خلافات كبيرة بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان.. إلى أين تتجه العلاقة بين البلدين
يوماً بعد آخر، تتعمق الخلافات السياسية بين الإمارات والسعوديّة، وتتزايد الصراعات الشخصيّة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وقد وصلت تلك الخلافات في الفترة الأخيرة لدرجة الإهانة المقصودة من قبل أبوظبي للرياض، وأظهرت الفترة الأخيرة الماضية بالتحديد، مدى عمق الخلافات بين حاكميّ البلدين الفعليّين، وتحدثت بعض التحليلات السياسيّة أنّ محمد بن زايد حرص على توجيه إهانة مباشرة إلى محمد بن سلمان، من خلال عدة مواقف بينها العلاقة مع تركيا، وسحب وديعة باكستان، وتفجير مطار عدن اليمنيّ.
بيّن المغرد السعودي المعروف “مجتهد”، أنّ ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، يشعر بـ “الإهانة المقصودة” من قبل ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، في عدة قضايا حساسة وكبيرة، لافتاً إلى أنّ بن سلمان تحمس لمقاطعة تركيا إرضاء لابن زايد، واستخدم أمن الدولة، وعددا من الوزارات، إلى جانب الذباب الإلكترونيّ – حسابات وهميّة على مواقع التواصل الاجتماعي ذات أهداف سياسيّة بحتة – لمنع التبادل التجاريّ مع تركيا، أما الأخير فقد انفتح على تركيا اقتصاديّاً، وسياحيّاً، وافتتح هناك عدداً من المجمعات التجاريّة وسلاسل المطاعم، وكأنه يقصد التلاعب بابن سلمان.
وفي هذا الشأن، اعتبر “مجتهد” أنّ المواقف في قضايا العلاقة مع تركيا، وسحب وديعة باكستان، وتفجير مطار عدن اليمنيّ كان يفترض أن تجعل من محمد بن زايد عدواً لمحمد بن سلمان، الذي يعامل ابن زايد معاملة التلميذ للأستاذ والمريد المحب لشيخه والمستسلم له، فيما تلقى محمد بن سلمان صفعة لا مثيل لها نتيجة سياساته الصبيانية كما يقول محللون.
ويشير المغرد الشهير إلى أنّ اندفاع محمد بن سلمان لخدمة مشروع التطبيع كان لمجاراة محمد بن زايد، وضغطه على عدة دول منها باكستان لإقامة علاقة دبلوماسيّة مع الكيان الصهيونيّ الغاصب، وحين رفضت إسلام أباد إعادة وديعة الـ ٢ مليار في الوقت الذي ظن فيه ولي العهد السعودي بأنّ يدعم برنامج ابن زايد، تفاجأ بأن محمد بن زايد يتفاوض مع الباكستانيين لتعويضهم عن تلك الوديعة.
أكثر من ذلك، فإنّ أكثر ما أغضب محمد بن سلمان ودمر نفسيته هو تفجير محافظة عدن الذي حدث في مطار المدينة الدولي، قبل أقل من أسبوعين، بالتزامن مع هبوط طائرة على متنها أعضاء الحكومة الجديدة المدعومة من السعودية، حيث ثبت لديه أن للإمارات لها اليد الطولى فيه رغم تحميله المسؤولية للحوثيين، فيما كان ابن سلمان قد تأمل أن تعيين الحكومة الأخيرة في الرياض يمكن أن يشتري به بعض الوقت قبل استلام الرئيس الأمريكيّ الجديد، جو بايدن فإذ بالحادث ينسف آماله، فكانت طعنة في الظهر، وفق وصف المجتهد.
ومن المثير للاهتمام أنّ تلك المواقف من قبل محمد بن زايد تحصل رغم أنّ محمد بن سلمان قدم له أهم تنازل قبل ذلك، ومنها جزء كبير من حصة المملكة من النفط بعد اتفاق اوبك مع روسيا، وظن ولي العهد السعوديّ أن ابن زايد سيحفظ له هذا الفضل فقد باع البلاد ومقدراتها من أجله فإذا به يتلقى منه اللكمات والإهانات بشكل غير محدود.
وعلاوة على ما تقدّم، فإنّ المقربين من محمد بن سلمان يقولون إنه لم يظهر منه حتى الآن أيّ بادرة لتغيير موقفه سياسيّاً وأمنيّاً، رغم غضبه الشديد من ابن زايد، ويبحثون عن تفسير لهذا العجز، مع أنهم يرجحون أنّ ابن زايد مُمسك بكل تفاصيل قوة بن سلمان ونفوذه بما في ذلك أمنه الشخصيّ وأسراره الخطيرة وعلاقاته الحساسة.
وما ينبغي ذكره أنّ الإمارات لم تصغِ للسعودية فيما يتعلق بما تسمى المصالحة الخليجيّة بعد تراجع الرياض عن مواقفها بعد بضعة سنوات على قرار المقاطعة العربيّ لقطر، وكان واضحاً بشكل كبير من التصريحات الإماراتيّة أنّ أبو ظبي لا ترغب أبداً في ردم الهوة مع قطر، وإنّ اشترك البلدين في النظر إلى تركيا (الحليف الإخوانيّ لقطر) بوصفها تهديداً حقيقيّاً لأمن الدول الخليجية لم يمنع الإمارات من الانخراط مع أنقرة في تحالف اقتصاديّ قويّ فيما لم تتجاوز الرياض موضوع “كسر الجليد” في العلاقات التركية – السعودية، كذلك فإنّ انخراط الإمارات والسعوديّة في الحرب على اليمن فيما يسمى “التحالف العربيّ”، لا يعني عدم وجود “فجوة سياسيّة” كبيرة بينهما في الكثير من ملفات هذا البلد الذي وقع ضحية في أنياب جيرانه.
وبغض النظر عن الاختلاف بين البلدين حول ليبيا ودعم العقيد المتقاعد، خليفة حفتر، وغيرها من الملفات، لم تتبع الإمارات السياسة السعودية بما يخص إيران التي تعتبرها السعودية “العدو اللدود”، حيث حافظت ولا تزال على “شعرة معاوية” مع طهران، في الوقت الذي يقيم على أراضيها أكثر من نصف مليون إيرانيّ، ويمتلكون الكثير من المؤسسات والشركات، ما يعني مليارات الدولارات من التجارة المتبادلة، ناهيك عن الاتصالات الدبلوماسية المتبادلة، بعكس السعوديّة التي فتحت حرباً ضروساً مع الجمهوريّة الإسلاميّة ولم تترك للصلح مطرحاً كما يقال.
في النهاية، تتجه العلاقات الإمارتيّة – السعوديّة نحو التأزم الأكبر بشكل واضح، وإن لم يظهر حجم الخلاف الكبير بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد على السطح، إلا أنّ الوقائع تشير إلى مدى اتساع الفجوة السياسيّة والشخصيّة بينهما، في ظل اختلافهما الشديد حتى على الملفات التي يتشاركان فيها، ما يوحي بأن عناوين الخلاف بين السعوديّة والإمارات ستزداد بقوة في المستقبل القريب، وقد تصل إلى حد لا يمكن تخيله مع استمرار أبو ظبي بتوجيه الإهانات للرياض.
المصدر / الوقت