المرجعية العراقية في خطوط المواجهة الأمامية للصهيونية
إن زيارة البابا فرنسيس الأخيرة للعراق، وخاصة لقاءه بآية الله السيستاني، المرجعية العليا لشيعة العراق، انتشرت على نطاق واسع في وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية. وفي حين أن الاجتماع والتشاور بين الزعيمين الدينيين الكبيرين جرى خلف أبواب مغلقة وبعيدا عن عدسات كاميرات الأخبار، الا ان وسائل الإعلام العراقية غطت محتوى هذه المحادثة التي استمرت ساعة واحدة.
وفي غضون ذلك، كان أحد المحاور المعلنة مسبقا لزيارة البابا فرنسيس للمنطقة والعراق هو الحاجة إلى الحوار بين الأديان والتأكيد على التعايش والسلام بين أتباع الديانات المختلفة، والتي كانت بطبيعة الحال أحد مواضيع اللقاء مع آية الله السيستاني. لكن هذا المحور من أهداف زيارة البابا، أثار شائعات وتكهنات منذ أيام خلت حول الصراع بين المسلمين والكيان الصهيوني أو مسألة تطبيع العلاقات.
وتزامن هذا النهج مع اليوم الأخير من حضور الزعيم الكاثوليكي في العالم مع رد فعل الزعماء الدينيين العراقيين، وبطريقة مخالفة للادعاءات التي تم ترويجها، فقد أبدت المرجعية العراقية علانية معارضتها لهذه العملية، والتي يمكن استخدامها كرسالة واضحة للفصائل السياسية المحلية والأجنبية التي تسعى للصيد في الماء العكر.
وفي هذا الصدد صرح الشيخ “علي النجفي”، نجل آية الله “بشير حسين النجفي”، أحد مراجع التقليد في النجف الأشرف، ردا على لقاء البابا فرنسيس الأول بآية الله السيستاني، يوم السبت، أن المرجعية هي الاسفين الأخير الذي سيدق في نعش خطة تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
وإلى جانب الشيخ علي النجفي، أكد محافظ النجف أشرف لؤي الياسري، أمس (الأحد)، أن موقف آية الله السيستاني من تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني واضح تماما، لذا فمن غير المسؤول الحديث عن بدء تطبيع العلاقات من النجف.
كانت مواقف آية الله السيستاني على المستويين الداخلي والخارجي رسالة واضحة للقوى الداخلية العراقية وكشفت بطريقة ما مكانة المرجعية الشيعية في النجف للمجتمع الدولي. بعد بدء عملية تطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني، كان موقف الحكومة العراقية من هذا العمل الغادر العربي والإسلامي، رغم الإدانة الشديدة للتيارات السياسية والزعماء الدينيين له، معتدلاً ومتسامحاً، والذي واجه انتقادات واسعة داخلياً بل واعتبر بمثابة عدم معارضة حكومة الكاظمي لهذه العملية. وهذا بدوره قدم للأعداء ذريعة للتشكيك في جبهة المقاومة الموحدة ضد تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ودعم الشعب الفلسطيني المظلوم.
لكن المواقف الأخيرة لآية الله السيستاني أظهرت أن النجف لن يكون البادئ بمثل هذه العملية في العراق على الاطلاق، وفي الوقت نفسه، يجب على التيارات السياسية العراقية أن تعتبر خطاب المرجعية هو كلمة الفصل للحكومة العراقية في هذا الصدد.
ولا يخفى على احد أن قسماً صغيراً من العلمانيين العرب، فضلاً عن جزء من الأكراد، لديهم مقاربة ناعمة تجاه الكيان الصهيوني وحتى العلاقات من وراء الكواليس. لكن الآن تلقى جميع الفاعلين السياسيين العراقيين رسالة واضحة مفادها أن تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني هو خط أحمر واضح لا ينبغي لأي شخص أو تيار سياسي تجاوزه.
إضافة إلى ذلك، وجهت رسالة آية الله السيستاني على المستوى الخارجي إلى جميع الفاعلين، وخاصة ساسة الكيان الصهيوني، رسالة مفادها أن العراق لن يدخل في عملية التطبيع نهائيا، وفي غضون ذلك، سيعارض النجف هذه العملية ايضا. لذلك فإن أي أمل في دعم آية الله السيستاني لدخول العراق في عملية “التطبيع” سيكون وهماً ونتاجاً لاحلام وتخيلات اللوبيات الصهيونية.
المصدر/ الوقت