“مشهد لبناني متشابك” أطماع خارجية وخلافات داخلية.. عون والحريري إلى الواجهة
بعد قرابة عام من الاضطرابات في المشهد السياسي اللبناني، تم تکليف سعد الحريري في تشرين الأول 2020 بتشكيل الحكومة للمرة الرابعة.
كان من المقرر أن يعلن الحريري الحكومة الجديدة في أقل من 10 أيام، وحتى في كانون الأول (ديسمبر) أعلن أنه قدَّم تشکيلة حكومة تكنوقراطية إلى الرئيس اللبناني “ميشال عون”، لكن رغم كل هذه الإجراءات، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر، مازلنا نشهد استمراراً لدومينو الفشل على المستوى السياسي في لبنان لتشكيل الحكومة. في الواقع، وعد الحريري بإحياء خارطة الطريق الفرنسية، ووضع الخلافات السياسية القديمة جانبًا.
في غضون ذلك، اللافت هو أن الحريري ومن يدور في فلکه وجهوا أصابع الاتهام في الأسابيع الأخيرة إلى الرئيس اللبناني ميشال عون، واتهموه بالتسبُّب بالفشل في تشكيل الحكومة.
يأتي ذلك في وقت تصاعدت فيه الخلافات بين هاتين الشخصيتين السياسيتين خلال الشهر الماضي، وأصبحت التوترات بين هذين الزعيمين السياسيين قضيةً مکشوفةً للإعلام والرأي العام اللبناني.
في الواقع، تصاعد الخلاف بين عون والحريري في كانون الأول (ديسمبر) بسبب الخلافات حول تشكيل الحكومة، وبلغ ذروته الأسبوع الماضي، حيث وصف عون علانيةً الحريري بـ “الكاذب”، لكن الآن زادت هجمات فريق الحريري على الرئيس بشكل حاد.
اشتداد الخلافات بين الحريري وعون
اعتبارًا من منتصف كانون الأول(ديسمبر) 2020، تصاعدت الخلافات بين الزعيمين، بعد تقديم الحريري لقائمة الوزراء المقترحة إلی الرئيس.
من جهة، يدعي الحريري تشكيل حكومة تكنوقراطية خالية من الاستقطاب الطائفي، ومن جهة أخرى، يدعي ميشال عون أنه لا يسمح لرئيس الوزراء بالتصرف بشكل غير قانوني لحماية الدستور اللبناني.
وفي هذا الصدد، نرى أن سعد الحريري هاجم في بيان له في الأيام القليلة الماضية الرئيس اللبناني، وادعى أن “البلاد في واد من المعاناة والأزمات، والعهد القوي في واد سحيق آخر من اللامبالاة والإنكار”.
وفي إشارة إلى تصريحات ميشال عون في جريدة الأخبار، قال محذراً: “إن تحويل الخلافات السياسية إلى الخلافات الطائفية جهد غير مقبول، ويؤدي إلى خلق خلافات إسلامية مسيحية كوسيلة لفرض الشعب الذي يريده، وتحويل قصر بعبدا إلى إرث تاريخي”.
وأكد الحريري في بيانه: “نتيجةً لذلك، يجب التأكيد على أننا نريد حكومة تكنوقراط، بينما رئاسة الجمهورية تريد حكومةً حزبيةً”.
کذلك، زعم المقربون من الحريري من خلال تقارير أن الرئيس ميشال عون يحاول الحصول على ثلث المقاعد المتنازع عليها في الحكومة الجديدة، ولهذا السبب لم يتم تشكيل الحكومة.
في المقابل، قال ميشال عون عن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة وقطع العلاقات بينه وبين الحريري: “لا داعي لدعوته للحضور إلى بعبدا. أخبرته في وقت سابق أنه إذا جاء إلى بعبدا بحكومة متوازنة، فإننا نرحب به. لكن في 23 كانون الأول قدَّم حكومةً من 18 وزيراً كانت غير متوازنة وأنا عارضتها، والآن، إذا تمت الموافقة على طلبنا، فإن أبواب بعبدا مفتوحة أمامه”.
أيضاً وبحسب جريدة الجمهورية، فإن المكتب الإعلامي للرئاسة اللبنانية وفي بيان له رداً على أنباء عن طلب الرئيس ميشال عون الحصول على ثلث المقاعد المتنازع عليها في الحكومة الجديدة، قال: “تصر الدوائر السياسية والإعلامية على القول إن ميشال عون يريد الثلث المعطل، وهو ما أدى إلى تأخير تشكيل الحكومة الجديدة”. وأضاف البيان: “هذه الادعاءات غير صحيحة إطلاقاً، والبيانات الصادرة عن قصر بعبدا(الرئاسي) تؤکد ذلك”.
سؤال أساسي يطرحه المجتمع السياسي اللبناني؛ من المسؤول عن تأخُّر تشكيل الحكومة؟
وسط تأخر تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، لا شك في أن القضية الأساسية بالنسبة للرأي العام اللبناني، هي من المسؤول الرئيس عن عدم تشكيل الحكومة الجديدة؟
في كل الأيام التي أعقبت إعادة تکليف سعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة، كان الإعلام الداعم له في العالم العربي والغربي، يوجِّه أصابع الاتهام إلى حزب الله، ولكن في الأسابيع الأخيرة صرَّح المقربون من الحريري أن الرئيس اللبناني ميشال عون هو العقبة أمام تشكيل حكومة جديدة، حتى أكثر من حزب الله.
من المؤكد أن سعد الحريري ومن خلال اعتبار حزب الله وميشال عون كسبب للأزمة السياسية المستمرة في لبنان، يحاول حالياً فرض مطالبه الثلاثة عليهم وعلى المجموعات السياسية اللبنانية الأخرى.
أولاً، يحاول الحريري تعيين أدواته والمقربين منه، ومعظمهم يتبعون السعودية والدول الغربية، کوزراء جدد في الحکومة بحجة تشکيل حكومة تكنوقراط.
وفي المستوى الثاني، يحاول الحريري تقديم نفسه بما يتماشى مع رؤية الإصلاح السياسي من خلال اقتراح حكومة تكنوقراطية، وعبر استغلال النظرة العامة السلبية إلی فاعلية نظام المحاصصة في لبنان، يريد نقل المسؤولية عن الأزمات الحالية إلى الأحزاب والتيارات المتنافسة.
على المستوى الثالث، يحاول الحريري من خلال تعطيل الميثاق السياسي الذي أرسى أسس النظام اللبناني الجديد بعد حرب أهلية استمرت 15 عامًا(اتفاق الطائف)، تنفيذ ما تريده الحكومات الغربية الداعمة له في الإطاحة بحزب الله وعزل هذه المجموعة السياسية.
لكن دون شك، يمكن تقييم السبب الرئيس لعدم تشكيل الحكومة في لبنان في عاملين مهمين.
الأول هو عدم تجانس النظام الانتخابي مع التطلعات السياسية. لأن لبنان يتكون من فسيفساء من الهويات، ويقوم نظامه السياسي والانتخابي الحالي على أساس مشاركة كل هذه الهويات، وبالطبع، في مثل هذه الأرضية، فإن الاحتكار السياسي القائم على الشعارات الشعبوية، مثل الحكومة العابرة للطوائف، لن يساعد في حل المشاكل فحسب، بل سيعقِّد الأمور ويؤدي إلى تفاقم الأزمات أيضاً.
والعامل المهم الآخر هو تدخل دول مثل فرنسا والسعودية والولايات المتحدة في الشؤون الداخلية، ودعمها لبعض التيارات الداخلية اللبنانية.
وقد ترك هذا الأمر المشهد السياسي الداخلي اللبناني متشابكًا مع التنافسات الجيوسياسية للجهات الأجنبية ذات المصالح المتضاربة للغاية، بحيث إنه على الرغم من رغبة الفاعلين المحليين في حل النزاعات، إلا أن الضغوط الخارجية غالبًا ما تؤدي إلى تعطيل هذه العملية.
المصدر/ الوقت