حناجر شعب البحرين تصدح بالحق.. فهل سترضخ الحكومة
المؤامرات البغيضة التي تحاك عند خلط الأوراق لتمرير وإخفاء التواطؤات، هي الخيانة العظمى التي طالما حرص الكثير من حكام وملوك العرب على ممارستها تلبية لنوازعهم وشهواتهم والإذعان لغرائزهم، هذه الخيانة التي لا يحتاج بعدها الى اقتتال مع العدو لإعلان الهزيمة، تماماً مثلما قال الأديب والمسرحي سعدالله ونوس: فكم من مرة هزمتنا الخيانة دون قتال.
فهذا العدو اللقيط، الكيان المحتل، لو اجتمعت له من كل دولة عربية كف واحدة لضربه، لمات في لحظة، ولو اتفقت هذه الدول على مقاطعته، لمات في حسرة، ولكن عندما يمرر له البعض من خونة الأمة خطابات التصالح والتسامح وإعلان التعاون والاتفاق على حساب الضمير والأخوة والانسانية، سنجد هذا اللقيط وبكل تأكيد، وقد بات يسري في عروق الأمة ويمتد بين شرايين الأرض.
النظام الخائن في البحرين، أسوة بمن لحق بقطار الخيانة، لم يبخل في إعلان مؤامرته الدفينة والتصافح مع أيادي ممن عاثوا بأرض فلسطين فساداً ليملأ تاريخه بالصفحات السود التي سطرت كلماتها بأحقر المفردات وأرذل المعاني.
فلقد كشفت الخارجية الصهيونية بالأمس عن تعيين قائم بأعمال سفارتها في البحرين وذلك نتيجة لتسارع وتيرة التطبيع للعلاقات بين تل أبيب والمنامة. وقالت الوزارة في حسابها على تويتر إن القائم بأعمال السفير الإسرائيلي في البحرين هو إيتاي تاغنر، وأضافت أن تاغنر اجتمع مع وكيل وزارة الخارجية البحرينية للشؤون الدولية عبد الله بن أحمد آل خليفة. وأشارت إلى أن الدبلوماسي الإسرائيلي المعين في المنامة عبّر للمسؤول البحريني عن تقدير مسؤولي الكيان للسياسة التي حسبما زعم بأنها الحكيمة والرائدة لمملكة البحرين والتي، حسب ادعاء الكيان، ستسهم في تعزيز أمن وازدهار المنطقة.
نعم، هي حقاً ستسهم، ولكن في تعزيز طبيعة العلاقات المشبوهة، وفي ازدهار التواطؤات وتحقيق الخيانات، وهذا يتوضح حين نطالع ونتابع رفض أبناء البحرين لهذه المواقف المشينة عندما تظاهر عدد من الناشطين منهم رفضا لتعيين قائم بأعمال السفير الإسرائيلي في البلاد، واستنكارا للتطبيع مع تل أبيب.
وعلى هذا الأساس، نشرت جمعية الوفاق الوطني البحرينية مشاهد متعددة لمشاركين في المظاهرة حملوا لافتات ترفض التطبيع وتعتبر تعيين ممثل لإسرائيل في البحرين عملا استفزازيا، محذرين من سموهم الصهاينة، بأنهم لن يكونوا في مأمن على أرض البحرين، على حد تعبيرهم. وحمل المحتجون لافتات تندد بالتطبيع مع إسرائيل، وأظهرت الصور قيامهم بحرق الأعلام الإسرائيلية. وكتب على بعض اللافتات “إسرائيل ليست دولة، بل كيان غاصب مجرم”.
ومنذ توقيع اتفاق التطبيع برعاية أميركية تنامت العلاقات السياسية والاقتصادية بين البحرين وإسرائيل، ووقع الجانبان اتفاقات في مجالات مختلفة. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي زار وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني إسرائيل، واتفق مع مسؤوليها على تبادل السفارات ومنح تأشيرات للمسافرين من الجانبين. وبمناسبة توقيع اتفاق التطبيع في واشنطن ادعى ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة أن تطبيع بلاده العلاقات مع إسرائيل إنجاز تاريخي يساهم في دفع عملية السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
إن ادعاء ملك البحرين أن التطبيع مع الكيان الغاصب سوف يساهم بدفع عملية السلام قد توضَحَ وانكشف ادعاءه الزائف في صور الاحتجاجات التي عمت شوارع البحرين وهي ترفض وتدين وتهدد تعيين قائم بأعمال الكيان في البلاد، وقد تبرأ المتظاهرين الشرفاء من قرار التطبيع مع الاحتلال، وعبروا عن ذلك بالقول: نحن شعب البحرين بكل أطيافه، القرار (الرسمي بالتطبيع) لا يمثلنا. فبماذا سيدعي الملك الخليفي بعد ذلك؟
لم يكن المتظاهرون لوحدهم من رفضوا التطبيع وتعيين قائم بالاعمال صهيوني في أرض بلادهم، بل رفضت أيضاً من جانبها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية المعارضة ولتعلن بأن النظام الحاكم في البحرين بات يجبر جهات داخل البلاد على تأييد التطبيع مع إسرائيل، بل الضغط عليهم لإصدار مواقف مؤيدة للاتفاق مع الكيان الصهيوني.
وبهذا الخصوص، كتب الكثيرون وقالوا: يعيش النظام البحريني اليوم، حالة انفصال عن أغلبية شعبه من السكان الأصليين، ويفتقد لأية قاعدة دعم شعبية حقيقية، ويمنع الكثير من المواطنين من العمل في أجهزة الدولة، ويسيطر على البلاد بواسطة مؤسسة أمنية غالب أفرادها من الخارج، كما أنه يحمي حدوده وسيادته عبر الوجود الأميركي في الأسطول الخامس.
والتأريخ يذكر لنا أن علاقات النظام البحريني السرية مع الكيان الصهيوني تعود لفترات بعيدة، إذ بدأت سلسلة اللقاءات السرية في منتصف تسعينيات القرن الماضي بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993. لكن مستوى العلاقات تطور مع مطلع الألفية الجديدة ومجيء الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة إلى الحكم، إذ تولى ابنه وولي عهده الشيخ سلمان زمام محادثات دبلوماسية رسمية بين البلدين خلال قمتي المنتدى الاقتصادي العالمي في عامي 2000 و2003. فلا عجب إن شهدنا خيانات لنظام هذا البلد، خيانات ستأخذ به الى ناصية تاريخية مخزية، رفضها الشعب الأبي الشريف الذي قال كلمته وصار هو جوهر القضية وهو من يحدد المصير.
المصدر/ الوقت