البرهان يسير على خُطا عواصم الخيانة.. هل نجح في إقناع شعبه
لم تتعلم الخرطوم من فشل أبوظبي والمنامة في تبرير تحالفهما مع العدو الصهيونيّ الغاصب بذرائع واهية، بل روجت بشكل مخجل لاختلاق إيجابيات لفعلتها النكراء، في ظل الرفض الشعبيّ العارم لتلك المسألة، حيث ادعى رئيس ما يسمى “مجلس السيادة السودانيّ”، عبد الفتاح البرهان، أنّ حكومته وقعت على اتفاق العار مع تل أبيب، بسبب قناعتها بأهمية نشر قيم التسامح والتعايش بين الشعوب بمختلف أديانهم وأعراقهم، وذلك في كلمة ألقاها البرهان قبل بضعة أيام، فيما يُطلق عليها “قمة إسرائيل” التي عُقدت عبر تقنية الفيديو، وهي فعالية افتراضيّة دوليّة ينظمها طلاب صهاينة ويشارك فيها للمرة الأولى طلاب سودانيون، إضافة إلى متحدثين عالميين، وترافقها معارض مهنيّة وفرص للتبادل الأكاديميّ، وترعاها جامعتا هارفارد وكولومبيا الأمريكيتان.
منهج الاستغباء
لم يتعلم رئيس ما يسمى “مجلس السيادة السودانيّ” عبد الفتاح البرهان من العِبر، بل أصر على استخدام المبررات الواهية نفسها، التي دأبت العواصم المُطبعة على تكرارها بطريقة لا يمكن وصفها سوى بـ “منهج الاستغباء”، حيث زعمت الإمارات مراراً أنّ تحالفها مع العدو الصهيونيّ كان بذريعة وقف مشاريع ضم الأراضي الفلسطينيّة، رغم أنّ تصريحات المسؤولين الصهاينة فندت كل الادعاءات الإماراتيّة الكاذبة، فيما لا تزال أبو ظبي حتى اليوم، تروج بكل ما أُوتيت من قوة لاختلاق مبررات للتغطية على جريمتها الشنيعة، وقد بيّن وزير الدولة الإماراتيّ للشؤون الخارجيّة، أنور قرقاش، أنّ بلاده لا تزال تدعم إنهاء الاحتلال الصهيونيّ للأراضي المحتلة، وإقامة دولة فلسطينيّة مستقلة على أساس حل الدولتين، على الرغم من “اتفاق ابراهيم” زاعماً أنّ الإمارات الآن في وضع أفضل لمساعدة الفلسطينيين في هذا المسعى، لكن الواقع بشهادة الإماراتيين يوحي بعكس ذلك.
واليوم، يطل علينا البرهان ليدسّ السمّ بالعسل، ويزعم أنّ الخرطوم وقّعت على اتفاقات الاستسلام انطلاقاً من سعيها الصادق إلى تأكيد وإرساء ما أسماها “قيم السلام والتسامح والتعايش السلميّ واحترام الحريات والأديان وقبول الآخر”، رغم إدراك الجميع أنّ تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيونيّ والسودان جاء بعد تفاهمات على إزالة اسم السودان من القائمة الأمريكيّة للدول الداعمة للإرهاب، عقب إعلان الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، عن موافقة الخرطوم على دفع تعويضات لضحايا الإرهاب الأمريكيين.
وفي وقت سابق، أجاب البرهان الذي أدخل بلاده في حظيرة التطبيع الأمريكيّ على سؤال “ما الذي استفاده السودان من التطبيع مع الصهاينة؟” بأسلوب الجباء والخانعين، متسائلاً ” ما الذي استفاده السودان ويستفيده من الخصومة مع من وصفها بـ “الدولة العضو في الأمم المتحدة” و “المقبولة من المجتمع الدوليّ” متناسيّاً تاريخ الاحتلال العدوانيّ والإجراميّ بحق العرب والمسلمين وأراضيهم.
من سيصدق البرهان!
سؤال يجيب عليه الشعب السودانيّ، الذي سمع مزاعم البرهان في حوار مع صحيفة “الشروق” المصريّة، قبل مدة، حيث تحدث أنّه تم إجراء مشاورات مع طيف واسع من القوى السياسيّة والمجتمعيّة قبل قرار ما أسماها “المصالحة مع إسرائيل” التي وصفها بالدولة المقبولة بالنسبة للمجتمع الدوليّ، واعتبر وقتها تطبيع السودان مع كيان الاحتلال الغاصب أمراً طبيعياً، مدعياً أنّهم تشاوروا مع طيف واسع من القوى السياسيّة والمجتمعيّة ووجدوا عدم ممانعة فيما أسماها “إنهاء حالة العداء” مع المحتل للأراضي العربيّة وإقامة علاقات معه، في الوقت الذي يتصاعد فيه الرفض الشعبيّ السودانيّ لقضيّة التطبيع أكثر فأكثر، والدليل على ذلك إعلان أحزاب سياسيّة ومنظمات أهليّة وتكتلات إعلاميّة وشبابيّة وعلماء، عن تدشين ائتلاف “القوى الشعبيّة السودانيّة لمقاومة التطبيع مع الكيان الإسرائيليّ”، وقد أوضح الائتلاف، أنّه لا مصلحة للسودان في التطبيع مع المحتل الذي جاء لسرقة موارد السودان، ما ينفى كل الادعاءات الكاذبة التي يحاول البرهان ترويجها.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ الجبهة المعاديّة للتطبيع والمكونة من 28 حزباً وتكتلاً ومنظمة، تؤكّد أنّ القضيّة لها أبعاد سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، فيما تصر الحكومة السودانيّة على تصورها بأنّها قضيّة قمح ووقود تأخذ منه القليل مقابل بيع القيم السودانيّة، وتشير القوى السياسيّة الحرة في السودان إلى أنّها ترفض الدخول في حظيرة التطبيع الأمريكيّة، لأنّه سينصب على السودانيين ديكتاتور لا يعترف بالحرية والديمقراطيّة، في الوقت الذي يقف فيه الشعب السودانيّ مع فلسطين بكامل أراضيها وعاصمتها مدينة القدس، ولا يعترفون بتقسيمها شرقيّة وغربيّة.
وعلى هذا الأساس، يصف ميثاق جبهة “القوى الشعبيّة لمناهضة التطبيع مع الكيان الإسرائيليّ” التطبيع بأنّه محض صفقة مذلة معزولة تمت في الظلام، وتم استدراج السودان لها رغم أنفه، فيما ينص على أنّ القضية الفلسطينيّة عادلة لشعب احتلت أرضه وانتهكت مقدساته، وأنّ حقوق الشعب الفلسطينيّ ظلت محل إجماع الشعوب الحرة والشرائع الإنسانيّة كافة، إضافة إلى أنّ التطبيع مع الكيان الصهيونيّ يحقق نصراً معنويّاً وسياسيّاً لكيان محتل ظالم، وخذلاناً قاسياً للشعب الفلسطينيّ المظلوم.
ومن الجدير بالذكر، أنّه في ليلة الإعلان المشؤوم عن إعلان اتفاق العار بين تل أبيب والخرطوم، خرج السودانيون في تظاهرات غاضبة وسط إحدى الشوارع الرئيسة في الخرطوم، احتجاجاً على الخيانة التي ارتكبتها حكومتهم، بتطبيع علاقاتها مع العدو الصهيونيّ، وانتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، مقاطع مصورة بثها ناشطون، وجّه المتظاهرون فيها شعارات منددة بينها “اسمع اسمع يا برهان، لا تطبيع مع الكيان” ، كما رددوا: “لا تفاوض ولا سلام، ولا صلح مع الكيان” ، و “لا بنستسلم ولا بنلين.. نحن واقفين مع فلسطين”.
وبناء على ذلك، لا يمكن للبرهان التغطية على غدر الحكومة السودانيّة بشعبها عبر التصريحات الزائفة، وخاصة أنّها لا تملك أيّ تفويض لاتخاذ القرار بشأن التطبيع مع العدو الصهيونيّ، بما يتعدى مهام استكمال عمليّة الانتقال وتحقيق الاستقرار والسلام في البلاد، وصولاً للقيام بانتخابات حرة، لكنها رضخت لضغوط الإدارة الأمريكيّة التي خسرت الانتخابات، وارتكبت خطيئة يجمع الشعب السودانيّ على رفضها، ما خلق حالة من الغضب في الأوساط السودانيّة، باعتبار أنّ حكومتهم باعتراف مسؤوليها، ليست مخولة لتتخذ مثل هذا الإجراء مع كيان مغتصب وعنصريّ وطائفيّ.
ولأنّ البرهان يعلم جيداً أنّ الشعب السودانيّ بأكمله يرفض التطبيع مع العدو الغاصب، يحاول إنقاذ الحكومة السودانيّة من دائرة اللهب، بعد أن عارضت النسق الفكريّ والعقائديّ لشعبها الذي يمكن في أي لحظة أن يقلب حكومته رأساً على عقب بعد سيرها على نهج الخيانة الإماراتيّة – البحرينيّة، الراضخ لضغوط واشنطن وكيانها الإجراميّ.
والدليل الأكبر على خداع رئيس مجلس السيادة الانتقاليّ السودانيّ، عبد الفتاح البرهان، هو اللقاء الذي عقده مع رئيس الوزراء الصهيونيّ، بنيامين نتنياهو، في أوغندا قبل تطبيع السودان، وقد ألمح خلال افتتاح مؤتمر اقتصاديّ بالعاصمة السودانيّة الخرطوم وقتها، إلى أنّ السودان أمام “فرصة لا تعوض”، لحذف اسمه من قائمة الإرهاب الأمريكيّة، معتبراً أنّه يجب اغتنام تلك الفرصة، دون أن يذكر الشروط الأمريكيّة – الإسرائيليّة على ذلك، والتي ستثقل كاهل السودان وهي عبارة عن 47 شرطاً.
خطط اقتصاديّة
عقب تطبيع الخرطوم مع العدو الصهيونيّ الغاصب في 23 تشرين الأول الماضي، ودخول القرار الأمريكيّ برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب حيز التنفيذ، بعد أن عرضت إدارة الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، ما يصل إلى 850 مليون دولار لضحايا الهجمات الإرهابيّة، أشارت صحيفة معاريف العبريّة، قبل مدة، إلى أنّ وزير المخابرات الصهيونيّ، إيلي كوهين، عرض على المسؤولين السودانيين، أن تقوم شركات تابعة للعدو بتنفيذ مشاريع في السودان، مضيفة إنّ السودان سيرسل قريباً وفداً من رجال الأعمال لتعميق التعاون، في حين لم تُعقب السلطات السودانيّة أبداً على تلك الأنباء.
وبعد الزيارة الأولى لوزير الاستخبارات الصهيونيّ، إيلي كوهين إلى السودان، وقيام الجانبين بمناقشة احتمالات التعاون بين الخرطوم وتل أبيب، في مشروعات جزئية في مجالات الطاقة المتجددة والزراعة والصحة والطيران، ستنفذ تلك المشاريع من قِبَل قطاع الأعمال الصهيونيّ، وذكرت صحيفة “معاريف” العبريّة، أنّ شركة الأسمدة الصهيونيّة أعلنت عن استعدادها للنظر في تمويل 100% لإنشاء مصنع في السودان لإنتاج الأسمدة المناسبة للمناطق الجافة.
ويتحدث الإعلام الصهيونيّ، أنّ إيلي كوهين، أسهب في الحديث مع المسؤولين السودانيين عن شركات الأسمدة الصهيونيّة، التي تبيع منتجاتها في أكثر من 100 دولة حول العالم، وتشتهر بالإنتاج الأكثر أمانًا وكفاءة في السوق، وأن منتجاتها تسمح للفلاحين بزراعة المزيد من المحاصيل مع تأثيرات أقل على البيئة، وفق ادعائه، فيما اقترح وفد العدو أن ترسل الحكومة بعثة إلى السودان، للتحقيق في منتجات الألبان من أجل تحديد الطرق الممكنة لزيادة إنتاج الحليب، وتقديم التدريب والمشورة حول هذا الموضوع في المناطق القاحلة من خلال تغيير أساليب تربية الأبقار.
وتنوي الحكومة السودانية إرسال وفد من رجال الأعمال إلى الكيان الصهيونيّ قريباُ، للتعرف على المشاريع المختلفة عن كثب وبحث تعزيز التعاون وإلغاء قانون المقاطعة ضد الكيان الصهيونيّ المجرم، وتعديل القانون الذي ينص على حبس المهاجرين السودانيين، بما في ذلك من كانوا موجودين في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة وعادوا إلى بلادهم، وتسعى حكومة السودان لاستثمار علاقتها بتل أبيب لتحقيق جملة من المشاريع السياسيّة والاقتصادية، ولا سيما بعد قرار شطب السودان من اللائحة الأمريكية للدول الداعمة للإرهاب، ما ينفي كل المزاعم الحكوميّة في السودان.
محاولات فاشلة
من قبل، حاولت الإمارات أن تتحدث بأسلوب مختلف حول طريقة معالجة مشاكل المنطقة وتحدياتها، للتغطية على جريمة التطبيع التي ارتكبتها بحق فلسطين والعرب جميعاً، متناسية أنّ جُلّ مشاكل المنطقة والتوترات فيها، هي بسبب التمادي الصهيونيّ في الإجرام بحق الفلسطينيين والدول المحيطة بالأراضي المحتلة، كسوريا ولبنان اللّتان تعيشان أسوأ الظروف بسبب التدخلات الأمريكيّة السافرة والاعتداءات الصهيونيّة.
وعلى ما يبدو فإنّ البرهان اتبع أسلوب الإمارات التي أصدعت رؤوسنا بالخطوات العمليّة التي تحمل في طياتها وعوداً ببناء جسور جديدة لتخفيف تصعيد النزاعات القائمة ومنع نشوب صراعات جديدة في المستقبل، في ظل قناعة شعبيّة عربيّة كاملة أنّ ذلك ضرباً من ضروب الخيال، فالخنوع للعدو لا يجلب سوى المزيد من المآسي والخيبات، وأكبر دليل على ذلك تصريحات المسؤولين الصهاينة التي نفت كل الادعاءات الإماراتيّة، حول أنّ التحالف مع العدو الصهيونيّ جاء ليوقف مشاريع ضم الأراضي الفلسطينيّة.
كذلك، لم تكن تصريحاتُ البحرين أقل خيبة، بل كررت الادعاءات الكاذبة التي تحدثت عنها دولة الإمارات، بعد إعلانها تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيونيّ، في 13 آب المنصرم، حيث أوضحت حينها أنّ “اتفاق الاستسلام” سيسهم في إيجاد حل لما أسمته “الصراع الفلسطينيّ – الصهيونيّ”، ما يشي بشكل واضح إلى كذب مسؤولي الدول المُطبعة وقذارة الدور الذي تلعبه في صفقة تصفيّة القضية الفلسطينيّة.
المصدر / الوقت