التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 18, 2024

من المسؤول عن تردي الأوضاع في لبنان 

تشهد العديد من المناطق اللبنانية تحركات شعبية واسعة وغاضبة، للاحتجاج على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية و انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي بصورة كبيرة حيث فقد الليرة 85% من قيمتها خلال الأسابيع القليلة الماضية وكان لهذا الانهيار تداعياته الخاصة على الغلاء المعيشي، من جهتهم ركز المحتجون على قطع الشوارع الرئيسة وطرق السفر بين المحافظات مستخدمين الإطارات المطاطية المشتعلة وصناديق النفايات والأحجار الأسمنتية والعوائق المختلفة، وفي بعض المناطق السيارات الخاصة الشخصية المملوكة لبعضهم، وذلك بهدف إعاقة حركة السير وشل البلاد المشلولة أصلاً.

المحتجون الغاضبون رددوا هتافات تندد وتنتقد تردي الأوضاع المعيشية بصورة كبيرة وازدياد معدلات الفقر، والانقطاع الممتد طوال ساعات اليوم للكهرباء، وانهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي على نحو أدى إلى تفاقم الغلاء والارتفاع الكبير لأسعار السلع الأساسية هذا إن وجدت، وأكد العديد من المشاركين في الوقفات الاحتجاجية والتحركات الشعبية أن أوضاعهم المعيشية تدهورت بصورة كبيرة بلغت حد عدم قدرتهم على توفير احتياجاتهم الأساسية والمتطلبات المعيشية لهم ولأسرهم ولأبنائهم، وأن قدراتهم الشرائية هوت إلى حد لم يعد يمكن تحمله.

اللافت للانتباه في هذه الاحتجاجات هو حرص القوى الأمنية والجيش على عدم الاحتكاك بالمتظاهرين والمحتجين، حيث كانت قوات الشرطة في بعض المناطق تحاول التفاوض مع المتظاهرين وتهدئتهم وإقناعهم بفتح الطرق أمام حركة السير، غير أن هذه المحاولات لم يُكتب لها النجاح مع الإصرار على قطع الشوارع و الطرق، ولذلك اكتفت القوى الأمنية والعسكرية بمراقبة الأوضاع عن بُعد وعدم التدخل منعاً لحدوث أي مواجهات أو اشتباكات مع المتظاهرين والمحتجين.

شرارة الاحتجاجات الشعبية

انطلقت هذه الاحتجاجات على وقع الانهيار الحاد في قيمة الليرة اللبنانية، حيث بلغ سعر صرفها 10 آلاف ليرة لبنانية مقابل الدولار الأمريكي الواحد في السوق السوداء.

ومن جهته اجتمع الرئيس اللبناني ميشيل عون مع حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، وطالبه بمعرفة الأسباب التي أدت إلى تدهور الليرة اللبنانية، وارتفاع الدولار الأمريكي إلى مستويات قياسية. وطلب “عون” من حاكم المصرف المركزي البدء بعملية تحقيق سريعة لمعرفة الأسباب، واطلاع اللبنانيين على نتائج التحقيق، كما دعا إلى إحالة النتائج للنيابة العامة لملاحقة المتورطين، ذلك في حال ثبت وجود مضاربة غير مشروعة على العملة الوطنية من قبل أشخاص معينين.

أما جمعية المصارف في لبنان قالت إن ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء يعود إلى عدة أسباب منها الضبابية السياسية في البلاد في ظل التخبط السياسي والتجاذبات والمناكفات في غياب أي جهد جدي وحقيقي لتشكيل الحكومة المنتظرة برئاسة سعد الحريري، إضافة إلى الاستيراد غير المدعوم من مصرف لبنان والذي تقدر قيمته بما لا يقل عن 5 مليارات دولار سنوياً بحيث يلجأ المستوردون إلى السوق السوداء لتأمين الدولارات النقدية المطلوبة”.

موقف حكومة تصريف الأعمال

هدد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية حسان دياب بالامتناع عن تأدية مهام منصبه، بهدف الضغط على القادة السياسيين للتسريع بتشكيل الحكومة الجديدة.

حيث قال دياب إنه إذا كان الاعتكاف سيساعد في تشكيل الحكومة فهو جاهز له رغم أنه يخالف قناعاته، مشيراً إلى أن ذلك قد يعطل الدولة برمتها ويضر اللبنانيين بشدة.

وأشار دياب في كلمته إلى الحادث الذي وقع في الآونة الأخيرة في أحد متاجر بيروت، حيث تشاجر متسوقون على الحليب المجفف، متسائلاً ” ألا يشكل مشهد التسابق على الحليب حافزاً كافياً للتعالي على الشكليات وتدوير الزوايا من أجل تشكيل الحكومة؟”.

