاً وجويّاً وبحريّاً على قطر، بسبب اتهامات بدعمها للإرهاب، دعت الدول الأربع وقتها قطر إلى تنفيذ 13 مطلباً لاستعادة العلاقات، أهمها إغلاق قناة “الجزيرة” الإخباريّة المعروفة بأنّها أداة قطر الدعائيّة لتصفية الحسابات، وتخفيض العلاقة مع إيران، وقطع العلاقات مع جماعة “الإخوان المسلمين”.
وفي هذا الخصوص، تزعم الإمارات أنّ الفكرة الأساسيّة للمطالب كانت لمحاولة وضع قواعد تمنع قطر من التدخل في الشؤون الداخليّة، وهنا يذكر الوزير قرقاش، أنّ ما وصلت إليه الدول الخليجيّة هو الخطوط العريضة العامة التي تحكم بشكل أساسيّ العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجيّ، وفي حالة مصر أيضاً وهي عضو في جامعة الدول العربيّة.
وفي ظل الرفض الإماراتيّ لعودة العلاقات مع قطر الإخوانيّة، عبر المسؤول الإماراتيّ عن رضا بلاده لما توصلت إليه الدول الخليجيّة، قائلاً: “نريد ننظر إلى المستقبل والبناء على الاتفاق والتأكد من أنّ دول مجلس التعاون في هذه المنطقة المضطربة للغاية هي أكثر صلابة وتوحيداً وتتطلع للمستقبل بانسجام تام”.
وبحسب ما ذكره الوزير قرقاش، فإن “اتفاق العلا” شمل القضايا التي تمس الدول الخليجيّة، بما في ذلك التطرف والإرهاب، والعمل معًا للمضي قُدمًا، زاعماً أنّ بلاده تثق بأن هذا الصدع التخريبيّ الذي مرت به دول مجلس التعاون الخليجيّ يجب ألا يتكرر، وذلك من خلال الشفافية والعمل معًا لمعالجة القضايا.
ومن الجدير بالذكر أنّ أمين عام مجلس التعاون الخليجيّ، نايف فلاح الحجرف، أعلن توقيع قادة دول مجلس التعاون الخليجيّ البيان الختامي للقمة الـ41 و”بيان العلا”، واللذان تضمنا التأكيد على وحدة الصف وتعزيز التعاون المشترك، كما أعلنت الكويت، الإثنين المنصرم، أنّ السعودية وقطر اتفقتا على إعادة فتح الأجواء والحدود البرية والبحرية بين البلدين، فضلا عن معالجة كافة المواضيع ذات الصلة، في إشارة إلى تداعيات الأزمة الخليجيّة.
رد قطريّ
في رد مباشر على التصريحات الإماراتيّة التي أزعجت قطر، قال مدير المكتب الإعلاميّ لوزارة الخارجية القطريّة، أحمد الرميحي، في تغريدة له على تويتر الجمعة الفائت، أنّ بلاده لن تلتفت إلى ما أسماها “المحاولات الهامشية” لتعكير صفو الأجواء الإيجابيّة للمصالحة الخليجيّة، في إشارة إلى أبوظبي، معتبراً أنّ تلك المحاولات السعية لتعكير صفو الأجواء الإيجابيّة للمصالحة الخليجيّة كانت متوقعة.
وعلى الرغم من محاولة قطر التقليل من شأن التصريحات الإماراتيّة، بقولها: “لن نلتفت إلى تلك المحاولات، ولدولة قطر نظرة إيجابيّة لمستقبل الخليج ووحدته ووحدة مصيره”، إلا أنّ أبو ظبي أغضبت الدوحة بالفعل وجعلتها ترد بتلك اللهجة، حيث عبر الرميحي عن أسفه بأن يرى مسؤولًا مثل وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، يصرح بشكل لا يليق بمستوى الجهود التي بذلت لتحقيق المصالحة الخليجيّة.
بعد إعلاميّ
أخذت “المصالحة الخليجيّة” بالفعل بعداً إعلاميّاً أكثر من كونه سياسيّاً، فما حصل بين تلك الدول هو تخفيف لحدة التوتر ليس أكثر، ولا يعدو عن كونه “مصالحة إقليميّة” واسعة النطاق، فيما تشكك تحليلات سياسيّة في أن تشهد المنطقة تكثيفاً مفاجئاً للتعاون بين الدول الخليجيّة التي فشلت حتى في جعل قدراتها العسكريّة متوافقة منذ 40 عاماً، والتي لها مصالح وسياسات متباينة تجاه القوى الخارجيّة.
وقد شكلت الإمارات “حجر الزاوية” في إشعال فتيل الأزمة بين الدول الخليجيّة وتصعيدها، وأفشلت المصالحة من قبل وسعت لإفشال جهود التوصل إلى حل الأزمة الخليجية الأخيرة لكنها اصطدمت برغبة الرئيس الأمريكيّ المنتهية ولايته دونالد ترامب، في إنهاء الأزمة الخليجيّة للضغط على طهران، فيما تخيم حالياً أجواء من انعدام الثقة بين الدوحة من جهة، وأبوظبي والقاهرة والمنامة من جهة أخرى، خاصة عقب سنوات من الحرب الإعلاميّة الضروس بين الجبهتين والعداء الكبير والمكثف بينهما.
وفي أعقاب هذا الصراع لا بد من التذكير أنّ ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، سعى بقوة لإنهاء قطيعة بلاده لقطر الغنية بالغاز لضرب عصفورين بحجر واحد، وذلك من خلال كسب ود الإدارة القادمة للرئيس الجديد جو بايدن من جهة لتصمت عن فضائحه وجرائمه ذات البعد الدوليّ، وتقديم ذكرى الوداع إلى صديقه المفضل دونالد ترامب الذي حول المملكة إلى “بقرة حلوب” في عهده، من جهة ثانية.
المصدر / الوقت