ما الذي تخشاه اسرائيل من محكمة “لاهاي”
هناك فوضى سياسية كبيرة في اسرائيل فيما يخص كيفية التعامل مع قرار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، التي منحت بموجبه المدعية العامة فاتي بنسودا، الضوء الأخضر وصلاحية التحقيق في جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين، خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة ومشاريع الاستيطان وهدم البيوت وغيرها في الضفة الغربية.
الجميع يعلم أن اسرائيل ارتكبت أفظع المجازر بحق الفلسطينيين، ومع ذلك المجتمع الدولي بقي صامتاً عن هذه الجرائم، وذلك بدعم ومساندة دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، الذين تعاموا عما تقوم به اسرائيل من جرائم، وأي دولة تحتج على جرائم اسرائيل يتهمونها أمام الجميع بأنها تعادي السامية.
اليوم اعادة فتح تحقيق في محكمة بحجم “لاهاي” حول الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل، سيكون بمثابة “هزة أرضية” داخل المجتمع الاسرائيلي، وسيكون الصهاينة في حالة عدم استقرار حتى صدور الحكم، ومن دون ادنى شك سيتم تعطيل عمل المحكمة قدر المستطاع بمساعدة الغرب وامريكا، وهذا ما يعمل عليه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.
بخصوص هذا الموضوع قالت هيئة الإذاعة الإسرائيلية العامة “كان” إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، بيني غانتس، توجها في الأيام الأخيرة إلى كبار المسؤولين الأوروبيين من أجل المساعدة في مواجهة التحقيق الذي ستطلقه محكمة لاهاي الدولية.
وقال نتنياهو وغانتس في رسائل ومحادثات مختلفة ما مضمونه “إن التحقيق الذي انطلق في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي منحاز” و”إنه يوجد في إسرائيل جهاز قضائي مستقل”.
وجاء ذلك بعدما لجأت إسرائيل أولاً إلى الولايات المتحدة من أجل المساعدة في إحباط التحقيق الدولي.
وتنوي إسرائيل الحفاظ على حوار منتظم مع الجميع بما في ذلك الدول الأعضاء في المحكمة الدولية البالغ عددها 123 دولة، لمعرفة ما إذا كانت ستتدخل وكيف ستتدخل إذا قدمت المحكمة الجنائية الدولية في نهاية المطاف مذكرة توقيف بحق المسؤولين في تل أبيب.
وتواجه إسرائيل قرار لاهاي حول التحقيق معها بخطة كبيرة تقوم على حماية أكبر مسؤول وأصغر جندي، لكنها أيضا تواجه معضلة قانونية لجهة التعامل مع المحكمة نفسها.
وحتى الآن لا تريد إسرائيل التعاون مع المحكمة، ولذا فإن الإمكانية التي سيتم النظر فيها هي توضيح الموقف الإسرائيلي بشكل غير مباشر، مثل الاستعانة بمسؤولين سياسيين آخرين أو منظمات غير حكومية.
وبحسب المصادر فإن على المستوى السياسي أن يقرر في هذا. وكانت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، أعلنت الأربعاء المنصرم، بدء مكتبها بإجراء تحقيق يتعلق بالوضع في فلسطين، في خطوة رحب بها الفلسطينيون وأدانتها إسرائيل.
من جهة اخرى، اذا واصلت اسرائيل ازدراء المحكمة، والاحتجاج على صلاحيتها والامتناع عن التعاون معها، مثلما فعل نتنياهو بصورة متحدية في السنوات الخمسة الماضية، فان الضرر المحتمل لن يكون فقط قانونيا تجاه هذا الجنرال أو ذاك الملازم أو ذاك العضو في الشباك، بل ايضا سيكون ضررا سياسيا.
ويحق للمحكمة الجنائية الدولية محاكمة المتهمين بالإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وقعت على أراض دول أعضاء في “نظام روما الأساسي”، الذي تأسست بموجبه المحكمة.
يجب أن يعلم الجميع ان إصدار مذكرات اعتقال ومحاكمة في محكمة دولية يتناقض مع كل ما يغذون (الإسرائيليون) أنفسهم به من أنهم يتعاملون بشكل أخلاقي وقانوني، وأنهم لا يمارسون الاحتلال، وغيرها من الأكاذيب التي يكذبون بها على أنفسهم وعلى العالم، ويصدقونها، ويحاولون جعل العالم يصدقها.
بالنسبة للإسرائيليين فإن هذا القرار مصيري وخطير، وسيحاولون أن يفعلوا كل ما في وسعهم من أجل منع مشهد وجود سياسي أو عسكري إسرائيلي معتقل، أو متهم في قاعة المحكمة.
وكانت دولة فلسطين قد طلبت من المحكمة التحقيق في 3 ملفات أساسية، وهي الاستيطان الإسرائيلي بالأراضي الفلسطينية المحتلة، والعدوان على غزة، ومعاملة الأسرى داخل السجون الإسرائيلية.
ولا تحقق المحكمة مع دول، وإنما مسؤولون سياسيون وأمنيون وعسكريون، مرتبطون بقرارات أدت إلى انتهاك القانون الدولي، ما سيعني إصدار مذكرات توقيف وحتى محاكمة مسؤولين عن هذه القرارات أو الذين شاركوا فيها، وفق دحلة.
الوضع اليوم داخل “اسرائيل” منقسم
هناك خطة دولية تديرها وزارة الخارجية، عبر ممثليات وسفارات إسرائيل في الخارج مهمتها إقناع أكبر عدد من الدول برفض القرار والتضامن مع الموقف الإسرائيلي، وهناك خطة داخلية أوصى بها خبراء أمنيون وخبراء قانون بالعمل على عدة مستويات لمواجهتها، وايضاً هناك أصوات داعية إلى التوقف عن الردود المستفزة والتفكير بوسائل للتعاون مع المحكمة. بين كل هذا تعيش إسرائيل حالة انقسام تظهر المؤشرات الأولية منها أن تل أبيب ستكون مضطرة إلى الدفاع عن نفسها في محاولة لإلغاء عدد من الشكاوى المرفوعة إلى محكمة لاهاي، في مقابل تخفيض وتيرة المشاريع الاستيطانية في الضفة والقدس، التي تشكل عنصرا مهماً وبارزاً في مداولات المحكمة الدولية.
واللافت أن الرافضين لسياسة المؤسسة الإسرائيلية وفي مقدمتها الحكومة ورئيسها، بنيامين نتنياهو، هم أعضاء في الكابينت الإسرائيلي، وعُلم عن معارضة ثلاثة وزراء، على الأٌقل، لسياسة التهجم على المحكمة وإطلاق التصريحات المستفزة.
وطالب هؤلاء بالعمل على إيجاد وسائل تتعاون من خلالها إسرائيل مع المحكمة وبعدم الاستمرار في سياسة مقاطعتها. ويأمل هؤلاء أن يساهم تغيير توجه إسرائيل وسياستها في تجنيد قاض من الاثنين اللذين شكلا أكثرية داعمة لقرار فتح التحقيق مع قياديين سياسيين وعسكريين بتهم ارتكاب جرائم حرب.
ويكمن القلق الإسرائيلي في شخصية المدعي العام الجديد للمحكمة الذي سيعين بدلا من بنسودا، التي تنتهي ولايتها في شهر يونيو (حزيران) المقبل. ونقل عن مسؤول في القضاء الإسرائيلي أنه في حال تم اختيار مدع يحمل ذات مواقف بنسودا فستجد إسرائيل نفسها أمام مشكلة كبيرة حيث ستشهد تسونامي من الدعاوى التي تتهمها بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين وبالتالي سيجد الكثيرون من الشخصيات الإسرائيلية المسؤولة، حاليا وسابقا، من رؤساء حكومات، ورؤساء أركان جيش، ووزراء أمن، وضباط وجنود، إلى جانب شخصيات بينهم قادة المستوطنات، سيجدون أنفسهم مضطرين إلى المثول أمام المحكمة أو حتى اعتقالهم فور وصولهم الى دولة امتثلت لقرار المحكمة.
المصدر/ الوقت