الظروف الاجتماعية في لبنان تتفاقم بشدة، والظروف المالية و الاقتصادية تضغط بقوة، والظروف السياسية والتدخلات الخارجية تزيد المسائل تعقيداً، وكل هذه التحديات الجسيمة لا يمكن لحكومة عادية مواجهتها من دون توافق سياسي فكيف يمكن لحكومة تصريف أعمال أن تواجه تلك التحديات؟

أين هي الحكومة الجديدة؟

لم يتمكن لبنان حتى الآن من تشكيل حكومة جديدة منذ استقالة حكومة دياب في 10 آب الماضي، بعد 6 أيام من انفجار كارثي بمرفأ العاصمة بيروت. حيث كلف الرئيس اللبناني ميشال عون في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي سعد الحريري بتشكيل حكومة عقب اعتذار مصطفى أديب لتعثر مهمته في تشكيل حكومة إلا أن وجود خلافات بين القوى السياسية أدى إلى عدم تشكيل الحكومة حتى الآن

كل هذه التحركات الاحتجاجية لم تساعد حتى الساعة في تسريع عجلة تشكيل الحكومة، وجلوس الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري معاً لوضع خلافاتهما جانباً لمصلحة البلد المنهار بشكل كامل، وخصوصاً أن غياب الاستقرار السياسي يعد من أبرز عوامل ارتفاع سعر صرف الدولار، ووقف الدعم المالي عن لبنان، الذي بات يرتبط بتشكيل حكومة من أصحاب الكفاءة والنزاهة والاختصاص، تعمل وفق برنامج إصلاحي متكامل.

بل على العكس من ذلك، اشتدت البيانات والخطابات وكيل الاتهامات المتبادلة بالتعطيل بين فريقي رئيس الجمهورية والرئيس المكلف سعد الحريري.

حيث رد المكتب الإعلامي للرئيس الحريري، على خبر منشور في صحيفة “الأخبار” اللبنانية يتحدث عن اقتراح قدمه الرئيس عون للحريري، عبر المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي يبادر على خط الطرفين لحل العقد الحكومية، لاقى رفض الرئيس المكلف، وربط بأن الحريري لا يريد تشكيل الحكومة قبل نيل رضى السعودية. المكتب نفى الخبر واضعاً إياه في إطار نقل مسؤولية التعطيل من الرئيس عون وصهره رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل إليه، وقال: “إن الحريري لا ينتظر رضى أي طرف خارجي لتشكيل الحكومة، لا السعودية ولا غيرها، إنما ينتظر موافقة الرئيس عون على تشكيلة حكومة الاختصاصيين مع التعديلات التي اقترحها الحريري أخيراً”.

تدخلات خارجية تعوق تشكيل الحكومة

قام الحريري في فبراير الماضي بجولة خارجية شملت باريس، حيث التقى الرئيس إيمانويل ماكرون، وتناول اللقاء الذي دام ساعتين، آخر التطورات الإقليمية ومساعي الرئيس الحريري لترميم علاقات لبنان العربية وحشد الدعم له في مواجهة الأزمات التي يواجهها، إضافة إلى جهود فرنسا ورئيسها لتحضير الدعم الدولي للبنان فور تشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات اللازمة لوقف الانهيار الاقتصادي وإعادة إعمار ما تدمر في بيروت جراء انفجار المرفأ في أغسطس الماضي.

كما زار الحريري الإمارات مؤخراً وهو على اتصال مباشر مع القيادة السعودية من أجل مشاورات لتشكيل الحكومة اللبنانية!

أليس الأحرى بالشخص المكلف بتشكيل الحكومة أن تكون جولاته على القادة السياسيين داخل لبنان حتى وإن اختلفت وجهات النظر بهدف تذليل العقبات وتشكيل الحكومة وانقاذ الشعب اللبناني الذي بات في ورطة اقتصادية كبيرة

أليس الأحرى بالشخص المكلف بتشكيل الحكومة أن يكف عن اتهام الآخرين بأنهم يتلقون أوامرهم من الخارج وهو في الوقت نفسه يرتمي في الحضن الفرنسي والأمريكي والخليجي؟

كل هذه التساؤلات تجيب على مطالب الشعب اللبناني الذي يريد إيقاف هذه المهذلة السياسية ووضع حد لمأساته التي سببها عناد المسؤولين ورفضهم لتذليل العقبات داخلياً والامتثال لأوامر أسيادهم في الخارج.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق