التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, ديسمبر 27, 2024

وعود برفع السريّة عن تقرير للاستخبارات الأمريكية حول خاشقجي.. هل ستأخذ العدالة مجراها 

من جديد، تعود قضية الصحافيّ السعوديّ، جمال خاشقجي إلى الواجهة، بعد محاولات السعودية ممثلة بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، التنصل من جريمة تقطيع الصحافيّ المعروف، الذي كان مقيماً في الولايات المتحدة ويكتب في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكيّة، حيث تعهدت المرشحة لمنصب رئاسة جهاز الاستخبارات الوطنيّة الأمريكيّة، أفريل هاينس، قبل أيام، بتقديم ملف التحقيق في جريمة قتل خاشقجي إلى الكونغرس ورفع السريّة عنه، عقب قيام الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب بحظر نشره لسنوات بهدف حماية الرياض.

ذعر سعوديّ

من المؤكّد أنّ التصريحات الأمريكيّة الأخيرة قد أصابت ولي العهد السعوديّ بالذعر، حيث أكّدت المرشحة لمنصب رئاسة جهاز الاستخبارات الوطنيّة الأمريكيّة، أفريل هاينس، أنّها ستوافق على رفع السريّة عن ملف التحقيق في القتل الوحشيّ لجمال خاشقجي وإبلاغ الكونغرس الأمريكيّ عن المسؤولين عن قتله وفقا للقانون، وذلك خلال جلسة استماع تحضيرية للتصويت على الموافقة على ترشيحها للمنصب.

وفي هذا الصدد، بيّن السيناتور الأمريكي، رون وايدن، أن تعهد هاينز جاء بعد سنتين من القتال، من أجل الشفافيّة ومحاسبة المسؤولين عن الجريمة، ووصف ما حدث بـ “الأمر الكبير”، وقال: “أصبحنا أقرب ما يمكن إلى تحقيق العدالة لجمال خاشقجي”، في الوقت الذي يواجه ولي العهد السعوديّ على نطاق عالميّ، اتهامات بالمسؤولية عن قتل الصحافيّ السعوديّ في قنصلية بلاده باسطنبول في تشرين الثاني عام 2018.

يشار إلى أنّ هناك معلومات سربت من تقرير الاستخبارات المركزيّة الأمريكيّة تتحدث أنّ محمد بن سلمان مسؤول بشكل مباشر عن قتل خاشقجي، ومنذ ذلك الحين يحاول الكونغرس الأمريكيّ، إجبار إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، على الكشف عن النتائج التي توصلت إليها أجهزة الاستخبارات الأمريكيّة، لكن محاولاته باءت بالفشل، فيما أظهر تحليل نشره موقع مجلة “فورين بوليسي”، أنّ نشر تقرير وكالة الاستخبارات المركزيّة من شأنه أن يفي بوعود جو بايدن حول مساءلة قتلة خاشقجي.

وفي هذا الشأن، من غير الواضح ما إذا كانت إدارة بايدن ستنهي هذا الجدل أم لا، بعد قيام ترامب بحماية ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان لسنوات عقب جريمة قتل خاشقجي، رغم جهود الكونغرس المكثفة لمحاسبة القتلة، حيث عقد جلسات استماع عدة وأصدر قرارات تدين عملية القتل وتحمل ولي العهد السعودي المسؤوليّة عن تلك الجريمة.

يذكر أنّ أول رد فعل ملموس من إدارة ترامب على قضية خاشقجي، كان فرض وزارة الخزانة الأمريكيّة عقوبات على 17 سعودياً لدورهم في قتل خاشقجي، لكن ذلك تمكنت إدارة ترامب من حماية ولي العهد، رغم أنّ العديد من أعضاء الكونغرس اعتبروا أنّ ولي العهد لابد وأنه كان على علم بعمليّة تقطيع خاشقجي، لكن إدارة ترامب امتنعت عن الإقرار بذلك، وقد طلب الكونغرس عام 2019، من مدير الاستخبارات الوطنيّة الأميركيّ تسمية مَن أمر بقتل الصحافيّ السعوديّ عام 2018، لكن مدير الاستخبارات زعم أنّ المعلومات يجب أن تبقى سريّة لعدم إلحاق الضرر بما أسماه “الأمن القوميّ الأمريكيّ”.

ومن الجدير بالذكر أنّ الكونغرس مرر مشروعين في آذار وحزيران عام 2019، لمنع المساعدات العسكريّة الأميركية للسعودية، لكن ترامب استخدم حق النقض “الفيتو” دون سابق إنذار ضد كلا الإجراءين، ما حافظ على تدفق الأسلحة إلى النظام السعوديّ، وقد مرر الكونغرس في كانون الثاني 2019، أحكاماً تطالب الإدارة الأمريكيّة بتقديم تقرير علنيّ يحدد هوية الأفراد المتورطين في قتل خاشقجي، وقد لاقى مشروع القانون إجماعاً نادراً بين الحزبين الجمهوريّ والديمقراطيّ لمعرفة هوية القتلة، وهذا ما تجاهله ترامب.

علاوة على ذلك، قدم عضو الكونغرس الأمريكيّ ورئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، قدم آدم شيف، مشروع قانون حمل اسم “جمال خاشقجي” في أكتوبر 2020، لضمان أن تحاسب واشنطن مرتكبي عمليات القتل خارج نطاق القضاء وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ضد الصحفيين، لكن وبالرغم من الجهود الكبيرة للكونغرس، رفض مكتب الدفاع الوطنيّ الأميركيّ، رفع السرية عن تقرير قدمه مدير الاستخبارات يتضمن وفق تقارير إعلاميّة معلومات استخباراتيّة حول الدور المحوري لولي العهد في جريمة خاشقجي.

دعاوى قضائيّة

باعتبار أنّ الصحافيّ خاشقجيّ كان يقيم في الولايات المتحدة، فإنّ قضية تقطيعه ترتبط ارتباطاً وثيقاً بواشنطن، حيث تقدمت شركة “جينر آند بلوك” للمحاماة ومنظمة “DAWN” الأمريكيّة، قبل أشهر، بدعوى قضائيّة ضد ولي العهد السعودي و28 شخصاً آخرين، بالنيابة عن خطيبة خاشقجي، المواطنة التركيّة خديجة جنكيز، أمام القضاء الأمريكيّ، وتتهم جنكيز، محمد بن سلمان، بإصدار أمر قتل خاشقجي وهي التهمة التي وجِّهت للسعوديّة من جهات حقوقيّة ودوليّة عدة، فيما تنفيها الرياض على المستوى الرسميّ.

منظمة “الديمقراطية الآن في العالم العربي” التي أسسها خاشقجي قبل مقتله، تدعي كذلك على المتهمين، التسبب بتعطيل نشاطاتها، وتوجه اتهامات لولي العهد بإصداره أوامر القتل بهدف وقف ترويج خاشقجي عبر منظمته للديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي، وتسعى الدعوى القضائيّة إلى تحميل ولي العهد السعوديّ المسؤولية المباشرة عن جريمة تقطيع خاشقجي، وتهدف إلى الحصول على وثائق تكشف حقيقة ما جرى.

وبذلك ربما يواجه ولي عهد السعودية “خطراً محدقاً” في حال اعتمدت الدعوى القضائية على أدلة استخباراتيّة تثبت تورطه، بمعنى آخر فإنّ ابن سلمان الذي أدخل نفسه بالكثير من الأزمات الداخليّة والقضايا الخارجيّة المعقدة، سيتحمل المسؤولية المباشرة عن اغتيال الصحافيّ جمال خاشقجي، رغم محاولته إغلاق ملف الجريمة عبر سلسة أحكام أصدرتها السعودية حول تلك القضيّة، لكنها لم تقنع السعوديين أنفسهم.

كذلك، قادت تركيا تحركات دوليّة مختلفة للحيلولة دون إغلاق القضية قبل تحقيق العدالة ومحاكمة المسؤولين عن تلك الجريمة التي نُفذت على أراضيها، ومطلع تموز الماضي، بدأت محكمة تركيّة في إسطنبول محاكمة غيابيّة لعشرين سعودياً متهماً باغتيال خاشقجي، بينهم النائب السابق لرئيس الاستخبارات، أحمد عسيري، والمستشار السابق في الديوان الملكيّ، سعود القحطاني، المقربان من ولي العهد.

وقد جاء تعليق المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة الأمم المتحدة لاذعاً، حول المحاكمة السعودية في قضيّة مقتل الصحفيّ جمال خاشقجي، حيث شدّدت على ضرورة مقاضاة المسؤولين عن مقتله ووجوب صدور أحكام تتناسب مع حجم الجريمة، وأوضحت أنّ المحاكمة التي أجرتها الرياض في تلك القضية، افتقرت للشرعيّة والمحاسبة، موضحة أنّ القضية شابها خلل في تحديد المسؤولين الحقيقيين عن الجريمة، واعتبرت مقررة الأمم المتحدة المعنيّة بحالات الإعدام خارج القضاء، أغنيس كالامار، أنّ الأحكام الصادرة عن السلطات السعودية، بلا شرعية قانونيّة أو أخلاقيّة، لأنّها جرت بعد عمليّة قضائيّة ليس فيها أيّ نزاهة أو عدالة أو شفافيّة.

وفي سلسلة تغريدات سابقة لها عبر تويتر، بيّنت كالامار أنّه تم الحكم بالسجن على 5 مغتالين مرتزقة مدة 20 عاماً، إلا أنّ المسؤولين رفيعي المستوى، الذين يقفون وراء إعدام خاشقجي لا يزالون أحراراً، منوهة بأنّه لم يتم التطرق إلى اسم ولي العهد السعوديّ، الأمير محمد بن سلمان، وكانت المفوضية قد أعدت تقريراً خاصاً بطلب من الأمين العام للأمّم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قبل عام تقريباً، حول قضية اغتيال خاشقجي، وتوصلت إلى استنتاج يقول إنّ هناك أدلة كافيّة على ارتباط وليّ العهد السعوديّ بتلك الجريمة البشعة، فيما تشير المعطيات إلى أنّ الأحكام النهائية للسلطات السعوديّة جاءت بعدما أعلن أبناء القتيل خاشقجي عن عفوهم عن قتلة والدهم في أيار المنصرم، بعد ضغوط أو إغراءات من قبل محمد بن سلمان، وفق مواقع إخباريّة.

ومن الجدير بالذكر، أنّ الصحفيّ السعوديّ، جمال خاشقجي، المقيم في الولايات المتحدة الأمريكيّة منذ عام 2017 والمعروف بانتقاداته للسلطات السعودية، قد اغتيل في 2 تشرين الأول عام 2018، داخل قنصليّة بلاده في اسطنبول التركيّة على يد فريق اغتيال سعوديّ خاص، فيما لم يتم حتى الآن العثور على جثته.

خلاصة القول، كلنا نعلم أنّ إدارة دونالد ترامب كانت تبتز السعوديّة إلى أبعد الحدود من خلال منع نشر تفاصيل جريمة تقطيع خاشقجي، واليوم بعد وصول الرئيس الجديد جو بايدن إلى سدة الحكم من المتوقع أن تسعى الإدارة الأمريكيّة إلى ابتزاز الرياض بشكل أكبر بعد هذه التطورات، وخاصة بعد أن تخلت الحكومة التركية عن التزاماتها في تلك المسألة إرضاء للقيادات السعوديّة، وبذلك تطوى صفحة الجريمة التاريخيّة كأنّها لم تكن رغم حساسيّتها العالميّة، ويفلت المجرمون الحقيقيون من العقاب بعد أن اكتسبت “قضية خاشقجي” بعداً سياسيّاً أفقدها البعد الإنسانيّ.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق