التحديث الاخير بتاريخ|السبت, ديسمبر 28, 2024

الاشتباكات في إثيوبيا تقوّض مسير المصالحة وطبول الحرب تدق 

شهدت إثيوبيا خلال الأسابيع الماضية أحداثا بارزة تمثلت في اشتباكات بين مسلحين وسكان شمالي البلاد، واعتزام الحكومة الإثيوبية عمل مشروع قانون لمعاقبة “ناشري الكراهية” والأخبار الكاذبة. وتشهد عدة مناطق في أقاليم “أوروميا وبني شنقول وأمهرا” أعمال عنف متفاوتة تتسبب فيها مجموعات مناوئة للإصلاح الذي ينتهجه رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد”. وقبل عدة أسابيع، اندلعت اشتباكات بين سكان مناطق “إفراتا وجدم شوا وخميسي” في إقليم “أمهرا” من قبل مسلحين لم تحددهم الحكومة رسميا، لكن مسؤولين في إقليم “أمهرا” قالوا إنهم عناصر مسلحة من جبهة تحرير “الأورومو” المعارضة أسفرت عن مقتل 27 شخصا وهذه الهجمات المسلحة التي تشنها عناصر من مقاتلي المعارضة بين الحين والآخر تشكل خطرا على استقرار البلاد.

وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير أن مقاتلي جبهة تحرير “أورومو” أعلنوا قبل عدة أسابيع في خطوة مفاجئة انفصالهم عن الحزب، ما شكل قلقا واسعا لدى الأوساط الإثيوبية، ولا سيما أن مقاتلي جبهة تحرير “أورومو” كانوا قد تسببوا في أعمال عنف وهجمات على مدنيين وعمليات سرقة لنحو 18 بنكا حكوميا وخاصة في مناطق غرب “ولجا وقيليم ولغا وهورو غودور”. وحذر مراقبون من عواقب تجاهل ما يحدث وخطورة المقاتلين من المعارضة، كما دعوا إلى ضرورة اتخاذ الحكومة قرارات حازمة بشأن الفوضى وتجاوز القانون. وفي آب الماضي، عاد مقاتلو جبهة تحرير “أورومو” إلى البلاد بموجب اتفاق بين الحكومة الإثيوبية والجبهة في العاصمة الإريترية “أسمرا”، ينهي الأعمال العدائية بينهما، ويسمح لها بالقيام بأنشطة سياسية في البلاد عبر الوسائل السلمية.

ونظراً للانفلات الأمني الذي شهدته تلك المناطق الإثيوبية، أعلن النائب العام في إثيوبيا “برهانو سجاي” اعتزام حكومة بلاده إعداد مشروع قانون لمعاقبة “ناشري الكراهية” و”الاخبار الكاذبة” عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وأوضح “سجاي”، أن مشروع القانون يسمح للسلطات الإثيوبية بسجن أو تغريم من يقوم بنشر أخبار مزيفة، أو يهين المسؤولين الحكوميين عبر تلك الشبكات. كما يعاقب مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في حال نشر تدوينات غير لائقة تُظهر عدم الاحترام للمجتمع والدولة ورموزها والشخصيات الحكومية.

وعلى صعيد متصل، وبعد مرور سبعة أسابيع على اندلاع النزاع في إقليم “تيغراي” بإثيوبيا، كشفت العديد من التقارير عن استمرار القتال في بعض المناطق شمال ووسط وجنوب “تيغراي”، وقد نزح حتى الآن عشرات الآلاف من المدنيين داخليا أو فرّوا عبر الحدود إلى السودان ولقد حذرت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، “ميشيل باشيليت”، من مخاوف متزايدة بشأن أوضاع المدنيين في ظل عدم السماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل عام، إلى جانب انقطاع الاتصالات المستمر في العديد من المناطق. وقالت: “بينما نرحب ببيان الحكومة الإثيوبية بأنه سيكون هناك وصول إنساني دون عوائق، تماشيا مع الاتفاق الموقع مع الأمم المتحدة في الـ 29 من تشرين الثاني، يجب أن ينطبق ذلك على جميع المناطق في تيغراي حيث تأثر المدنيون بسبب القتال”.

وأفادت المفوضة السامية بورود تقارير حول حدوث انتهاكات للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، بما في ذلك القصف المدفعي على مناطق مأهولة بالسكان والاستهداف المتعمّد للمدنيين وعمليات القتل خارج نطاق القضاء، والنهب واسع النطاق. وقالت “باشيليت”: “تشير هذه التقارير إلى فشل أطراف النزاع في حماية المدنيين”. ووفق المفوضية، من أكثر الحوادث المروّعة التي تم الإبلاغ عنها حتى الآن، القتل الجماعي المزعوم لعدة مئات من الأشخاص، وخاصة الأمهرانيين في ماي كادرا في الـ 9 من تشرين الثاني الماضي. وقالت “باشيليت”: “إذا قُتل مدنيّون عمدا على أيدي طرف أو أطراف النزاع، فإن عمليات القتل هذه سترقى إلى مستوى جرائم الحرب، وكما أكدت سابقا، يجب أن تكون هناك تحقيقات مستقلة ونزيهة وشاملة وشفافة لإرساء المساءلة وضمان العدالة”، وحثت السلطات على الاستفادة من النتائج الأولية التي توصلت إليها لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية بشأن ما حدث في ماي كادرا.

وعلى نفس هذا المنوال، ذكرت المفوضة السامية، أن ميليشيات “فانو” من “أمهرا” ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك قتل المدنيين وتنفيذ أعمال النهب. وشددت “باشيليت” على الحاجة للسماح لمراقبي حقوق الإنسان المستقلين بالوصول إلى تيغراي لتقييم المعاناة الإنسانية الناتجة عن النزاع، والتحقق من الادعاءات والمساعدة في ضمان المساءلة عن الانتهاكات. ودعت إلى ضرورة تقديم المساعدة المنقذة للحياة لجميع السكان المدنيين المحتاجين دون مزيد من التأخير. وقالت: “ما حدث في تيغراي خلال الأسابيع السبعة الماضية مفجع بقدر ما هو مروّع”.

ووفقاً لمفوضية اللاجئين، فرّ أكثر من 52,000 شخصاً من إقليم “تيغراي” إلى شرقي السودان على مدار الأسابيع الستة الماضية ورغم انخفاض أعداد الوافدين الجدد إلى 500 يوميا، تتعامل وكالات الإغاثة مع حالة طوارئ إنسانية واسعة النطاق في منطقة نائية للغاية لم تشهد مثل هذا التدفق الكبير للاجئين منذ عقود. وفي جنوب السودان، تم نقل أكثر من 20,000 لاجئ خلال الفترة الماضية من المناطق الحدودية إلى مخيم “أم راكوبة”. ولا يزال العديد من اللاجئين حاليا يعيشون في ظروف مزدحمة دون مرافق مناسبة ولا يزال هناك نقص في الأدوية والإمدادات الأخرى. وقد شهدت المفوضية طلبا كبيرا على البحث عن أفراد الأسرة ولم الشمل، والتعليم والمساحات الصديقة للأطفال وبرامج التغذية.

وفي سياق متصل، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد”، أن العمليات العسكرية التي شنّتها قواته في منطقة “تيغراي” أهدافها واضحة ومحدودة في وقت تزداد المخاوف من احتمال اندلاع حرب طويلة الأمد. وكتب “آبي أحمد”، في تغريدة، إن “أهداف العمليات الجارية التي تنفّذها قوات الدفاع الفيدرالية في شمال إثيوبيا واضحة ومحدودة ويمكن تحقيقها وهي إعادة حكم القانون والنظام الدستوري وحماية حقوق الإثيوبيين في العيش بسلام أينما كانوا في البلاد”. وقال رئيس الوزراء الإثيوبي إن حكومته “حاولت بصبر على مدى شهور حل الخلافات سلميا مع قادة جبهة تحرير شعب تيغراي. لجأنا إلى الوساطات والمصالحة والحوار”. وأضاف: “لكنها فشلت جميعها بسبب العجرفة الإجرامية وتعنّت جبهة تحرير شعب تيغراي. وكان هجوم الجبهة على القيادة العسكرية الشمالية التي تتخذ في تيغراي مقرا القشة التي قصمت ظهر البعير”.

ومع تدفق اللاجئين الإثيوبيين إلى السودان، قامت الحكومة السودانية بإرسال الكثير من قوات الجيش لحماية حدودها وخلال الفترة الماضية، نشبت بعض الاشتباكات بين القوات السودانية وبعض القوات المسلحة الإثيوبية، أسفرت عن مقتل عدد من الجنود من الطرفين على الحدود في منطقة الفشقة الصغرى شرقي السودان، بينما تبادل الطرفان الاتهامات بشأن اختراق الحدود. وقالت وسائل إعلام محلية سودانية إن الجيش السوداني استعاد السيطرة على منطقة داخل الحدود السودانية بعد اشتباكات مع قوات وميليشيات إثيوبية بالفشقة الصغرى، أدت إلى سقوط قتيل و8 جرحى من القوات السودانية. ونقلت وسائل الإعلام عن مصادر عسكرية قولها إن الجيش تمكن من السيطرة مجددا على منطقة “كمبو ملكامو” الواقعة بمنطقة الفشقة الصغرى المحاذية للشريط الحدود تجاه إقليم أمهرا الإثيوبي. ونقلت عن شهود عيان بقرية “بركة نورين” بالفشقة الصغرى قولهم إن قوات إثيوبية هاجمت الجيش السوداني في المنطقة ورد عليها، وفرض سيطرته داخل الأراضي السودانية.

وعلى صعيد متصل، اتهمت إثيوبيا السودان بارتكاب خطأ فادح عبر تجاوز الحدود، وشددت على أنها ستدافع عن حقوقها، كما نفت وجود اتفاق لترسيم الحدود بين البلدين، في حين نفى السودان تجاوز قواته الحدود، مطالبا بالاستعانة بطرف ثالث لترسيمها. واعتبر “أيمرو” السفير الإثيوبي في السودان، أن تصرف الخرطوم غير مشروع أخلاقيا وقانونيا، في ضوء علاقته القديمة والتاريخية مع إثيوبيا. وأشار السفير إلى أن القوات السودانية قتلت إثيوبيين وهدمت الممتلكات أثناء اقتحامها الحدود، وتسببت بأضرار تقدر بنحو 25.3 مليون دولار، كما أكد أن بلاده لا تزال في وضع يمكنها من معالجة النزاع الحدودي بآلية سلمية، وأنها ملزمة بالدفاع عن حقوقها.

في المقابل، قال مصدر عسكري سوداني، إن الحديث عن دخول الجيش أراض إثيوبية محض افتراء، وإن بلاده لا تطمع في متر واحد منها. وبدوره، قال رئيس مفوضية الحدود السودانية “معاذ تنقو”، إن “تصريحات السفير الإثيوبي ليست قانونية ولا دبلوماسية”، معتبرا أنه لا ينبغي للموظفين الإثيوبيين أن يناقضوا تصريحات وزير خارجية بلادهم الأسبق “هايلي مناس”، الذي صرح مرارا بالموافقة على الخطوط التي رسمها “غوين”. وأضاف رئيس مفوضية الحدود السودانية إن على إثيوبيا الاستعانة بطرف ثالث لتحديد حدودها وفق المواثيق الدولية، مؤكدا أن بلاده تريد الحل السلمي لأزمة الحدود.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق