فك رموز استراتيجية السياسة الخارجية لبايدن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ
وفقاً لمصادر إخبارية، في اليوم العاشر لعمل إدارة بايدن، أرسل الجيش الأمريكي أربع قاذفات قنابل من طراز B-52 إلى قاعدة غوام العسكرية بهدف خلق قوة رادعة لمواجهة الصين. يأتي ذلك في الوقت الذي تعود فيه قاذفات القنابل الأربعة من طراز B-52 Stratofortress الأمريكية إلى قاعدتها في غوام بعد غياب دام ثلاث سنوات. حيث ينظر العديد من المراقبين السياسيين الآن إلى اجراء إدارة بايدن هذا على أنه رسالة أمريكية واضحة للحكومة الصينية، مؤكدين في بعض النواحي أن التوترات مع بكين من المرجح أن تزداد في عهد بايدن.
أهمية آسيا والمحيط الهادئ في السياسة الخارجية الامريكية
لطالما كانت قارة آسيا وفي قلب شرق آسيا ذات أهمية قصوى بالنسبة لواشنطن منذ أن دخلت امريكا عالم المعادلات الدولية بعد الحرب العالمية الأولى، ولكن من المهم ملاحظة أن آسيا لم تكن أبدا أولوية قصوى بالنسبة للجهاز الدبلوماسي لواشنطن. ومع ذلك، على مدى العقد الماضي، تزايد حضور الصين في المعادلة الدولية كمنافس ناشئ لأمريكا، وهيمنة النهج الجغرافي الاقتصادي على السياسة العالمية (زيادة دور المنطقة في الاقتصاد العالمي والتجارة الخارجية الامريكية)، وإلى جانب وجود حلفاء واشنطن في هذه المنطقة جعل محور التركيز الرئيس للسياسة الخارجية الامريكية ينصب على آسيا والمحيط الهادئ. حيث يمكن إرجاع التركيز على الصين بعنوان مركز السياسة الخارجية الامريكية إلى عهد رئاسة باراك أوباما.
في الواقع، كان قرار إدارة أوباما بالإعلان عن استراتيجية “التحول إلى الشرق” علامة واضحة على الميول الواقعية في السياسة الخارجية الأمريكية. حيث ظهر قرار التركيز أكثر على آسيا لأول مرة في مقال نشرته وزيرة الخارجية الامريكية آنذاك هيلاري كلينتون في عدد ربيع 2011 من مجلة فورين بوليسي. وأكدت فيه أنه بعد عقد من إنفاق الموارد الأمريكية في أفغانستان والعراق، تحتاج البلاد إلى تحويل تركيزها إلى المنطقة الأكثر أهمية في آسيا خلال العقد المقبل.
يشير هذا النهج من قبل أوباما وكلينتون إلى تحول مهم في السياسة الأمريكية التقليدية. بينما كانت آسيا دائما مهمة لامريكا، لكن آسيا لم تكن على رأس أولويات السياسة الخارجية الامريكة قبل إدارة أوباما. حيث اعتقد مسؤولو إدارة أوباما بأن امريكا يجب ألا تركز بعد الآن على الاهتمامات الثانوية في مناطق مثل الشرق الأوسط، ولكن بدلاً من ذلك يجب ان تركز على الأولويات الأكثر أهمية في آسيا والمحيط الهادئ. استمر هذا النهج في إدارة ترامب كجزء من استراتيجية للدخول في حرب تجارية مع الصين، وتم نقله الآن إلى إدارة بايدن باعتباره إرثًا عظيما لهذه الادارة.
سياسة بايدن الخارجية تجاه منطقة آسيا والمحيط الهادئ
يرى العديد من المراقبين السياسيين أن نهج بايدن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ هو مثال ممتاز لاستراتيجية إدارة باراك أوباما، ولكن من المهم ملاحظة أنه عند قراءة استراتيجية الإدارة الأمريكية الجديدة لشرق آسيا، وخاصة الصين، لقد تغير الوضع بشكل كبير، وزاد تاريخ ترامب الحافل بالحرب التجارية على مدى أربع سنوات من توترات رئاسة أوباما.
كما ان وجهة النظر السائدة بين مساعدي بايدن الحاليين والمسؤولين الأمنيين هي أن الصين هي التهديد الأكثر أهمية لقوة وموقع النظام الدولي على المدى الطويل، لذلك يجب إعادة النظر في استراتيجية واشنطن تجاه غرب آسيا والتركيز على كبح جماح الصين. وفي هذا الصدد، نرى أنه وفقا لأمر وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكين، فإن دائرة الشرق الأوسط تم تحديدها في وزارة الخارجية وتعززت دائرة شرق آسيا. كما غير جاك ساليوان مستشار الأمن القومي لجو بايدن، محل أفراد الأمن القومي في الشرق الأوسط وآسيا، ما أدى إلى تقليص فريق الشرق الأوسط وتوسيع الموظفين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ومن ناحية أخرى، يعكس تحول إدارة بايدن في المواقف والأولويات الآسيوية في السياسة الخارجية مخاوف امريكا بشأن النمو السريع للصين على مدى العقدين الماضيين. وفي ظل الهيكلية الجديدة لوكالة الأمن القومي الأمريكية، سيكون لموظفي قسم الهند والمحيط الهادئ مجموعة واسعة من المسؤوليات، لكن في المقابل سيتم تطبيق قيود اكثر مسؤولية على قسم التعاون مع الشرق الأوسط. في الواقع، قسم آسيا والمحيط الهادئ يديره الآن كامبل وثلاثة بيروقراطيين بارزين آخرين. حيث يدير كل من هؤلاء الثلاثة ثلاثة أقسام، بما في ذلك الصين وجنوب آسيا وروسيا وآسيا الوسطى، ومع ذلك وفقا لمسؤول سابق في الامن القومي الامريكي في عهد أوباما، لم تكن الصين تُدار كوحدة أمن قومي وحدها في عهد باراك أوباما.
تشير جميع الأدلة إلى أن التركيز الآن تنصب على كبح جماح الصين، وبالطبع فان كوريا الشمالية ستكون في قلب أجندة السياسة الخارجية لحكومة بايدن. حيث انه بعد هزيمة ترامب في الانتخابات، كثفت حكومة كوريا الشمالية أنشطتها الصاروخية، ما أثار مخاوف فريق الأمن القومي ووزارة الخارجية بالبيت الأبيض. ويعكس نشر قاذفات القنابل الاستراتيجية من طراز B-52، إضافة إلى الصين فإن واشنطن قلقة بشكل عميق بشأن التطورات في شرق آسيا.
حتى في الأيام التي أعقبت تنصيب بايدن، ارتفعت الهجمات على الصين بشكل حاد. حيث انتقدت الناطقة باسم البيت الأبيض “جين ساكي” بشدة استبداد الصين في الداخل والخارج، مشيرة إلى أن بكين تشكل تهديدا للأمن القومي الأمريكي. وبالنظر إلى هذا، كقراءة عامة لاستراتيجية الحكومة الامريكية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في عهد بايدن، هناك بعض النقاط الجديرة بالملاحظة:
– يتبع فريق السياسة الخارجية لبايدن استراتيجية أوسع للتطلع إلى الشرق في السياسة الخارجية الامريكية، والتي بدأت خلال رئاسة أوباما واستمرت في عهد ترامب؛
– على عكس عهد ترامب، من المرجح أن يضع بايدن تشكيل تحالف كبير ضد الصين على جدول الأعمال العالمي من خلال تبني نهج متعدد الأوجه؛
– الإبقاء على الوجود العسكري في المنطقة وزيادته وخاصة في البحر الجنوبي وبحر الصين الشرقي لمواجهة طموحات بكين في هذه المناطق، فضلًا عن السيطرة على الممرات البحرية مثل مضيق ملقة ومضيق سوندا ومضيق لومبوك.
– تعتزم حكومة بايدن منع أي دخول في أزمة جديدة في غرب آسيا والتركيز بدلاً من ذلك على التسلح النووي ضد نفوذ بكين العالمي؛
– تعزيز العلاقات مع تايوان واستخدام قضية تايوان كنقطة ضعف للصين؛
– من المرجح أن تزيد الإدارة الأمريكية الجديدة من النشاط الاقتصادي في شرق آسيا إضافة إلى توفير الأمن ضد الصين بهدف الحد من النفوذ الاقتصادي للصين في المنطقة وتحسين الوضع الاقتصادي الامريكي؛
– ومن ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أنه في ضوء الأزمات الداخلية الواسعة والقضايا التي يواجهها بايدن (بما في ذلك أزمة كورونا وتصاعد الانقسامات السياسية والاجتماعية داخل البلاد)، فإن تركيز إدارة بايدن لا ينصب على تأجيج حرب في شرق اسيا، لكن واشنطن في العصر الجديد تنوي زيادة قوتها الرادعة للحلول دون تورطها في أزمة كبرى.
المصدر / الوقت