التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

أسباب استقالات متكررة لحكومات الكويت 

عادة، لا يمكن لأي حكومة أن تمارس مهامها إذا لم تحز على ثقة أغلبية أعضاء البرلمان، بمعنى أنه بمقدور النواب التحرك ضد سياسة الحكومة وحجب الثقة عنها متى ما عجز الوزراء ورئيسهم عن تحقيق الطموحات وإنجاز المهام بأفضل الصور، ذلك أن عملية حجب الثقة تتأتى في المقام الأول للبرلمان بعدما يرى عدم أهلية الحكومة لمناصبها في التنفيذ، وعدم الأهلية غالباً ما تتمثل في عدم قدرة الحكومة القضاء على الفساد الإداري والمالي وخروقات في تطبيق القانون أو العجز في مواجهة حالات التدهور في قطاعات التعليم أو الصحة أو الصناعة أو الزراعة أو ما شابه، ما يؤدي بالنتيجة الى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلد.
في دولة الكويت، هناك النظام الأميري الذي يحكم البلاد كملكية دستورية، فالدستور الكويتي جعل للأمير سلطات فعلية ومؤثرة ما يوازيه بذلك من النظام الرئاسي، وعليه، فإن أمير البلاد يتولى سلطاته التنفيذية من خلال وزرائه، ما يوضح سبب تحول السلطة إلى حلبة صراع دائم بين طرفي المعادلة، البرلمان والحكومة، ما يؤثر سلباً في نسبة ثبات واستقرار الحكومة وأدائها.
إن الإشكال العسير الدائم في نظام الملكية الدستورية الذي تتخذ دولة الكويت منه منهجاً لها حالها كحال المغرب والأردن وغيرها، يتمثل في مصدر الشرعية التي يُمارس بموجبها العاهل صلاحياته، ولا سيما إذا كان نظام الحكم وراثياً حين يحظى فيها العاهل بقرار سياسي مستقل لا يمكن المساس به أبداً أو الاعتراض عليه.
إذن، فعلى هذا الأساس، يمكن لنا تعليل إعلان الحكومة الكويتية استقالتها على خلفية إعلان نواب في البرلمان الكويتي تأييدهم لاستجواب قدمه ثلاثة نواب منهم ضد رئيس الوزراء الذي لم يمض على تشكيل حكومته أكثر من شهر، مثيرة الحكومة بذلك علامات الاستفهام والحيرة لدى الرأي العام إزاء تجدد الصدامات مع البرلمان في مشهد ربما بات يشكل حالة طبيعية تحدث باستمرار في الدول العربية للخليج الفارسي، وهذا الأمر إن دلّ على شيء إنما يدل أن الوضع الداخلي لدول الخليج الفارسي العربية يفتقد إلى لغة الحوار المفتوح، فتشوبه نزاعات ومن ثم استقالات، فيؤول، الوضع، إلى تمخض سريع لوضع جديد وحكومة جديدة ووزراء جدد، كسراً للجدال وحسماً للنقاش.
بالأمس، رفع رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح، خطاب استقالة حكومته، إلى أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح، الذي وافق دون تردد، لتضاف حالة استقالة الحكومة هذه، إلى سجل الاستقالات التي سبقتها في الأعوام 2013، 2017، 2019 على سبيل المثال. وأغلب أسباب الاستقالات كانت تتمحور كالعادة بشأن استجوابات يتقدم بها مجلس الأمة الكويتي لوزراء أو لنائب أو رئيس الوزراء، وفي لائحة الاستجواب الحالية، وجّه نواب ينتمي أغلبيتهم لتيار المعارضة، اتهامات إلى رئيس الوزراء بمخالفته أحكام الدستور عند تشكيل الحكومة وعدم مراعاته اتجاهات المجلس، إضافة إلى تقديم برنامج عمل فوري طبقاً للمادة 98 من دستور البلاد، وبعد موافقة أمير البلاد على طلب رئيس الوزراء استقالة الحكومة، أصدر الأمير من جديد مرسوماً بتشكيل حكومة جديدة بعدما أعاد تعيين الشيخ صباح الخالد الصباح رئيساً للمجلس مرة أخرى ليتمكن من تشكيل حكومته بوزراء جدد، وهذا هو السبب الذي طالما يتكرر فيكرر أيضاً تجربة فاشلة، أي إن الكويت كدولة، تعيش، بنمط واحد ونهج ثابت دون إفساح المجال للتعلم من أسباب فشل الحكومات السابقة في أداء واجباتها التنفيذية، والتي انحسرت في دائرة الملفات الاقتصادية بالدرجة الأولى ومشاكل التعليم بالدرجة الثانية، وأسباب أخرى.
ومع تكرار حالة الاستقالات لحكومات الكويت، يضع بعض المعنيين والمتابعين بعض الحلول للخروج بدولة الكويت من بوتقة الصراع الذي بات عنواناً مشتركاً بين الحكومة والبرلمان، ومنها: ضرورة التعاون وبسط حالة الانسجام بين الحكومة والبرلمان، فلا مجال للمناكفات في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، ومحاولة وضع الأسس الصحيحة التي من شأنها إنقاذ دولة الكويت من أزمته الاقتصادية التي حلّت به بسبب تهاوي أسعار النفط، لذلك وفي خلاف هذه الحلول، بدأ مجلس الأمة أزمة مبكرة مع الحكومة حين أقدم في السادس من يناير كانون الثاني الجاري على استجواب رئيس الحكومة متهماً إياه بعدم التعاون مع البرلمان، لكن رئيس الحكومة لم يستجب لطلب المجلس، ما أدى الى تأزم الوضع الداخلي للكويت وفتح الباب مرة أخرى على مصراعيه للدخول في خضم الصراعات وتصفية الحسابات وافتعال الأزمات، والتي على حد قول أمير البلاد: قد أصبحت محل استياء وإحباط المواطنين وعقبة أمام أي إنجاز.
مصادر مقربة أكدت بأن الشيخ صباح الخالد الصباح سيأخذ وقتاً جيداً هذه المرة لاختيار أعضاء حكومته الثالثة والمرجح الإعلان عنها في مارس آذار المقبل، ولكن هل ستسلم جرة الحكومة الثالثة من أيادي البرلمانيين، أم يتحتم على الدول التي تنتهج الملكية الدستورية أن تحذو حذو دول الجوار على أقل تقدير في تأسيس دستورها والمضي نحو جعل أركان دولتها قوية ومتينة لا تهزها مزاجات ولا أهواء أعضاء في برلمانات وصلوا لمناصبهم عن طريق التوريث الأعمى.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق