التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

جبهة البوليساريو تتمسك بحق الدفاع عن النفس.. ما سر الدعم الجزائريّ 

لا يخفى على أحد أنّ الرباط أدخلت إلى حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع الكيان الصهيونيّ الغاصب، مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في “الصحراء الغربيّة”، والمتنازع عليها مع ما تعرف بـ “جبهة البوليساريو”، التي أعلنت ما بين عامي 1975 و1976عن تأسيسها لـ “الجمهوريّة العربيّة الصحراويّة الديمقراطيّة”، وشكلت حكومتها في “تندوف” بالجزائر، واليوم تعرب الجبهة عن استعدادها لاستئناف المفاوضات مع الأمم المتحدة حول وضع الصحراء الغربيّة لكنها تؤكّد في الوقت ذاته عدم نيتها وقف الكفاح المسلح، بعد ما يقارب 10 سنوات من تعليق المفاوضات التي تجريها الأمم المتحدة بمشاركة البوليساريو والمغرب إضافة إلى الجزائر وموريتانيا بصفة مراقبين.

كفاح مستمر

تحاول المغرب بكل ما أوتيت من قوة تطبيق مبادرة الحكم الذاتيّ للإقليم الصحراويّ ولكن تحت سيادتها، فيما تُصر جبهة البوليساريو على رفض الخطة المغربيّة الراميّة للسيطرة على أراضيهم، وتطالب بعمليّة استفتاء حول هذا الموضوع وترى أنّه السيناريو الأمثل لحل الأزمة التاريخيّة، وعقب المساعي المغربيّة للسيطرة على كامل الإقليم الصحراويّ بعد التطبيع مع الصهاينة والحصول على الضوء الأخضر الأمريكيّ، أكّد الأمين العام لوزارة الأمن في حكومة الجمهورية العربية الصحراوية، سيدي ولد أوكال، استعداد الجبهة للتفاوض مع أي وساطة، مشدداً على ضرورة استمرار الكفاح في ظل المفاوضات أو عدمها، وذلك انطلاقا من التجربة الماضية للشعب الصحراويّ.

وفي الوقت الذي تجد فيه “جبهة البوليساريو” أنّها أعطت الثقة كاملة للمجتمع الدوليّ وأوقفت الكفاح بصفة نهائيّة وانتظرت 30 سنة من المماطلة والوعود الكاذبة والانتظار الممل، أوضح الوزير الصحراويّ خلال مؤتمر صحافي عبر الإنترنت بمشاركة الممثل الدائم لجبهة البوليساريو لدى منظمة الأمم المتحدة عمر سيد محمد، أن الجبهة في دفاع مشروع عن النفس، منذ أن أرسل المغرب في الـ 13 من تشرين الثاني قواته إلى أقصى جنوب المنطقة لطرد مجموعة من الناشطين الصحراويين كانوا يقطعون طريقاً مؤدياً إلى دولة موريتانيا المجاورة.

ويشهد الإقليم الصحراويّ نزاعاً بين المغرب وجبهة البوليساريو منذ العام 1975، وذلك بعد انتهاء فترة وجود الاحتلال الإسبانيّ في المنطقة، ليتحول إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين، توقفت عام 1991 واستمرت لمدة 16 عاماً، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة، حيث تقترح الرباط حكماً ذاتياً للإقليم بشرط أن يكون تحت سيطرتها، فيما تطالب الجبهة باستفتاء عادل يقرر مصيرهم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي عشرات آلاف اللاجئين من منطقة الصحراء الغربيّة.

وتأتي تصريحات المسؤول الصحراويّ، بعد أسبوع على البيان الختاميّ للمؤتمر الوزاريّ الذي نظمته الرباط وواشنطن عبر تقنية الفيديو الجمعة المنصرم، لدعم مبادرة الحكم الذاتيّ للإقليم الصحراويّ تحت السيادة المغربيّة، وبذلك حسمت جبهة البوليساريو مواقفها بشكل تام من مسألة الحكم الذاتيّ، في الوقت الذي يشكل فيه هذا الخيار المقترح الوحيد من المغرب، مع استبعاد الرباط عمليّة الاستفتاء التي تطالب بها الجبهة والتي تنهي الأحلام المغربيّة في السيطرة التامة على الإقليم الصحراويّ، الذي تسيطر الرباط على نحو 80% من أراضيه التي تبلغ مساحتها 266 ألف كيلومتراً مربعاً، عقب انسحاب موريتانيا من الصحراء الغربية عام 1979.

دعم جزائريّ

مراراً أكّدت الجزائر على دعمها لجبهة البوليساريو، لأنّ هذه المسألة مبدئيّة بالنسبة لها مثل دعمها لنيلسون مانديلا من قبل (سياسي راحل، مناهض لنظام الفصل العنصريّ في جنوب إفريقيا وثوريّ شغل منصب رئيس جنوب إفريقيا)، ودعمها للقضية الفلسطينيّة، وقبل أيام نفذ الجيش الجزائريّ مناورات عسكريّة أثارت الجدل من حيث الزمان والمكان، وأشرف عليها قائد القوات المسلّحة الجزائريّة، السعيد شنقريحة، فيما قالت وزارة الدفاع الوطنيّ الجزائريّة، إنّ هذه النشاطات العسكريّة التي نفذّت “بالذخيرة الحية”، والتي بثت بعض مشاهدها لمدة 15 دقيقة في التلفزيون الرسميّ الجزائري، تندرج في إطار تقييم المرحلة الأولى لبرنامج التحضير القتاليّ لعام 2021، بغرض ضمان تحسين وترقية الأداء العملياتيّ والقتاليّ لكل تشكيلاته ومكوناته حتى يكون قادراً على رفع كافة التحديات، بيد أنّ الأوضاع الإقليميّة تشير إلى أنّ الجزائر باتت تشعر بالتهديد الفعليّ في ظل التطورات السياسيّة الأخيرة، عقب التطبيع المغربيّ.

ووفق وزارة الدفاع الجزائريّة، فإنّ المناورة العسكريّة الأخيرة جرت بحرفيّة عاليّة في جميع المراحل والمستويات التكتيكيّة والعملياتيّة، وقد أوضح قائد أركان القوات المسلّحة الجزائريّة أنّ بلاده تستحق أن تبقى إلى أبد الدهر، حرة، سيدة وعصية على أعداء الأمس واليوم، وقد اعتبر هذا الكلام موجهاً للمغرب، التي كانت ومازالت تُتهم من قبل الجزائريين بالانخراط في تحالفات استخباراتيّة مع تل أبيب ودول أوروبيّة لاستهداف البلاد، وإشغالها عن الأمور المصيريّة وإبقائها بعيدة عن القضايا العربيّة والإفريقيّة، وثنيها عن مواقفها العادلة المناهضة للاستعمار والمؤيدة لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.

وتنطلق الجزائر في دعمها للشعب الصحراويّ من أنّ ملف الصحراء الغربيّة أمميّ بامتياز، ومن ضرورة مساندة الشعوب المناهضة للاستعمار، ويؤكد مسؤولوها بشكل دائم على ضرورة أن تتحمل الأمم المتحدة ومجلس الأمن مسؤولياتهما الكاملة بما يخص هذا الموضوع، وخاصة وأن المغرب يتناسى عدم اعتراف هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي بسيادة الرباط على الإقليم الصحراويّ.

يشار إلى أنّ الجزائر غضبت بشدة، عقب الزيارة التي أجراها مساعد وزير الخارجيّة الأمريكيّ لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ديفيد شينكر، إلى مدينة العيون كبرى مناطق الإقليم الصحراويّ، في إطار إعلان التطبيع الثلاثيّ بين واشنطن والرباط وتل أبيب الذي تم توقيعه بالعاصمة المغربيّة يوم الـ 22 من كانون الأول عام 2020، بعد إعلان الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، عن التوصل إلى ما أسماه “اتفاقاً تاريخيّاً” لاستئناف العلاقات بين العدو الصهيونيّ والمغرب.

وقد انعكس الغضب الجزائريّ من التصرفات الأمريكيّة بشكل جليّ على تصريحات المسؤولين الجزائريين، وخلال لقاء شينكر في الجزائر، دعا وزير الخارجيّة الجزائريّ، صبري بوقدوم، واشنطن إلى التزام الحياد على الصعيدين الإقليميّ والدوليّ، فيما زعم المسؤول الأمريكيّ أنّ لكل إدارة الحق في تقرير سياستها الخارجيّة وكأن نهب أراضي الغير أصبح حقاً شرعيّاً لـ”عاصمة الديموقراطيّة”.

وتعد “الصحراء الغربية” المُتنازع عليها، من أهم نقاط الخلاف بين الجزائر والمغرب، والتي يحدها المغرب من الشمال بينما تحدها الجزائر من الشرق، وموريتانيا من الجنوب، والمحيط الأطلسي من الغرب، وتبلغ مساحتها نحو 266,000 كيلومتر مربع، وتعد واحدة من المناطق ذات الكثافة السكانيّة القليلة، وعدد سكانها يتجاوز النصف مليون شخص، يعيش 40% منهم في منطقة “العيون” كبرى مدنها.

وما ينبغي ذكره أنّه باستثناء أمريكا والإمارات والبحرين، لا توجد أي دولة عضو في الأمم المتحدة تعترف بشكل رسميّ بسيادة المغرب على كل أجزاء الصحراء الغربيّة، وقد تعرض المغرب لانتقادات لاذعة من منظمات حقوق الإنسان الدوليّة بسبب أعمال العنف هناك، وأعلن الاتحاد الأوروبيّ عام 2016، أن “الصحراء الغربيّة” ليست من الأراضي المغربيّة وفي آذار 2016 طرد المغرب نحو70 عاملاً في منظمة الأمم المتحدة بعد أن صرح “بان كي مون” أن ضم المغرب للصحراء الغربية يعد احتلالاً لدولة ذات سيادة.

في النهاية، أوصلت جبهة البوليساريو رسالة مختصرة للمغرب، مفادها أنّ الكفاح المسلح لا يمكن أن يتوقف ضد من يحاول اقتلاعهم من أرضهم، بعد حصول الرباط على الاعتراف الأمريكيّ غير الشرعيّ بسيادتها على الإقليم، رغم أنّها تركت الباب مفتوحاً أمام أي مفاوضات تصبّ في مصلحة قضية الصحراء الغربيّة، في الوقت الذي يشكل فيه التطبيع المغربيّ وتبعاته، صباً للزيت على النار في المنطقة المغاربيّة وإعلاناً صريحاً لاحتلال أراضي الغير وتهديداً لهم، بعد أن اختارت الرباط تهديد أمنها من خلال الصدام مع جيرانها الصحراويين، كُرمى عيون تل أبيب.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق